FINANCIAL TIMES

«السندات» تفتح طرق عودة الاستثمار إلى روما

«السندات» تفتح طرق عودة الاستثمار إلى روما

كان المستثمرون يتدفقون إلى مبيعات السندات الإيطالية منذ بداية هذا العام – وهو انتعاش يستحق الترحيب في أعقاب نوبات البيع المتكررة في عام 2018. على أن الجاذبية تكمن في عوائد السندات المرتفعة التي لا تزال متقلبة في البلاد. على ذلك ليس بالضبط، ما يمكن أن يعد تصويتا بالثقة بالأسواق في شأن اقتصاد إيطاليا.
في الظاهر، آفاق السندات السيادية التي بيعت في تاسع أكبر اقتصاد في العالم تتحسن. المخاوف من أزمة سياسية في روما تراجعت منذ أن تم حل نزاع الميزانية مع بروكسل في أواخر العام الماضي، لدرجة أن نهاية برنامج التسهيل الكمي من البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات في كانون الأول (ديسمبر) الماضي – على الرغم من الثقل الوازن للإجراء - لم تفلح في أن تزعزع ثقة أسواق السندات، كما توقع البعض.
الأسبوع الماضي، شهدت إيطاليا 41 مليار يورو من الطلبات لشراء ثمانية مليارات يورو من السندات لأجل 30 عاما، وهو ما يمثل رقما قياسيا من الاكتتاب، لا غرو أن فاق الكمية المعروضة.
قال جيانلوكا سالفورد، خبير استراتيجية الدخل الثابت في بنك جيه بي مورجان: "المخاوف حول كيف ستقوم الأسواق باستيعاب إصدار السندات الحكومية الأوروبية في كانون الثاني (يناير) الماضي، كانت في غير محلها، والشيء نفسه ينطبق على إيطاليا".
على أنه تحت كل هذا تكمن صورة أكثر سلبية، كما يقول محللون. تعتمد شعبية إيطاليا على العوائد المرتفعة التي تقدمها سوق سنداتها بعد موجات البيع الكبيرة العام الماضي.
السندات الإيطالية لأجل عشرة أعوام سجلت الأسبوع الماضي لفترة وجيزة 3 في المائة للمرة الأولى منذ شهرين، وهو دلالة على انخفاض الأسعار. هذا ما منح المستثمرين علاوة بمقدار 2.9 نقطة مئوية على ما يعادلها من السندات الحكومية الألمانية.
هذه الأنواع من العوائد الإيطالية جذابة بشكل خاص جزئيا الآن، لأن التوقعات الاقتصادية الضعيفة لمنطقة اليورو تعني أن صناع السياسة قاموا بتأجيل الإطار الزمني للزيادات في أسعار الفائدة.
توقعات الزيادة الأولى في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، تغيرت من منتصف هذا العام إلى منتصف عام 2020.
هذا يعني أن السندات السيادية في منطقة اليورو التي تحمل هامش ربح مرتفع على السندات الألمانية، أصبحت تبدو جذابة مرة أخرى.
بعبارة أخرى، فإن سوق السندات الإيطالية هي مثل عصيدة جولديلوكس: ليست حارة جدا، أو خطرة، وليست باردة جدا أو آمنة، إلا أنها مناسبة تماما، على العموم.
قال آدم كوربيل، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة في بنك سوسيتيه جنرال: "هدوء المصرف المركزي إشارة إلى المستثمرين لإضافة المخاطر والعوائد. في الوقت الحالي، يستطيع مستثمرون التمتع بظروف مفيدة، والاستمرار في التعامل مع الأصول ذات العوائد الأعلى مثل السندات الحكومية الإيطالية".
وقد توقع أن تتقلص عوائد السندات الإيطالية لأجل عشرة أعوام، لتجعل الفجوة بينها وبين العوائد الألمانية بمقدار 2.2 نقطة مئوية، إلا أنه حذر من أنه ينبغي على المستثمرين مراقبة كيف تلقت السوق تلك السندات الجديدة "بحثا عن علامات على عدم استيعابها من قبل المستثمرين" على المديين المتوسط والطويل.
في الوقت نفسه، فإن اقتراض إيطاليا يأتي بثمن مكلف. قبل عام، حققت السندات الإيطالية لأجل 30 عاما عوائد بنسبة 2 في المائة؛ أما في خضم عملية البيع القياسية الأسبوع الماضي، فقد كانت العوائد بنسبة 3.85 في المائة.
هذا يعني أن إيطاليا ستدفع فائدة إضافية تبلغ 148 مليون يورو على تلك السندات كل عام، أي أعلى بكثير مما كانت ستدفعه البلاد لو أن الأسعار بقيت عند المستويات التي شهدناها في أوائل عام 2018.
بشكل عام، قدر بنك إيطاليا في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أن البلد سيدفع تكاليف فائدة إضافية بقيمة تسعة مليارات يورو سنويا على سنداتها بحلول عام 2020، إذا بقيت العوائد عند المستويات الحالية.
سيرجيو بيرتونتشيني، رئيس قسم أبحاث أسعار الفائدة والعملات في شركة آموندي لإدارة الأصول الأوروبية، قدر أنه في المستويات الحالية، فإن متوسط تكاليف التمويل في إيطاليا، سيزيد من 1.07 في المائة العام الماضي إلى ما بين 1.3 و1.4 في المائة هذا العام.
قال بيرتونتشيني: "على الرغم من الارتفاع الطفيف في تكاليف التمويل، إلا أن متوسط تكلفة إجمالي السندات لا يزال منخفضا مقارنة بالأعوام السابقة، ولا ينبغي أن يتأثر بقوة خلال العام إلى العامين المقبلين. مع ذلك، لا يزال العام في أوله، ويظل يمثل تحديا كبيرا من حيث احتياجات التمويل الإجمالي والعرض".
في المجمل، تحتاج إيطاليا إلى بيع ما لا يقل عن 225 مليار يورو من السندات ذات الاستحقاق المتوسط وطويل الأجل هذا العام.
حتى الآن، لم يتم تعويض عمليات جمع المال الجديدة فيها من خلال استرداد السندات الحالية – وهو عامل يغلب عليه أن يعزز الطلب، حيث يسعى المستثمرون إلى استبدال السندات التي باتت مستحقة للتو.
في نهاية شباط (فبراير) الجاري وآذار (مارس) المقبل، من المتوقع أن تستحق عوائد سندات بقيمة 72 مليار يورو، الأمر الذي قد يساعد على تحقيق عوائد ثابتة في الأسابيع المقبلة.
أما على المدى الطويل، فإن إيطاليا تبدو ضعيفة. في أواخر العام الماضي، تراجعت إلى حالة ركود فنية للمرة الثالثة خلال عقد من الزمن، وهي تواجه وضعا ديموغرافيا يزداد سوءا.
قالت شيارا كريمونيزي، خبيرة استراتيجية الدخل الثابت في "يونيكريديت": "على الرغم من حقيقة أن النمو الأضعف من المتوقع عامل شائع في منطقة اليورو في الوقت الحالي، إلا أن الأسواق لا تزال تهتم بدلالة النمو الأضعف في إيطاليا، لأنها أكبر مما هي عليه في البلدان الأخرى.
من الواضح أن هذا يرتبط بتأثير النمو الأضعف في نسبة الديون الأعلى إلى الناتج المحلي الإجمالي، كونها الأعلى بكثير في إيطاليا".
الاتفاق مع بروكسل حول الموازنة في إيطاليا يحافظ على عجزها هذا العام عند أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك يعتمد إلى حد كبير على افتراضات النمو المتفائلة.
بالتالي، فإن الضعف الطويل قد يعيد إشعال الخلاف السياسي – ويدفع إيطاليا أكثر نحو حافة تصنيفها الائتماني من الدرجة الاستثمارية.
وقد حذر سالفورد من "جيه بي مورجان" بأن: "نمو الناتج المحلي الإجمالي الأقل، من المتوقع أن يزيد تلقائيا من العجز، وهناك خطر اتخاذ إجراءات سلبية من قبل وكالات التصنيف". وهذا يعني أن الهدنة الحالية بين الأسواق والساسة قد لا تدوم طويلا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES