FINANCIAL TIMES

«تراكم المخاطر» يدفع «بنوك البنوك» للعودة إلى تيسير السياسات النقدية

«تراكم المخاطر» يدفع «بنوك البنوك» للعودة إلى تيسير السياسات النقدية

«تراكم المخاطر» يدفع «بنوك البنوك» للعودة إلى تيسير السياسات النقدية

«تراكم المخاطر» يدفع «بنوك البنوك» للعودة إلى تيسير السياسات النقدية

في وقت التغني بـ"الطفرة الاقتصادية غير المسبوقة" التي يشهدها الاقتصاد عبر الولايات المتحدة، كان محافظو البنوك المركزية في أستراليا والهند والمملكة المتحدة، يستعدون للانضمام إلى انسحاب أوسع من خطط تشديد السياسة النقدية.
بعد ساعات من انتهاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من خطابه عن حالة الاتحاد في مجلس النواب، وقف فيليب لاو، محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي "المصرف المركزي"، للتحذير من "تراكم المخاطر السلبية" على اتجاهات الاقتصاد العالمي وتأثيره على نموه - بما في ذلك المناوشات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وأضاف أن الخطوة التالية في أسعار الفائدة قد تكون في تخفيضها بدلا من زيادتها، أي اللجوء إلى خيار التخفيف بدلا من تشديد السياسة النقدية.
بنك الاحتياطي الهندي "المصرف المركزي" الذي يتعرض لضغوط من رئيس الوزراء ناريندرا مودي لتخفيف السياسة النقدية، خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة في اليوم التالي.
في نفس اليوم، ألغى بنك إنجلترا "المركزي" خططا لزيادة أسعار الفائدة. وقد اتبعت محاورهم الحمائمية ما كان يعد حتى الآن أهم انقلاب تام في السياسة النقدية حتى الآن: قرار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي، بالتخلي عن أي خطط لرفع أسعار الفائدة بسبب المخاطر المحتملة على النمو في الولايات المتحدة.
الحذر الهابط على البنوك المركزية الرائدة هو في تباين صارخ مع المزاج المزدهر في هذا الوقت من العام الماضي.
في تجمع رجال الأعمال والزعماء السياسيين في دافوس بسويسرا في كانون الثاني (يناير) عام 2018، كان التفاؤل منتشرا، وتوصل استبيان للرؤساء إلى وضع الثقة عند أعلى مستوياتها منذ ست سنوات.
وأشاد صندوق النقد الدولي بأوسع موجة عالمية متزامنة من الارتفاع منذ بداية العقد، حيث تمتع 120 اقتصادا بانتعاش في النمو.
تلك الصورة أصبحت مظلمة الآن. اشتكى تحديث من صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي "من خلفية ضعيفة من المزاج العام في السوق المالية، ومشاعر اللبس في السياسة التجارية، والمخاوف بشأن مستقبل الصين".
وقال التقرير إن النمو في الاقتصادات المتقدمة سيتباطأ من نسبة تقدر بنحو 2.3 في المائة في عام 2018 إلى 2 في المائة في عام 2019 و1.7 في المائة في عام 2020. يشار إلى أن نشاط التصنيع العالمي هو الآن عند أدنى مستوى له منذ عامين ونصف العام.
يقول محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة أليانتز "نحن الآن أمام تقييم أكثر رصانة للنمو العالمي".
ما الخطأ الذي حدث؟ يقول العريان إن هذا التغيير الواسع هو جزئيا دلالة على إدراك مفاده أن صناع القرار كانوا متفائلين فوق الحد في العام الماضي.
ويضيف أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، على وجه الخصوص، بالغ في موقفه حين أشار إلى أربع زيادات في أسعار الفائدة لعام 2018، وحينها كان الاقتصاد العالمي لا يزال هشا.
الآن، فإن، حذره الجديد يوفر "غطاء جويا" للبنوك المركزية الأخرى، لتخفيض توقعاتها الخاصة بخصوص أسعار الفائدة.
جاءت نقطة التحول الرئيسية في الربع الرابع، عندما بدأت الأسواق فجأة تستيقظ على مجموعة من المخاطر السياسية، بما في ذلك خطر حدوث مزيد من التدهور في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
كان ذلك التشديد في الظروف المالية كافيا لاجتثاث 0.4 في المائة من النمو في الناتج الأمريكي بعد ستة أشهر فحسب، كما تقول إيزابيل ماتيوس يالاغو، وهي محللة استراتيجية في معهد بلاك روك للاستثمار.
وتضيف أنه منذ ذلك الحين تم عكس ما بين الثلث والربع من هذا التشديد مع انتعاش الأسهم، إلا أن البنوك المركزية لم يكن أمامها خيار سوى الرد. "من المنطقي أن نرفع القدم عن الفرامل".
استمر الاقتصاد المحلي في الولايات المتحدة في تقديم أداء قوي، حيث ارتفع عدد الوظائف الجديدة في كانون الثاني (يناير) الماضي، قبل فترة لا بأس بها من توقعات وول ستريت ونمو الأجور بشكل مريح فوق معدل التضخم.
إلا أن الشركات العملاقة في مؤشر ستاندارد آند بورز 500، التي تحقق أكثر من ثلث أرباحها في الخارج، تدق ناقوس الخطر بشأن تراجع الطلب الخارجي في الأسواق، بما في ذلك الصين، حيث الحكومة تعترك ضد التباطؤ.
الشركات الأمريكية الأصغر تشعر بالبرودة العالمية كذلك. يقول روب بارمينتير، رئيس شركة ماركيز لليخوت التي توظف 350 شخصا في جرين باي بولاية ويسكونسن: "في حين أن الطلب المحلي متين، إلا أن فرض الرسوم الجمركية المتبادلة يعيق الأعمال التجارية الدولية". بصراحة "إن الأمر لا يزداد سوءا، بل هو ميت تماما".
كانت إضافة رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على صادرات القوارب الأمريكية إلى أوروبا مؤلمة.
ويضيف "إنه أمر ذو شقين - ليس لأجل الرسوم الجمركية فحسب، بل لأن أوروبا لم تنهض بعد، في الواقع، من الركود العظيم".
مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي كان في طليعة البنوك المركزية العالمية الرئيسة من حيث البدء في التشديد في عام 2015، هو الآن في قلب الاندلاع الأخير للنزعة الحمائمية.
اختار باول زيادة معدلات الفائدة بمقدار ربع نقطة في أسعار الفائدة 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إلا أن محاولاته التالية لكي تقترن هذه الزيادة برسائل مطمئنة حول التحركات المستقبلية، كان مصيرها الفشل.
لقد جاءت إشارة الخطر عندما كانت هناك موجة بيع كبيرة للأسهم بعد أن كرر رئيس الاحتياطي الفيدرالي أقوالا بلغة مستهلكة، تصر على أن التخفيضات في الميزانية العمومية للبنك المركزي ستسير بحسب "الطيار الآلي".
كان رد فعل بورصة وول ستريت المتوتر والمنزعج على كلماته مؤشرا لصناع السياسة حول مدى هشاشة معنويات السوق.
منذ ذلك الحين، تراجعت الثقة في قطاع الأعمال بسبب إغلاق الحكومة الفيدرالية، الذي استمر لفترة قياسية طويلة، في الوقت الذي تعثرت فيه محادثات البريكست.
علاوة على ذلك، تراجعت الآمال بحدوث تقدم في محادثات التجارة مع الصين، حيث استبعد الرئيس ترمب عقد اجتماع مباشر مع الرئيس الصيني تشي جين بينج، قبل الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق في الأول من آذار (مارس) المقبل.
ولما كان التضخم في الولايات الأمريكية فاترا مثل أي وقت مضى، وضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي جانبا المخاوف الأخيرة بشأن التسارع الاقتصادي، مع التركيز بدلا من ذلك على ما يحبذ محافظو البنوك المركزية، بوصفه من المخاطر السلبية.
الزيادات في أسعار الفائدة، في الوقت الحاضر، هي خارج جدول الأعمال. في الواقع، إذا تم التراجع عن وقف إطلاق النار الحالي بشأن التجارة، سيبدأ المحللون في السؤال عن تخفيضات في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
أما إذا كانت المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستتعطل تماما، مصحوبة بأعمال عدائية كاملة مع أوروبا بشأن تجارة السيارات، فيمكن لذلك أن يدفع أمريكا إلى ركود تام، وذلك وفقا لـ"دويتشه بنك".
فضلا عن ذلك، يشير محللو المصرف الألماني إلى مخاطر حدوث تباطؤ حاد في الصين، وتحقيق البريكست دون التوصل إلى اتفاق.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES