FINANCIAL TIMES

نادي مفرطي الثراء هدف مفضل لجباية الضرائب

نادي مفرطي الثراء هدف مفضل لجباية الضرائب

نادي مفرطي الثراء هدف مفضل لجباية الضرائب

ما المعدل الأعلى والأمثل لفرض ضريبة الدخل؟ هل ينبغي أن يكون بنسبة 70 في المائة، كما تم اقتراحه بشكل غير رسمي من قِبل أليكساندريا أوكاسيو-كورتيز النجمة الشابة للحزب الديمقراطي الأمريكي، عضو مجلس الشيوخ؟
بالحدس أشعر أن هذا يبدو نسبة عالية فوق الحد. على أنني كمختص اقتصاد لدي آمال متفرقة في تقديم حجج منطقية تستند إلى أدلة، أعترف أن "الشعور الغريزي بأنها نسبة عالية فوق الحد" هو مجرد رد فعل ضعيف، ربما يكون مضللا.
ماذا عن نسبة 50 في المائة، السياسة الرسمية لحزب العمال المعارض في المملكة المتحدة في الانتخابات العامة الأخيرة؟ أو صفر، المعدل المثالي الأعلى الذي خرج من تجربة فكرية طرحها الراحل جيمس ميرليس، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد؟
البديل هو فرض ضريبة على الثروة بدلا من الدخل، كما تقترح إليزابيث وارن عضو مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي الأمريكي.
على الأقل من حيث المبدأ، لا يوجد فرق كبير بين ضريبة سنوية صغيرة على إجمالي الثروة، وضريبة كبيرة على العائد الاسمي الناتج عن تلك الثروة.
لتقديم الحجة لفرض معدل ضريبة مرتفع أعلى من 70 في المائة، من المفيد الاقتناع بأربع أفكار.
الأولى: هي أن الدخل الخاضع للضريبة نفسه لن يتبخر في مواجهة معدل مرتفع، كما حدث في المملكة المتحدة عندما زيد معدل الضريبة المرتفع لفترة وجيزة من 40 إلى 50 في المائة في عام 2010، من ثم تخفيضه إلى 45 في المائة.
معظم أصحاب الدخل المرتفع توصلوا إلى أن من السهل تحقيق دخل مبكر أو متأخر، وتجنب المعدل بنسبة 50 في المائة.
من الصعب أكثر تجنب الزيادة الدائمة؛ مثلما أن من الصعب تجنب زيادة يتم تطبيقها بتدابير قوية "أو شديدة القسوة"؛ والحال نفسها مع زيادة يفرضها اقتصاد كبير لديه يد تشريعية عالمية طولى مثل الولايات المتحدة.
في الاقتصادات الأصغر مثل اقتصاد المملكة المتحدة، فإن الأغنياء جدا هم أكثر احتمالا للانتقال إلى أماكن أخرى، من أجل معدل ضريبي معين.
ورقة بحث أكاديمية أصدرها إيمانويل سايز "النجم في دراسة عدم المساواة" وبيتر دايموند "الحائز جائزة نوبل مثل ميرليس" قدّرت أن معدل الضريبة المجمّع على دخل أصحاب الدخول العالية، يمكن أن يكون 73 في المائة في الولايات المتحدة بدون إحداث نتائج عكسية.
ورقة بحث أخرى نشرت في المجلة نفسها، أصدرها جريجوري مانكيو ومؤلفون مشاركون، تضع المعدل الأعلى المثالي بنسبة أقل من 50 في المائة، بقليل بدلا من ذلك. الفرق يكمن في الافتراضات.
الثانية: التي يجب الاقتناع بها هي أن الأثرياء بالكاد سيفقدون أي دخل إضافي، إذا ما ارتفعت معدلات الضرائب.
حقيقة هذا لا تمكن معرفتها، على الرغم من أن دراسة أخرى شهيرة من شخصين آخرين حائزين جائزة نوبل، هما دانيل كانيمان وأنجوس ديتون، تشير إلى أن المال لن يحسن مزاجك اليومي أو رفاهيتك بعد دخل يبلغ 75 ألف دولار أو أكثر.
للوصول إلى استنتاجهما بشأن المعدل بنسبة 73 في المائة، فإن الأستاذين دايموند وسايز افترضا أن الدولار أكثر قيمة بنحو 25 مرة، بالنسبة إلى شخص لديه دخل بنحو 50 ألف دولار سنويا مما هو لشخص لديه دخل 500 ألف دولار "نصف مليون" سنويا.
هذه ليست فرضية مجنونة، على أنها في النهاية، تظل مجرد فرضية، على الرغم من كل ذلك.
إذا قبلت هاتين الفكرتين، فإن الحجة الاقتصادية لمعدل ضريبة أعلى ستفرض نفسها. بالتالي فإن المعدل المرتفع سيؤدي إلى تعظيم الإيرادات، بافتراض عدم تقلص القاعدة الضريبية بصورة كبيرة، كما أن تعظيم الإيرادات هو هدف معقول، إذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن الأثرياء بالكاد سيلاحظون الدخل المفقود منهم، نسبيا، جراء فحش الثراء، فهي مجرد قيمة دفترية لا تأثير مباشرا لها في تعاملاتهم في الحياة اليومية.
على أن هذه الحجة تتعدى كثيرا حدود الاقتصاد، وهي مسألة تأخذنا إلى قدر من المحاذير، من هنا وهناك. إذا كنت تحب معدلات الضريبة المرتفعة.
أما الفكرة الثالثة التي من الحسن أن تقتنع بها، فهي أن عدم المساواة في فرض الضريبة، سيؤدي إلى التآكل بشكل جوهري. بل لربما يؤدي إلى تقويض الديمقراطية.
ولربما يتسبب في الإجهاد أو الحسد أو الاستياء. الأدلة التجريبية لا تساعد كثيرا هنا؛ فهي سطحية وغالبا ما تبدو مغرضة، تكشف عن الانحيازات السياسية أو الطبقات الاجتماعية.
القنوات المنطقية "علاقة السببية" غير واضحة: هل يؤدي عدم المساواة إلى دولة مفرَّغة؟ أم أن حالة التجويف جراء تفاقم الفجوة هي التي تؤدي إلى عدم المساواة؟
ربما يكون الدخول في تجربة فكرية أكثر فائدة هنا: كيف ستشعر حيال سياسة تصادر ببساطة الموارد من الأثرياء جدا وتدمرهم؟ هل ستكون مثل هذه السياسة هدرا إجراميا لموارد المجتمع وانتهاكا بشعا للحرية؟ أم مجردة إعادة موازنة مفيدة للمقاييس؟
ثم هناك الفكرة الرابعة: وغالبا ما تكون غير معلنة: أن الأثرياء لديهم كثير من المال، بحيث يؤدي معدل ضريبة مرتفع إلى جمع إيرادات كبيرة أو كثيرة. هذا يعتمد على من تعده "ثريا". ذكرت أوكاسيو-كورتيز حدا أدنى عند عشرة ملايين دولار.
أما الأستاذان دايموند وسايز فقد ركزا على شريحة 1 في المائة الأعلى دخلا من دافعي الضرائب، ما يعني ضمنا أن النطاق سيطبق على من هم ذوو دخول أعلى من 500 ألف دولار "نصف مليون" سنويا.
أراد حزب العمال أن يتم تطبيق معدلاته الأعلى على أي دخل يزيد على 100 ألف جنيه. هذه تعريفات مختلفة لمن هو "الثري" ضريبيا، على الأقل، على أن لها تداعيات مختلفة وبالغة الأثر جدا في حصيلة الإيرادات.
على سبيل المثال، فإن الحد الأدنى للدخل الذي تقترحه أوكاسيو-كورتيز البالغ عشرة ملايين دولار، هو أعلى من الدخل المطلوب للوصول إلى نسبة الـ 0.01 في المائة الأعلى، من توزيع الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية: أي على نحو 16 ألف عائلة.
هذه الشريحة الصغيرة من سكان الولايات المتحدة تحصل على أقل من نسبة الـ 5 في المائة الصغيرة من إجمالي الدخل – مع ذلك فإنها تعني ضمنا أن 95 في المائة من الدخل يكسبه الأقل ثراء.
إن الأثرياء جدا هدف مغر ويسير التوصل إليه، إلا أن أي محاولة جادة لزيادة الإيرادات العامة، لا يمكن أن تتوقف عندهم فحسب.
سواء كنا نتحدث عن الدخل أو الثروة، فإن حصة الأسد لا تكمن في أصحاب المليارات فحسب، بل في كل الذين في وضع مالي مريح.
من الرائع الحديث عن فرض الضرائب على أموال شخص آخر، من حيث الافتراض، إلا أنه في عالم يعاني عجزا مزمنا في الموازنات وتراجع التركيبة السكانية، فإن أخلاقيات واقتصادات معدلات الضرائب المرتفعة، من غير المرجح أن تبقى مشكلة شخص آخر ضمن فئة أعلى ومستهدفة، دون غيره في فئات أخرى أدنى دخلا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES