FINANCIAL TIMES

وضع «تحذيرات صحية» على مواقع الأخبار الزائفة

وضع «تحذيرات صحية» على مواقع الأخبار الزائفة

وضع «تحذيرات صحية» على مواقع الأخبار الزائفة

قبل بضعة أسابيع، تم توزيع نحو عشرة آلاف نسخة من طبعة "مزيفة" لا صلة لها بصحيفة "واشنطن بوست"، في العاصمة الأمريكية.
تحت عنوان لافت للنظر تناول الخبر أحداثا متخيلة عن البيت الأبيض. لم يكُن الهدف من هذه الأخبار المزيفة بشكل خاص هو الخداع، بل كان غاية مختلفة.
بمجرد أن تقرأ "الصحيفة المزيفة" يصبح واضحا أنها كانت مزحة (على سبيل المثال، كان تاريخ الصحيفة هو الأول من أيار (مايو) من عام 2019، وكل صفحة كانت مليئة بقصص لا تقل زيفا). مجموعة النشطاء الإعلاميين يس من Yes Men، اعترفت في وقت لاحق بالمسؤولية، عن كل تلك الضجة الإعلامية.
على أن هذه الحادثة كانت استثناء. ذلك أن من السهل رؤية "الزيف" في صحيفة مادية يتم توزيعها، إلا أن من الصعوبة بمكان تصور ذلك في الفضاء السيبراني، إذ غالبا ما يكون من المستحيل تقييم مصدر أو صحة أو توزيع القصة، أيا كانت أو أيا كان مصدرها.
إذن ما الذي يمكن عمله لوقف انتشار الأخبار المزيفة على الإنترنت؟ في الشهر الماضي، نشرت دراستان أكاديميتان منفصلتان تدرسان تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي والأخبار المزيفة، خلال حملة الانتخابات الأمريكية المثيرة للجدل في عام 2016. نتائج البحثين كانت رائعتين – على أن المثير أكثر هو أنهما كانتا مفاجئتين.
الاستنتاج الأول والأكثر أهمية من مجموعتي الأبحاث هو أن عدد الناس الذين يستهلكون أو يتشاركون الأخبار المزيفة، أقل بكثير مما نعتقد. لا عليك من أن يلوك هذه العبارة كثرة من الرؤساء باستمرار، أو أن كثيرا من الديموقراطيين لا يزالون يعتقدون أن السبب الرئيس لخسارة هيلاري كلينتون في عام 2016، هو أن المتشددين والذباب الإلكتروني من الروس (والنشطاء اليمينيين المتطرفين) قد وزعوا سلسلة من القصص ضد كلينتون.
فريق البحث من جامعة نورث إيسترن تتبع أكثر من 16 ألف حساب على منصة "تويتر" في حملة الانتخابات عام 2016، وطابقها مع ملفات الناخبين لمعرفة ما إذا كانوا يتشاركون منشورات كانت مزيفة بشكل واضح، (أي كاذبة بشكل لا لبس فيه، بدلا من كونها مصدر اعتراض نوعا ما).
واستنتجوا أنه في حين أن "الأخبار المزيفة كانت تمثل 6 في المائة من إجمالي استهلاك الأخبار بشكل عام"، إلا أن هذه النسبة منحرفة بشكل عميق، بسبب نشاط مفرط من أقلية ضئيلة.
هناك 1 في المائة فحسب من المستخدمين كانوا يمثلون 80 في المائة من استهلاك الأخبار المزيفة، مقابل 0.1 في المائة كانوا يوزعون تلك المواد. الفريق الثاني من الأكاديميين من جامعتي نيويورك وبرنستون بحثوا في حسابات موقع فيسبوك. "باستخدام بيانات سلوكية فريدة على نشاط "فيسبوك" المرتبط ببيانات الاستبانات على المستوى الفردي، نجد أن مشاركة الأخبار المزيفة كانت نادرة جدا خلال الحملة الانتخابية الأمريكية عام 2016"، كما لاحظ المؤلفون في مجلة ساينس آدفانسز Science Advances.
هذا يردد صدى دراسة أخرى أصدرها العام الماضي باحثون في جامعات دارتموث وبرنستون وإكستر، التي توصلت جميعها إلى أنه على الرغم من أن "واحدا من كل أربعة أمريكيين" زاروا موقع أخبار مزيفة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية، إلا أن 10 في المائة فحسب كانوا يمثلون 60 في المائة من الزيارات، ما يعني أن "استهلاك الأخبار المزيفة كان يتركز بشدة بين مجموعة صغيرة".
ما كان ملحوظا في كلتا الدراستين من "نورث إيسترن" و"نيويورك برنستون" هو الملف الشخصي لتلك المجموعة الصغيرة من مستهلكي الأخبار المزيفة.
توصل كلا الفريقين إلى أن الأشخاص الأكثر تأثرا بالأخبار المزيفة كان يغلب عليهم أن يكونوا محافظين سياسيا، مع بعض التحيز تجاه كونهم من الذكور والبيض (الأنجلوساكسون). الأمر الأكثر إثارة للدهشة أنهم كانوا أكبر سنا بشكل ساحق.
هذه الأيام، من الشائع الشعور بالقلق من الطريقة التي تتلاعب بها وسائل الإعلام الاجتماعي بالمراهقين وجيل الألفية، إلا أن دراسة استخدام موقع فيسبوك المعدلة لتمثل الملفات الشخصية لكبار السن، استنتجت أن الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما كانوا "يتشاركون المقالات من نطاق الأخبار المزيفة من موقع على فيسبوك أكثر بنحو سبعة أضعاف العدد، من الذين في المجموعة العمرية الأصغر، أو نحو 2.3 مرة ضعف عدد الذين في المجموعة العمرية الأكبر التالية، بعد التعديل لاحتساب عامل الأيديولوجيا، والتعليم ومستويات الاختلاف في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي" حسب نتائج الدراسة. تحليل منصة "تويتر" كان صدى لهذه النتيجة (ربما يقدم ذلك بعض التفسير لسلوك العاصف على منصة "تويتر").
ما هي أسباب هذا؟ استمعت الأسبوع الماضي إلى أكاديميين يناقشون هذه القضية في مؤتمر سيليكون فالي، حيث تم طرح عدد من النظريات. أحدها كان أن أفراد الجيل الأكبر سنا لديهم "معرفة أقل" و/أو تحيزات سياسية ثابتة أكثر؛ وأخرى كانت أن الأشخاص الأكبر سنا، الحديثين على الإنترنت، هم أقل براعة – وأقل تهكما – من المواطنين الرقميين.
في كلتا الحالتين، فإن نتائج الدراسات البحثية لها اثنان من التداعيات الرئيسة.
أولا: إذا أردنا مواجهة التهديدات الديموقراطية التي تشكلها "الأخبار المزيفة"، قد لا يكون من الذكاء استخدام حملة على مستوى السوق الشاملة.
وإذا صرخ الجميع للتحذير من خطر الأخبار المزيفة، فإن هذا يمكن أن يقلل الثقة في كل الأخبار.
كما أن الطريقة الأكثر فعالية قد تكون إرسال "توجيهات" مستهدفة للأشخاص المعروفين بأنهم يستهلكون أو يشاركون الأخبار المزيفة بشكل مفرط، أو وصف هذه المواد الإخبارية بأنها "خطرة".
"ينبغي علينا التعامل معها مثل التبغ"، كما يقترح أحد الأكاديميين الذي يريد من شركات التكنولوجيا وضع "تحذيرات صحية" على بعض المواقع، (بالطبع، بافتراض أن الجميع قد يتفق على ما هية ما هو "مزيف").
ثانيا: يجب أن نعيد التفكير في الفئات التي نحاول تثقيفها عبر الإنترنت. نعم، من المهم تحذير المراهقين بشأن التلاعب السيبراني، على أنه يجب علينا أن نتذكر أن نراقب أجدادهم أيضا.
في حين أن مستخدمي الإنترنت كبار السن لا يهتمون عادة بكونهم مركز الاهتمام، إلا أنهم مهمون عندما يتعلق الأمر بالأخبار المزيفة.
ذلك أنه لا يمكنك أن تلقي اللوم دائما على الأطفال.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES