FINANCIAL TIMES

مخاطر ستار حديدي تظهر في سلاسل التوريد

مخاطر ستار حديدي تظهر في سلاسل التوريد

ماذا سيفعل ذلك الستار الحديدي الجديد بآفاق النمو في الاقتصاد العالمي؟ أو التقييمات الكبيرة لمجموعات التكنولوجيا الغربية؟
أغلق عينك وتخيل عالما مُنعت فيه شركات التكنولوجيا الأمريكية من الحصول على المكونات من شركات التوريد الصينية، أو تصدير المعدات لها.
حتى عهد قريب – لنقُل قبل عامين – كانت تلك الأسئلة تكاد تكون غير معقولة. لماذا؟ لأن نشاطات قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة شهدت ارتفاعا ملحوظا، في العقود الأخيرة، مع سلسلة توريد متماسكة ومعقدة، عبر المحيط الهادئ.
ما علينا سوى التفكير بالطريقة التي تعتمد فيها شركة أبل على المصانع في شنزن في البر الصيني، لتجميع أجهزة الآيفون الشهيرة، باستخدام مكونات حصلت عليها من عشرات شركات التوريد الصينية بالذات والآسيوية عموما، بل ومن مصادر (غير آسيوية).
حتى الأسبوع الماضي، كان هذا سؤال من هذه الشاكلة ما كان يعد خياليا فيما مضى، إلا أنه أثار بعض الجدل الحاد – والمليء بالتوتر – في مآدب عشاء خاصة في النسخة الأخيرة من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، خلال الشهر الماضي.
هذا الأسبوع، توصلنا إلى أن اثنتين من أكبر المجموعات المالية الأمريكية، قد طلبتا بهدوء من لجان الاستثمار إجراء تخطيط سيناريو لهذه الأفكار، التي كانت غريبة في السابق.
قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في القطاع المالي: "إنها نقطة حوار كبيرة الآن".
هذا ليس لأن التنفيذيين في الغرب يفترضون، كي لا نقول يراهنون، على أن الجولة الحالية من المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي تجري في واشنطن، لا مصير لها سوى الفشل، فحسب، بل على العكس من ذلك، حيث أعرب كثير من الرؤساء التنفيذيين خلال المناقشات الحامية في دافوس عن تفاؤل حذر، من أن روبرت لايتثايزر، ممثل التجارة الأمريكي، سيعقد صفقة مع ليو هي، الذي يعد من الناحية العملية الزعيم الاقتصادي الصيني، الذي كان يزور واشنطن في تلك الآونة، لنزع فتيل التهديد الأمريكي بزيادة الرسوم الجمركية التجارية في الأول من آذار (مارس) المقبل.
حجة هؤلاء التنفيذيين مفادها تحديدا هو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، غالبا ما تتوصل إلى عقد صفقات تجارية بعد توقف قعقعة السيوف.
لننظر إلى ما حدث ما بين الولايات المتحدة وكندا العام الماضي. ويبدو أن الصينيين مستعدون لتقديم بعض التنازلات، عموما، على قضايا ملموسة – قابلة للتغريد – مثل فول الصويا، أو حقوق الملكية الفكرية. أكسيل فيبر، رئيس بنك يو بي إس، أخبر حضور دافوس أن مخاطر نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، "من المرجح أنها في وضع تراجع". إيفان جلاسنبرج، رئيس شركة جلينكور أشار في تفاؤل كبير إلى أنه يمكن التوصل إلى صفقة ثنائية بين العملاقين قبل حلول العام الجديد الصيني، الذي صادفت بدايته الخامس من شباط (فبراير) الجاري.
في حين أن هذه التوقعات تبدو باعثة على الاطمئنان، إلا أن هناك خدعة: يُدرك التنفيذيون أن المحادثات بين ليو ولايتثايزر ليست سوى نصف المعركة.
صحيح أن إدارة ترمب تهتم بالصُلب وفول الصويا والتهديد غير العادل للوظائف الأمريكية، إلا أن سياسة الرئيس ليست لمجرد التنافس الاقتصادي، بل هي نابعة من مخاوف تتعلق بالأمن القومي، هي ستؤثر على التوقعات طويلة الأمد لسلاسل التوريد. هذا لن يتبدد قريبا، أيا كان ما سيفعله ليو ولايتثايزر بعد ذلك.
لإدراك هذا، لننظر إلى تقرير البيت الأبيض الذي ظهر في الخريف الماضي ويحمل عنوانا غير جذاب: "تقييم وتعزيز التصنيع والقاعدة الصناعية الدفاعية ومرونة سلاسل التوريد في الولايات المتحدة".
يُحذر التقرير من أن المجمع الصناعي العسكري بات ضعيفا بشكل خطير، بسبب اعتماده على موردين وحيدين وكيانات صينية في سلسلة التوريد، في قطاعات تراوح من الذخيرة إلى الإلكترونيات. قد يلاحظ المتفائل أن هذا التحليل كان مدفوعا من أشخاص مثل بيتر نافارو، المتشدد القديم ضد الصين ومستشار ترمب، بالتالي فإن ذلك الاتجاه يأتي من فصيل واحد في البيت الأبيض، ليس إلا.
ستيفن منوشين، وزير الخزانة الأمريكي، يمكن أن يصف هذه القضايا بطريقة مختلفة. مثل هذه المشاعر انتشرت في جميع أنحاء مؤسسة واشنطن في الأشهر الأخيرة وبتأثيرات ملموسة، سواء كان التهديد العام الماضي بفرض العقوبات ضد شركة زد تي إي ZTE، مجموعة الاتصالات الصينية التي تُسيطر عليها الدولة، أو محاولات الولايات المتحدة الحالية لإخراج شركة هواوي، وهي مجموعة صينية أخرى، من سلاسل التوريد إليها.
ربما ستنتهي هذه بكونها حالات معزولة أو أن سلاسل التوريد عبر المحيط الهادئ، ستتكيف لاستيعاب هذه الضربات.
هذا، على الأقل، هو أمل كثير من التنفيذيين الأمريكيين. هذا الأسبوع، على سبيل المثال، تبين أن شركة فوكسكون وهي مورد رئيس لشركة أبل تستعد بهدوء لتوسيع قدرتها خارج الصين، في أماكن مثل فييتنام والهند، للحد من المخاطر التجارية المحتملة، لاندلاع الحرب التجارية مع واشنطن.
وأفادت التقارير أن هواوي أخبرت عددا من شركات التوريد غير الصينية التي تتعامل معها أنها ستكون بحاجة إلى نقل بعض الإنتاج إلى البر الرئيس الصيني، فيما يبدو أنه استراتيجية أخرى للتكيف. يقول تنفيذي في مجال التصنيع الأمريكي: "كل رئيس تنفيذي يتحدث عن نقل سلاسل التوريد".
حتى لو كانت الخطوات التي من هذا القبيل ستساعد في استيعاب الضربات من الرسوم الجمركية أو العقوبات، فإن ذلك السؤال الأكبر لن يختفي: ماذا لو تدهورت العلاقات الأمريكية الصينية بسرعة كبيرة في الأعوام القليلة المقبلة؟ بحيث تنقسم سلسلة التوريد التكنولوجية العالمية إلى جزأين؟ خطر حدوث هذا لا يزال يبدو صغيرا – لكن من ناحية أخرى، فإن خطر "بريكست" كان يبدو بعيد الاحتمال قبل بضعة أعوام.
على الأقل، حان الوقت ليبدأ المستثمرون "تسعير" ذلك الخطر "البعيد" في تقييمات التكنولوجيا، ولقيام خبراء الاقتصاد بوضع نماذج لصدمات نمو محتملة.
بعد ذلك، يُمكنهم أن يأملوا بشدة ألا يتحقق سيناريو "ماذا لو؟" المذكور.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES