FINANCIAL TIMES

شركات إيرلندا ترتعب من سيناريو «بريكست» اللا اتفاق

شركات إيرلندا ترتعب من سيناريو «بريكست» اللا اتفاق

شركات إيرلندا ترتعب من سيناريو «بريكست» اللا اتفاق

تجتاح شركة إنتاج زجاجات دخلت السوق في أواخر العام الماضي، وهي أولى منتجاتها، نوبة ليست بالقليلة من القلق بشأن "بريكست"، ما لم تكن هناك إشارة إلى "جدار استنادي" في اتفاق "بريكست". الآن من الصعب عليها التفكير في أي شيء آخر.
منذ بداية من الصفر في عام 2015، حقق المصنع طلبا فاق التوقعات، والشركة في سبيلها إلى مضاعفة الإنتاج، بحيث تصبح موردا رئيسا في هذا القطاع.
ما بين التفاؤل والتشاؤم، من الصعب تفادي احتمالية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق - وتأثير ذلك من المحتمل في إيرلندا.
يقول ألان مارتن، محاسب الشركة "هنالك قدر كبير من عوامل اللبس. نحن لا نعلم تماما ما الذي سيحدث".
كثير من الشركات الموجودة في مختلف أنحاء إيرلندا هي في موقف مماثل.
فرض رسوم جمركية حادة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية على التجارة القيمة مع المملكة المتحدة، وقدر ضخم من الأعمال الورقية الجمركية الجديدة، وخطر وجود تأخير طويل في شحنات البضائع من البر الأوروبي وإليه، التي عادة ما تعبر مباشرة عبر بريطانيا، كل ذلك يعني أن إيرلندا لديها كثير لتخسره، إلّم يكن أكثر من أي بلد آخر في حال تحقيق "بريكست" من دون اتفاق، باستثناء المملكة المتحدة.
أسواق النمو بالنسبة إلى المنتجات تقع في الولايات المتحدة والصين وجنوب إفريقيا، لذلك فإن الشركة تركز أنظارها على أماكن بعيدة عن الدراما التي تجري في وستمنستر وبروكسل.
يقع المصنع على بعد عشر دقائق من الحدود مع إيرلندا الشمالية – أكثر قضية مثيرة للخلاف بعينها، المتبقية في المعركة حول الآلية التي ستتبعها المملكة المتحدة أثناء مغادرتها الاتحاد الأوروبي.
لندن ودبلن وبروكسل عازمة جميعا على أنه ينبغي ألا يؤدي "بريكست" إلى فرض نقاط تفتيش جديدة، أو حدود ثابتة لتحل مكان ما يعد الآن تجارة بدون صعوبات أو عوائق عبر حدود غير مرئية تفصل إيرلندا الشمالية عن جارتها الجنوبية، لكنها لا تستطيع الاتفاق حول الآلية.
تسبب الانشقاق في وصول المحادثات إلى حافة الانهيار، مع اضطرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي "بضغط من المناهضين للتكامل الأوروبي في حزبها والحزب الديمقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية - الذي تعتمد عليه حكومة الأقلية لديها في وستمنستر" إلى التماس تنازلات، لن يقبل بها ليو فاراداكار رئيس الحكومة الإيرلندية وحلفاؤه في الاتحاد الأوروبي.
الشركات التي من قبيل مصنع الزجاج الكبير وقعت ضحية لهذه العملية السياسية على حافة الهاوية.
يعمل المصنع على تعديل سلاسل التوريد وتخزين المواد الخام لتجنب التعطيل. كما يواجه أيضا رسوما جمركية جديدة قاسية ستعني أن سعر بعض المكونات المتخصصة من المملكة المتحدة سيرتفع بنسبة تزيد على 20 في المائة فيما لو اندفعت بريطانيا بشكل عشوائي خارجة من الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل. يقول مارتن "إنها صفعة قوية".
استثمار الشركة في داندوك كان تصويتا على الثقة بالسوق المزدهرة وإنعاش اقتصاد إيرلندي تعرض للدمار بسبب الأزمة المالية.
تواجه حكومة فاراداكار الآن احتمالية أن يعود ذلك التقدم إلى الوراء، حيث يشير بعض الاقتصاديين إلى أن إيرلندا يمكن أن تنزلق نحو الركود في غضون 18 شهرا من اندفاع بريطانيا من باب الاتحاد الأوروبي بشكل عشوائي، في التاسع والعشرين من آذار (مارس) المقبل.
المملكة المتحدة هي أكبر شريك لواردات إيرلندا وثاني أكبر سوق تصدير لها بعد الولايات المتحدة.
والخلاف حول "الجدار الاستنادي" - الذي هو من الناحية العملية بوليصة تأمين لإبقاء الحدود الإيرلندية الشمالية مفتوحة، ريثما يتم التوصل إلى اتفاق تجاري جديد بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي - يعمل أيضا على زيادة توتر العلاقات بين لندن ودبلن التي كانت قد تحسنت منذ أن عملت معاهدة السلام يوم الجمعة العظيمة التي وقعت في عام 1998، على إنهاء عقود من العنف الطائفي في إيرلندا الشمالية.
وقد حذر توني بلير، رئيس الوزراء الأسبق في المملكة المتحدة، الذي وقع الاتفاقية في عام 1998، من أن "بريكست" بدون اتفاق يمكن أن يكون "مدمرا" بالنسبة إلى عملية السلام، فيما لو أصبحت الحدود الثابتة هدفا للجماعات الجمهورية المنشقة شبه العسكرية، التي تعارض اتفاقية الجمعة العظيمة.
من المقرر أن تخاطب ماي أعضاء البرلمان لكي تطلعهم على مستجدات محادثاتها في بروكسل ودبلن.
على أن قرارها المفاجئ الذي اتخذته قبل أسبوعين، الذي يقضي بالسعي إلى اتخاذ "تدابير بديلة" للجدار الاستنادي للفوز بتأييد برلماني من الجناح المناهض للتكامل الأوروبي في حزب المحافظين والحزب الوحدوي الديمقراطي، أثار غضب إدارة فارادكار.
مثل ماي، هو يقود حكومة أقلية تواجه قيودا محلية صارمة، تحد المجال أمامه للمناورة في أي محادثات. وهو يرفض مطالبها بالحصول على مهلة زمنية للجدار الاستنادي، ويواجه خطر التعرض لرد فعل سياسي عنيف في الداخل فيما لو قدم أي تنازلات.
كانت بروكسل وبرلين وباريس صامدة في دعمها وتأييدها لفارادكار. على أن المخاطر المتصاعدة المترتبة على "بريكست" زادت من حدة اعتماد فارادكار على كبار القادة الأوروبيين أمثال جان كلود يونكر ودونالد توسك وأنجيلا ميركل وميتشيل بارنييه، كبير مفاوضي "بريكست" في الاتحاد الأوروبي.
يصر المسؤولون الأوروبيون على أنهم سيقفون إلى جانب فارادكار، لكن لا يزال هنالك قلق في دبلن من أنه قد يتعرض أيضا لضغوط من أجل تغيير رأيه في اللحظة الأخيرة، لتجنب الخروج دون اتفاق.
يقول أحد كبار المسؤولين الإيرلنديين "إنه يعزز الدعم الأوروبي من خلال الذهاب إلى بروكسل. ليس هناك شخص متهاون".
يتسع نطاق هذا الموقف ليصل إلى كثير من أكبر الشركات الإيرلندية التي جهزت خطط طوارئ مكلفة جدا، في حال المغادرة دون التوصل إلى اتفاق وترجو عدم الاضطرار إلى استخدامها أبدا، وبدلا من ذلك هي ترجو التوصل إلى اتفاق متأخر في المملكة المتحدة، أو تأجيلا للمادة 50.
منذ الآن يسعى فارادكار وجماعة الضغط الزراعي القوية في إيرلندا إلى الحصول على مساعدة طارئة من بروكسل، للتعويض عن الخسارة المفاجئة في مبيعات اللحوم ومنتجات الألبان في أسواق المملكة المتحدة، في حال تم فرض الرسوم الجمركية.
كما يريد الزعيم الإيرلندي أيضا إعانات من الاتحاد الأوروبي لتمكين إدارته من إنقاذ الشركات المتضررة.
تؤدي عوامل اللبس منذ الآن إلى حدوث تراجع في الأعمال. قال "إيه آي بي" أكبر مصرف في إيرلندا، يوم الإثنين الماضي، "إن ثلث الشركات ألغى أو قام بتأجيل الاستثمارات بسبب "بريكست".
بعد مضي عقد من الزمن على أزمة الانهيار المصرفي المدمرة وعملية الإنقاذ الدولية المهينة، عاد النمو القوي. حيث نما الناتج المحلي الإجمالي في إيرلندا بنسبة 5.2 في المائة في عام 2016 وبنسبة 7.2 في المائة في عام 2017. تشير التوقعات الحكومية إلى نمو نسبته 7.5 في المائة في عام 2018.
البلد لا يزال يواجه آثار الأزمة التي استثارت سنوات من التقشف المرهق، وتفشي البطالة وعمليات إنقاذ ضخمة للمصارف ممولة من دافعي الضرائب، جميعها جعلت إيرلندا أكثر عرضة لآثار "بريكست".
كذلك يثقل كاهلها الدين الوطني البالغ 212.8 مليار يورو في نهاية شباط (فبراير) الجاري، بعد أن كان 43.7 مليار يورو قبل الأزمة. وحيث إنه يشكل 255 في المائة من الإيرادات الحكومية، فإن إيرلندا تعد من الفئة الأكبر في منطقة اليورو.
كونور أوكيلي مسؤول عن إدارة هذا العبء. أصر رئيس "الوكالة الوطنية لإدارة الخزانة"، الذي هو مكتب الدين الحكومي، في خطاب ألقاه أخيرا على أنه لا يحتاج إلى خطة من أجل "بريكست"، لأنه لا خيار أمامه سوى العمل على إعداد خطة طوارئ "دائمة".
قال أوكيلي في إحدى الفعاليات التجارية "إيرلندا واحدة من أكثر الاقتصادات انفتاحا في العالم. ونحن بلد من أكثر البلدان مديونية في العالم. نحن نعتمد على رأس المال الأجنبي فيما يراوح ما بين 80 إلى 90 في المائة من القروض التي نحصل عليها".
مع شرط تمويل يفرض هذا العام بين 14 إلى 18 مليار يورو، تعتمد قدرة البلاد على سداد ديونها على المحافظة على ثقة السوق بالاقتصاد.
مع ذلك، تدخل دبلن بالفعل المرحلة النهائية من لعبة "بريكست" بعد تسجيلها أول فائض في الميزانية منذ عقد من الزمن، وإن كان فائضا ضئيلا.
مع ذلك، هنالك تحذيرات رهيبة متوقعة من التعرض لضربة اقتصادية كبيرة في حال عدم التوصل إلى اتفاق، وهي تأتي بانتظام متزايد. تشعر وزارة المالية بالقلق إزاء تباطؤ "لا يستهان به" في النمو وارتفاع في معدلات البطالة، قائلة "إن الاقتصاد الإيرلندي قد يتراجع بنسبة 4.25 في المائة من التوقعات الحالية على المدى المتوسط".
يبدي البنك المركزي قلقه إزاء الاضطراب في الأسواق المالية وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي والصادرات والتعطل في النقل. وقد حذرت كل من شركتي ديفي وجودبادي، للوساطة المالية مقرهما دبلن، من أن الخروج دون التوصل إلى اتفاق يمكن أن يدفع بإيرلندا نحو الركود.
يقول سيموس كوفي، رئيس المجلس الاستشاري المالي الإيرلندي، الهيئة الرسمية لمراقبة الميزانية، "إنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان الركود هو نتيجة محسومة"، لكنه يعتقد أن حدوث تباطؤ اقتصادي أمر لا مفر منه.
ويقول "كان أداء الاقتصاد الإيرلندي قويا جدا على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية، بحيث إنه لا يمكن توقع استمرار نموه بنفس الوتيرة".
هل يمكن للاندفاع إلى باب الخروج بشكل عشوائي أن يكون مؤذيا بقدر ما كانت الأزمة الأخيرة؟ يقول كوفي "لا أعتقد أن المخاطر التي يتسبب فيها "بريكست" كبيرة كما هي مخاطر الأزمة. هي مخاطر لا يستهان بها، لكن تأثير ما حصل في عامي 2008 و2009 في القطاع المالي وسوق العمل والمالية العامة، كان بحجم ضخم من غير المحتمل أن نشهد مثيلا له في حال "بريكست" الصعبة، وهذا لا يعني أن الأمر قد لا يصاب باختلال غير عادي، بل يمكن أن يحصل ذلك".
بالنسبة إلى السياسيين والمسؤولين في دبلن، الاختلاف مع لندن حول الجدار الاستنادي أمر بعيد كل البعد عن الانسجام النسبي بين إيرلندا وبريطانيا، القوة التي كانت تستعمرها في السابق، منذ اتفاقية الجمعة العظيمة، وهي في حد ذاتها نتيجة لأكثر من عقد من الدبلوماسية المثابرة.
يقول بيرتي آهيرن، رئيس وزراء جمهورية إيرلندا السابق الذي وقع اتفاقية عام 1998 مع توني بلير، "إن الجو العام الآن مختلف للغاية، كان يجب أن أكون حاضرا في المكتب كل ستة أسابيع"، مشيرا إلى مقر رئاسة الوزراء في دبلن. كما أن توني بلير كان هنا في دبلن مرات كثيرة".
من غير المرجح وجود علاقة وثيقة مماثلة بين فارادكار وماي. علاقتهما الشخصية تفتقر إلى الدفء، بحسب ما يقول المراقبون السياسيون. والثقة ضئيلة. طلب إيرلندا بوجود جدار استنادي تسبب في إثارة عداء ماي، على أن دبلن تشتكي منذ فترة طويلة من أن لندن تتجاهل بدون مبالاة أي تأثير لـ"بريكست" في اتفاقية السلام.
نتيجة لذلك، كما يقول آهيرن، "بريكست يجعل الجو العام سلبيا، فهو يصورنا كما لو أننا أشخاص عدائيون وعديمو الفائدة، وإن كنت هنا "في إيرلندا"، يشعر الناس بأن البريطانيين لا يريدون المساعدة. عدنا الآن إلى اللغة السلبية التي تم القضاء عليها في الواقع خلال السنوات الماضية، التي زادت على الـ20".
يقول يونان أوهالبين، أستاذ التاريخ الإيرلندي المعاصر في كلية ترينيتي في دبلن، "إن "بريكست" نكسة كبيرة قد لا نتمكن أبدا من عكس آثارها. التوتر السائد حاليا يتناقض مع الثقة المطلقة التي كانت سائدة بين كبار المسؤولين الإيرلنديين والبريطانيين، حتى في أحلك لحظات الصراع الذي أسفر عن مقتل أكثر من 3600 شخص".
"في أوائل الثمانينيات على وجه الخصوص، اتخذ المسؤولون المهمون مبادرات شخصية على كلا الجانبين لإيجاد تفاهم مع الطرف الآخر ومع ما كان يريده. كان لهذا الأمر عواقب وفوائد طويلة الأجل ومهمة جدا".
يقول أحد حلفاء فارادكار "إنه اغتنم اللحظة التاريخية وإمكانية السعي إلى إنعاش العملية البريطانية الإيرلندية المحطمة.
حتى لو كان رئيس الوزراء منفتحا أمام فكرة تقديم تنازل صغير إلى ماي، تظل هناك مشكلة أنه لا أحد يعلم ما إذا كانت ستحقق التأييد للفكرة في مجلس العموم.
مع اقتراب الموعد، يشعر أهيرن، الذي اعتاد على لقاءات القمة في آخر الليل في بروكسل، بالقلق من سيناريو "يوم الحساب"، الذي يتراجع فيه التأييد الأوروبي لإيرلندا في اللحظة الأخيرة".
ويقول "لا أعتقد أن بارنييه وفريقه سيعقدون مؤتمرا صحافيا في بروكسل يقولون فيه (نحن نتخلى الآن عن الإيرلنديين ونعتذر لأننا قمنا بتغيير رأينا)".
أي قرار من هذا القبيل من شأنه أن يكون من وراء الكواليس، في الوقت الذي يقترب فيه خروج بريطانيا بدون اتفاق. وهو يخشى أنه "سيبدأ الناس بالقول (يا إلهي. لا نستطيع أن ندع هذا الأمر يحدث. وعلينا أن نعثر على حل من نوع ما). هذا هو السياق".
بالعودة إلى داندوك، يشعر مارتن بقلق مماثل. "هناك كثير من سياسة حافة الهاوية في الوقت الحاضر. يبدو على الاتحاد الأوروبي أنه يدعمنا تماما. حين يجد الجد، هل سيظلون داعمين لنا؟ هذا سؤال مهم للغاية" على حد تساؤله.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES