default Author

نقطة الغليان .. إشكالية مناخية «1»

|


"بلو دراجون"، مطعم صغير على ضفة النهر في هوي آن في فيتنام، يقدم كميات ضئيلة من طعام محلي بسيط للسائحين بجانب صحون من اللفائف المقرمشة والشعرية الغضة بسعر دولارين. وعلى جدران المطعم المتأثرة بالرطوبة، يضع صاحب المطعم، ويدعى نام، علامة تشير إلى مستوى الفيضانات السنوية التي تغمر هذه البلدة المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو والمشهورة بمبانيها ذات اللون الأصفر الفاتح.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قبل أيام من وصول الرؤساء ورؤساء الوزارات إلى مدينة دا نانغ القريبة لحضور اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، ارتفع مستوى المياه عند مطعم بلو دراجون إلى 1.6 متر "5.25 قدم" عندما تعرضت المدينة لأمطار ناتجة عن إعصار. وقد هرع الزبائن بحثا عن الأمان بينما كانت الأواني والمقالي تطفو بالقرب منهم.
ويقول نام، البالغ من العمر 65 سنة، الذي يعرفه الجميع باسم واحد: "في كل مرة نتعرض لأمطار غزيرة أو أعاصير عاتية، تحدث الفيضانات ويتوقف كل شيء عن العمل لمدة ثلاثة أو أربعة أيام. وفي العام الماضي، اضطر الناس إلى الهرب في قوارب لأن المياه كانت مرتفعة للغاية". وأصبحت الأعاصير والفيضانات أكثر شدة وتواترا حيث تتحمل فيتنام وبقية بلدان شرق آسيا العبء الأكبر للتغير المناخي. فالسواحل الممتدة والمناطق المنخفضة ذات الكثافة السكانية العالية تجعل المنطقة التي يقطنها أكثر من 640 مليون نسمة واحدة من أكثر مناطق العالم عرضة للظواهر الجوية المتطرفة وارتفاع مستويات سطح البحر نتيجة الاحترار العالمي. وتتعرض الحكومات إلى ضغوط للتحرك سريعا أو المجازفة بالتخلي عن التحسينات التي تحققت في مستويات المعيشة عبر عقود من النمو الذي تحركه الصادرات. وتواجه منطقة جنوب شرق آسيا تحديا مزدوجا، حيث يجب عليها ألا تتكيف فقط مع تغير المناخ الناجم أساسا عن غازات الدفيئة المنبعثة عبر عقود من الاقتصادات المتقدمة ــ وأخيرا من الاقتصادات النامية مثل الصين والهند ــ بل يجب عليها أيضا تغيير استراتيجيات التنمية التي تسهم بشكل متزايد في الاحترار العالمي. ويؤدي تزايد اعتماد المنطقة على الفحم والنفط، إلى جانب إزالة الغابات، إلى تقويض تعهدات البلدان بخفض الانبعاثات واستخدام مصادر أنظف للطاقة.

التأثير الاقتصادي
ارتفع متوسط درجات الحرارة في منطقة جنوب شرق آسيا طيلة العقود الماضية منذ عام 1960. وتعد فيتنام، وميانمار، والفلبين، وتايلاند من بين أكثر عشرة بلدان في العالم تضررا من تغير المناخ في الـ20 عاما الماضية، وذلك وفقا لمؤشر مخاطر المناخ العالمي الذي تعده مجموعة Germanwatch إحدى المجموعات البيئية. ويعتبر البنك الدولي فيتنام من البلدان الخمسة التي من المرجح أن تتأثر بظاهرة الاحتباس الحراري في المستقبل. وقد يكون التأثير الاقتصادي مدمرا. فوفقا لتقديرات بنك التنمية الآسيوي، قد تتكبد منطقة جنوب شرق آسيا خسائر أكبر مقارنة بمعظم مناطق العالم. وإذا لم يتم التحكم في ظاهرة التغير المناخي، فإنها قد تؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي في المنطقة بنسبة 11 في المائة بنهاية هذا القرن نظرا لأنها تؤثر سلبا في القطاعات الرئيسة مثل الزراعة والسياحة وصيد الأسماك ــ إلى جانب صحة الإنسان وإنتاجية العمالة ــ وفقا لتقديرات بنك التنمية الآسيوي في تقرير صادر في عام 2015، وهي تقديرات تفوق بكثير تقديراته في عام 2009 التي تشير إلى انخفاض نسبته 6.7 في المائة.
وتشير دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي ومعهد بوتسدام لبحوث التأثيرات المناخية في عام 2017 إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا يمكن أن تتحول إلى "نظام مناخي جديد" بنهاية هذا القرن، عندما تصبح درجة حرارة أكثر شهور الصيف برودة أعلى من درجة حرارة أكثر شهور الصيف سخونة في الفترة من 1951 إلى 1980. وفي غياب الاكتشافات التقنية، يمكن أن تنخفض غلة الأرز في إندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام بنحو 50 في المائة بحلول عام 2100 مقارنة بمستويات التسعينيات من القرن الـ20. كذلك يؤدي ارتفاع درجة حرارة الجو إلى انتقال الأمراض الاستوائية مثل الملاريا وحمى الضنك نحو الشمال إلى بلدان مثل جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، حيث كانت أقل انتشارا من قبل. ورغم أن انبعاثات غازات الدفيئة في المنطقة كانت منخفضة مقارنة بمستوياتها في الاقتصادات المتقدمة من حيث نصيب الفرد، فقد بدأ ذلك يتغير الآن؛ وهو ما يرجع بدرجة كبيرة إلى اعتمادها المتزايد على الفحم وأنواع الوقود، الأحفوري الأخرى. وخلال الفترة بين عامي 1990 و2010 ازدادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بوتيرة أسرع في منطقة جنوب شرق آسيا مقارنة بأي مكان آخر.

مزيج الطاقة
تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها إلى أن الطلب على الطاقة سيرتفع بنحو 66 في المائة بحلول عام 2040. وسيشكل الفحم وحده ما يقرب من 40 في المائة من الزيادة حيث يتجاوز حصة الغاز الطبيعي الذي يعد من فئة المحروقات الأنظف في مزيج الطاقة. وهذا يشكل خطرا على هدف اتفاق باريس بشأن المناخ وهو الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بحيث لا يتجاوز مستويات ما قبل الصناعة بأكثر من درجتين مئويتين. وقد وقع على اتفاق باريس جميع البلدان العشرة التي تتكون منها رابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان". ويقول سرينيفاسان أنكا، كبير المختصين بالتغير المناخي في بنك التنمية الآسيوي: "بالمعدلات الحالية، يمكن أن تتسبب منطقة جنوب شرق آسيا، إلى جانب الهند والصين، في القضاء على المكاسب الناتجة عن كفاءة استخدام الطاقة وتخفيض الانبعاثات في أماكن أخرى من العالم". ويعزى الطلب على الفحم جزئيا إلى الوفرة النسبية للوقود وتكاليفه المنخفضة مقارنة بالنفط والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة. كذلك يعد تمويل محطات توليد الطاقة من الفحم أسهل مقارنة بمشروعات الطاقة المتجددة. وتظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية أن إندونيسيا هي خامس أكبر منتج للفحم في العالم وثاني أكبر مصدر صاف له، في حين أن ماليزيا وتايلاند هما ثامن وتاسع أكبر مستورد صاف ... يتبع.

إنشرها