FINANCIAL TIMES

تباين مواقف دول «آسيان» في شأن التجارة الحرة

تباين مواقف دول «آسيان» في شأن التجارة الحرة

قال اثنان في المتوسط من كل ثلاثة أشخاص - شملهم استبيان المستهلكين في المناطق الحضرية، بلغ عددهم في العينة نحو خمسة آلاف شخص، من كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلند وفيتنام - "إن التجارة العالمية تفيد اقتصاد بلادهم"، في حين قال 57.3 في المائة منهم "إن اتفاقيات التجارة الحرة جيدة بالنسبة إلى بلادهم".
تشير النتائج إلى وجود تأييد واسع النطاق للأسواق المفتوحة بين المستهلكين في بلدان "الآسيان" الخمسة، حتى في الوقت الذي تسوده السلبيات في خلفية التجارة العالمية بسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين، والاشتباك بين واشنطن وبكين، الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب تجارية شاملة.
على الرغم من التزام بلدان الآسيان الخمسة باتفاقية تجارة حرة إقليمية منذ عام 2015، إلا أن هنالك دلائل على تزايد حالات التملص من الاتفاقية، في الوقت الذي تختار فيه الحكومات حلولا قصيرة الأجل لمواجهة الضغوطات الاقتصادية، فيما تتعرض العولمة للهجوم.
بشكل غير مفاجئ، الفيتناميون هم الأكثر تأييدا للتجارة الحرة حيث إن نحو 90 في المائة ممن شملهم الاستبيان، يقولون "إنهم يفضلون ذلك". استفاد البلد بشكل كبير من التجارة، فهي الاقتصاد الرئيس الأسرع نموا في جنوب شرق آسيا - حيث وصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى مستوى له خلال عقد في العام الماضي - بفضل الصادرات التي حققت رقما قياسيا بلغت نسبته 99.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في عام 2018، مع إسهامات كبيرة من قطاع الصناعات التحويلية.
الإندونيسيون كانوا هم الأقل تأييدا، وهذا دلالة على عدد الوظائف الأقل الذي توفره صادرات السلع الأساسية لديهم، مقارنة بالصناعات التحويلية.
مع ذلك، حتى مع اتساع نطاق العجز التجاري في إندونيسيا ليصل إلى مستويات قياسية في عام 2018، قال معظم الأفراد الإندونيسيين "إنهم يفضلون الحفاظ على أسواقهم المحلية منفتحة أمام التجارة العالمية".

مخاوف الحرب التجارية
النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين ربما يكون أوضح وأقرب خطر يهدد التجارة – أكثر من نصف المستهلكين في بلدان رابطة آسيان قالوا "إنه يمكن أن يؤذي اقتصاد بلدانهم" – على الرغم من أن الإندونيسيين كانوا هم الأقل شعورا بالقلق، وهو دلالة على عدم تعرض بلدهم نسبيا لحركات التجارة العالمية – "فاينانشيال تايمز" أجرت هذا الاستبيان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بعد أن وافقت الولايات المتحدة والصين على هدنة مدتها 90 يوما، ستنتهي في الأول من آذار (مارس) المقبل.
معظم بلدان آسيان الخمسة لا تنظر بشكل إيجابي إلى زيادة الرسوم الجمركية. حين سئل الناس عما إذا كانت زيادة الرسوم الجمركية يمكن أن تفيد اقتصاد بلدانهم، لم يوافق سوى 37.1 في المائة على ذلك، في حين إن 42.7 في المائة لم يوافقوا على ذلك.
كان المستهلكون الفيتناميون هم أقل الناس قبولا وتأييدا لزيادة الرسوم الجمركية.
هناك تأييد قوي لإبقاء التجارة منفتحة، على الرغم من أن معظم المستهلكين في بلدان آسيان الخمسة، يرون أن الصين والولايات المتحدة تستفيدان من التجارة أكثر مما تستفيد بلدانهم أنفسهم.
15.8 في المائة منهم قالوا "إن بلدهم يستفيد أكثر من الصين"، في حين إن 20 في المائة قالوا "إن بلدهم يستفيد أكثر من الولايات المتحدة".

سياسات متضاربة
على الرغم من اتفاقيات التجارة الإقليمية السائدة، وهذا الحماس الشعبي لوجود أسواق منفتحة، إلا أن النزعة الحمائية لا تزال عالقة ضمن اقتصادات دول الآسيان الخمس.
تشكو الشركات من أن الدول الأعضاء تواصل حماية أسواقها المحلية باستخدام نظام الحصص والمعايير الوطنية، في الوقت الذي احتلت فيه إندونيسيا والفلبين مرتبة متدنية جدا ضمن مؤشر يقيس أداء 75 بلدا من خلال معيار انفتاح الأسواق، فوصلتا إلى المرتبة الـ63 والـ62، على التوالي.
في مؤشر غرفة التجارة الدولية الذي يستند إلى مدى انفتاح التجارة والسياسة، إضافة إلى الانفتاح على الاستثمار وجودة البنية الأساسية للتجارة، كان أداء ماليزيا هو الأفضل بين بلدان آسيان الخمسة، بحيث حصلت على المرتبة الـ31.
على الصعيد العالمي وعلى مستوى بلدان الآسيان، زادت معوقات التجارة منذ أن تم نشر ذلك المؤشر.
في أيلول (سبتمبر) الماضي، فرضت إندونيسيا رسوما بلغت 10 في المائة على أكثر من ألف سلعة استهلاكية مستوردة، في الوقت الذي صرحت فيه سري مولياني إندراواتي وزيرة المالية لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي، بأنها مستعدة لزيادة الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات أكثر حتى من ذي قبل، من أجل تقليص العجز التجاري.
فرضت الفلبين هذا الشهر رسوما جمركية أعلى على الأسمنت لحماية شركاتها المحلية، مع ارتفاع الطلب على خلفية برامج البنية التحتية التي بلغت تكلفتها مليارات الدولارات. كما تدرس الفلبين أيضا فرض رسوم على وارداتها من زيت النخيل من إندونيسيا وماليزيا، للدفاع عن شركات إنتاج زيت جوز الهند المحلية، حيث تدعي أنها معفاة بموجب منظمة التجارة العالمية، على الرغم من اتفاقية التجارة الحرة داخل بلدان آسيان. في ماليزيا، عاد رئيس الوزراء مهاتير محمد ليتولى سلطاته العام الماضي، وهو يفكر في فرض قيود على واردات السيارات، وإنعاش برنامج السيارات الوطني سيئ السمعة.
على الرغم من أن المخاطر آخذة في الازدياد بشكل واضح، إلا إن هذا لا يشير إلى وجود تراجع إقليمي نحو الحمائية الصريحة.
على صعيد البلدان، تواصل اقتصادات بلدان آسيان التفاوض حول "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة"، وهي اتفاقية تجارة حرة تضم ستة بلدان في آسيا والمحيط الهادئ، بما فيها الصين والهند، وتسعى بكل نشاط للتوصل إلى اتفاقية تجارة إقليمية مع الاتحاد الأوروبي.
مارتي ناتاليجاوا، وزير الخارجية الإندونيسي الأسبق ومؤلف كتاب "هل الآسيان مهمة؟ نظرة من الداخل"، وهي دراسة للتجمعات والشراكات الإقليمية، حذر من أن حكومات المنطقة لديها سمعة بوضع حواجز ومعوقات أمام التجارة، حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى التوصل إلى اتفاقيات تجارية جديدة.
وقال في حديث مع قسم الأبحاث الخاصة في صحيفة "فاينانشيال تايمز"، "الخطابات التي تقدمها بعض الحكومات أمام دوائرها الوطنية، غالبا ما تقلل من ضرورة النزعة الحمائية، في الوقت الذي تتكلم فيه تلك الحكومات داخليا وخارجيا بفصاحة، عن فضائل التجارة الحرة والعادلة. هذا تشويش واضح للغاية".
في حين إن النزعة الحمائية تبرز كحل معياري في ترسانات الساسة الشعبويين، تشير دراستنا إلى أن المستهلكين في بلدان آسيان الخمسة، أكثر تقبلا لفكرة إبقاء أسواقهم منفتحة، أكثر مما تفترضه حكوماتهم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES