FINANCIAL TIMES

محضر «الاحتياطي الفيدرالي» يكشف الميل نحو التشدد

محضر «الاحتياطي الفيدرالي» يكشف الميل نحو التشدد

محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" يشبه بوفيها مفتوحا - فهناك ما يناسب كل ذوق، إلا أن الطبق الرئيس يكشف عن تحيز إيجابي نحو التشدد في السياسة النقدية، عبر رفع أسعار الفائدة المصرفية إلى أعلى.
أكد محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في كانون الثاني (يناير) الماضي على انعطاف تام مذهل في السياسة، وهو انعطاف أفلح في الفيدرالي تهدئة الأسواق المالية بعد نهاية مشحونة عام 2018.
من المهم بالنسبة إلى معنويات السوق أن يبين محضر اجتماع اليوم أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، تتطلع إلى إنهاء تقليص الميزانية العمومية للبنك المركزي الأمريكي، في وقت لاحق من هذا العام.
تشرح دقائق الاجتماع التفكير في سبب اختيار لجنة السوق الفيدرالية لعدم السرعة بعد ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية خلال عام 2018، ما دفع النطاق الأعلى لمعدل الأموال الفيدرالية (سعر الخصم العام) إلى 2.50 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
يذكر المحضر ما يلي: " كثير من المشاركين يرون أنه لم يتضح بعد ما هي التعديلات على النطاق المستهدف لمعدل الأموال الفيدرالية، التي ربما تكون مناسبة في وقت لاحق من هذا العام؛ وجادل عدد من هؤلاء المشاركين بأن زيادات أسعار الفائدة قد لا تكون ضرورية، إلا إذا كانت نتائج التضخم أعلى مما كانت عليه في توقعاتهم الأساسية. وأشار عدد من المشاركين الآخرين إلى أنه إذا تطور الاقتصاد كما كانوا يتوقعون، فإنهم يرون أنه سيكون من المناسب رفع المستوى المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، في وقت لاحق من هذا العام".
وحيث إن معدل التوظيف قوي والتضخم قريب من هدفهم، فإن من الواضح أن البعض في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لا يزالون يعتقدون أنه قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من التشديد، الأمر الذي يتناقض مع وجهة نظر سوق سندات الخزانة التي تقول إنه بعد نوبة من الصبر، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مرحلة ما سيخفف السياسة النقدية.
علينا أن نتوقع أن يستمر هذا الجدال وأن يختبر شهية السوق للمخاطر في الأشهر المقبلة، خاصة إذا بقيت البيانات الأمريكية صلبة، وتراجعت التهديدات على الاقتصاد الكلي مثل التجارة وتراجع الطلب من الصين.
يسلط ألان روسكين في "دويتشه بنك" الضوء على ما يسميه "انقسام حذر وحاسم في لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة" أو كيف يتوقع بعض المسؤولين زيادة أسعار الفائدة في حال بقي الاقتصاد متينا، مقابل الآخرين الذين سيشددون السياسة إذا ارتفع التضخم.
"هذا يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي منقسم بالتساوي بين الذين يعتقدون أن تطبيع الأوضاع المالية، وما يترتب على ذلك من تداعيات محتملة على الاقتصاد الحقيقي، لا يزال يعني أن أسعار الفائدة ستزداد، وبين الذين يشددون على الحاجة إلى رؤية بعض علامات التضخم، فوق توقعاتهم الأساسية قبل أن يقرروا زيادة أسعار الفائدة، وهو مستوى أعلى معقول لمن يريد تشديد السياسة".
وكان رد فعل السوق الأولي هو دفع عوائد سندات الخزانة لأجل عامين، "الحساسة للسياسة النقدية"، إلى معدل أعلى قليلا من 2.50 في المائة، بينما ارتفع الدولار إلى منطقة إيجابية.
هو رد فعل متواضع للغاية، كما يقول جون هيل من شركة بي إم كابيتال ماركتس، يكشف لهجة محضر الاجتماع: "إن ميل الخطوة التالية في أسعار الفائدة لا يزال يشير في مجمله إلى فرض الزيادات".
ويضيف: "غياب التعليق على التخفيضات الوشيكة في أسعار الفائدة هو أيضا دليل مفيد يشير إلى اقتراح تحيز صعودي لمسار الأسعار خلال بقية العام".
الانتعاش الحاد في الأسهم ونبرة أفضل في ائتمان الشركات يساعد أيضا على تقليل مخاوف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، في أن اضطراب الأسواق المالية يمكن أن يؤثر في الاقتصاد الواسع مع تقدم العام.
إلى جانب الأدلة على التضخم والنمو الأقوى، فإن المسار نحو زيادة أسعار الفائدة الأمريكية من شأنه أن يتطلب مزيدا من التيسير في الظروف المالية.
من المؤكد أن التوقف المؤقت من قبل اللجنة الفيدرالية يؤكد على حساسية السياسة تجاه الأسواق مثل الأسهم والسندات.
وبالفعل اشتمل محضر الاجتماع على هذه الملاحظة: "اتفق المشاركون على أنه من المهم مواصلة مراقبة تطورات السوق المالية، وتقييم آثار هذه التطورات في الآفاق الاقتصادية".
في هذا المنعطف، فإن علاوات المخاطر على السندات الأمريكية الحاصلة على تصنيف بي أيه أيه BAA لا تزال واسعة النطاق - نحو 230 نقطة أساس فوق عائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات. ارتفعت علاوة المخاطر من 170 نقطة أساس قبل عام. وكان أحد العناصر الرئيسة الأخرى لتشديد السياسة النقدية من قبل اللجنة الانخفاض المطرد في حجم ميزانيتها العمومية الهائلة. هنا أشار محضر كانون الثاني (يناير) الماضي إلى أن نهاية اللعبة تلوح في الأفق: "كان من رأي جميع المشاركين أنه سيكون من المرغوب فيه الإعلان قبل فترة طويلة، عن خطة للتوقف عن تقليص مقتنيات الأصول لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في وقت لاحق من هذا العام".
يقول بوب ميلر في "بلاك روك" إن ذلك يفتح الباب أمام رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول لتقديم "أرقام وتوقيت لإنهاء التقليص في الميزانية العمومية" عندما يشهد أمام الكونجرس الأسبوع المقبل.
ويرى بوب أن: "الحقيقة هي أن اللجنة أمضت ثلاثة اجتماعات متتالية في مناقشة السياسة، علاوة على مناقشة الميزانية العمومية بالتفصيل، وبالنسبة لنا فإن هذا يشير إلى بعض الإلحاح في معالجة الأسئلة المحيطة بمستقبلها".
في إطار التسهيل الكمي، ارتفعت الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي من 900 مليار دولار في عام 2008 إلى 4.3 تريليون دولار في أواخر عام 2014.
وظلت على هذا المستوى حتى عام 2018 وتقلصت في وقت لاحق إلى 3.85 تريليون دولار، وبحسب وتيرتها الحالية نحو الانكماش، يجب أن تنخفض إلى أقل من ثلاثة تريليونات دولار بحلول أواخر عام 2020.
للوهلة الأولى، كان الانخفاض في الميزانية العمومية لمجلس لاحتياطي الفيدرالي متواضعا، وتساءل عدد من المراقبين، بمن فيهم مسؤولو السياسة، عن سبب هذا التركيز الكبير، والحساسية الشديدة من جانب الأسواق حيال التشديد الكمي.
يرد ديفيد رايلي في "بلوباي أسيت مانجمنت" BlueBay Asset Management بالملاحظة التالية من خنادق السوق: "التراجع في الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هو شكل من أشكال تشديد السياسة النقدية، في الوقت الذي يعمل فيه المستثمرون على تخفيض مقتنياتهم من الأصول الخطرة، من أجل استيعاب مجموعة أكبر متاحة من الأصول الآمنة، وهو عكس مفعول "إعادة توازن المحافظ الذي عزز الأصول الخطرة وخفف من الظروف المالية خلال عصر التيسير الكمي".
ديفيد يسلط الضوء على السبب الذي يجعل وتيرة الطيار الآلي للانكماش في الميزانية مهمة بالنسبة للمستثمرين: "حين يسير مجلس الاحتياطي الفيدرالي على مسار محدد مسبقا لميزانيته العمومية، فإن هذا من الناحية العملية يحول دون إمكانية تخفيض أسعار الفائدة، لأنه من الصعب تصور سيناريو بموجبه يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وفي الوقت نفسه يعتصر السيولة في أسواق المال".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES