FINANCIAL TIMES

بيل جروس .. كيف خسر «ملك السندات» عرشه؟

بيل جروس .. كيف خسر «ملك السندات» عرشه؟

في عام 2015 أعلن المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي، التابع لمؤسسة سميثسونيان، أنه سيعرض لوحة مفاتيح "بلومبيرج" القديمة التي كان يستخدمها بيل جروس في معرض مقبل يتم تنظيمه احتفاء بتاريخ الأعمال، وهو تكريم مناسب لعملاق التمويل.
قبل عام من ذلك التاريخ تم طرد جروس من شركة بيمكو التي أسسها في عام 1971. مع ذلك وصوله الفوري إلى "يانوس هندرسون" كان مرحبا به بشكل كبير من قبل المستثمرين، حتى إنهم سحبوا مليارات الدولارات من الصناديق التي تديرها شركة بيمكو. فلا عجب في ذلك، بالنظر إلى أنه من أوهايو ويمارس اليوجا، وهواية جمع الطوابع البريدية، ويميل إلى وضع ربطات العنق بشكل طليق حول عنقه، وسيطر على أسواق السندات على مدى أربعة عقود.
في صناعة يشغلها منذ فترة طويلة أهدأ مديري الصناديق، وشركات التأمين، وصناديق المعاشات التقاعدية وأكثرهم اجتهادا، ظهر جروس كنجم روك متحرر ومفوه، قادر على تحريك الأسواق ببضع جمل، وصنع عناوين الأخبار بخطاباته الاستثمارية المشوقة.
حتى الحكومات كانت توليه الاهتمام. في أوائل عام 2010 ساعد تحذيره من أن سندات المملكة المتحدة السيادية ترتاح "على سرير من النيتروجلسرين" على ترسيخ حملة تقشف اتبعتها الحكومة في فترة ما بعد الأزمة. وفي أحيان أخرى سجل مقطوعة غنائية حول متعة العطاس، وحزن لموت قطته، ولقب نفسه بـ "جاستين بيبر ذي الـ 70 عاما".
قال جابرييل ألتباتش، مؤسس شركة أسيت مانيجمنت إنسايتس الاستشارية "الصناعة تدين لبيل جروس بكثير "..." فقد جعل الاستثمار في السندات يتصدر عناوين الأخبار وساعد على تمهيد الطريق لعدد لا حصر له من شركات الصناديق الاستثمارية الأخرى ومديري المحافظ".
لكن في الأسبوع الماضي أعلن جروس أنه سيتقاعد، وهي خطوة متوقعة منذ فترة طويلة من رجل تُركت عليه كدمات وضربات من قبل سوق السندات التي أحبها وأبحر فيها لفترة طويلة مع قدر كبير من الثقة.
إذا كان شخص ما استثمر عشرة آلاف دولار في صندوق يونس هندرسون العالمي غير المقيد عندما تولى جروس زمام الأمور في نهاية أيلول (سبتمبر) 2014 فسيكون لديه الآن نحو 10224 دولارا، وفقا لشركة مورنينج ستار. ومجرد شراء سوق السندات الأمريكية الأوسع نطاقا كان سيحقق 10972 دولارا، وفقا لمزود البيانات. لذلك في العام الماضي خسر الصندوق 3.9 في المائة، وبالتالي فقد المستثمرون الثقة، ما أدى إلى انخفاض حجم الصندوق من ذروة بلغت 2.2 مليار دولار إلى أقل من مليار دولار في نهاية العام الماضي، كان معظمها أموال جروس الخاصة.
الآن تقاعده يثير ثلاثة أسئلة مترابطة:
أولا، هل ظهر "ملك السندات" السابق تماما في الوقت المناسب ليقود السوق الصاعدة لثلاثة عقود، فقط ليخسر موطئ قدمه عندما تراجعت السوق؟
ثانيا، ما مقدار النجاح الذي حققه بسبب براعته الخاصة في الاستثمار، وما مقدار النجاح الذي كان بفضل زملائه السابقين؟ أخيرا، ما الخطأ الذي حدث بالضبط في "يانوس هندرسون"؟
في الحقيقة بدأت المشكلات قبل ذلك بكثير، خلال فترة رئاسته شركة بيمكو. على الرغم من أن شركة السندات العملاقة كان لديها قاعة تداول شهيرة وهادئة لكن مكتظة، كان جروس معروفا بمزاجه المتقلب. أصبحت الانفعالات تسوء بشكل مطرد، وأسهمت في نهاية المطاف في رحيل محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة بيمكو، في عام 2014، وفقا لأشخاص مطلعين.
كان أداء صندوق جروس البارز، "توتال ريتيرن فند"، التابع لشركة بيمكو - في ذروته عام 2013 أدار نحو 300 مليار دولار – قد بدأ بالفعل في التدهور. وفي غياب تأثير العريان في تحقيق الاستقرار والتعقل، أصبحت الصدامات داخل "بيمكو" أكثر شراسة. وصفها المطلعون بأنها شركة تعاني خللا وظيفيا متزايدا.
في نهاية المطاف اجتمع بعض مساعدي جروس معا وهددوا بالانسحاب ما لم يتم طرده. مستبقا الانقلاب، قفز جروس من السفينة وذهب إلى "يانوس" التي يديرها ديك ويل زميله السابق في شركة بيمكو، لكن بالنظر إلى أن السيف في "بيمكو" كان تحت سيطرة نواب اختارهم جروس نفسه، كانت تلك نهاية مناسبة لحكمه الإمبراطوري ومشابهة لنهاية عهد قيصر.
قال أحد الزملاء السابقين "بالنسبة إلى شركة تثور ضد مؤسسها وتدفعه إلى الخارج هذا أمر عظيم. اختار الأشخاص الذين اعتقد أنهم سيكونون مخلصين له، ومن ثم انقلبوا عليه".
انتقاله إلى "يانوس هندرسون" كان ينظر إليه باعتباره انتصارا ساحقا حققته الشركة حتى إن أسهمها قفزت أكثر من 40 في المائة. لكن بدلا من تحرير جروس من أصفاد إدارة مئات المليارات من الدولارات - كما وصفها في ذلك الوقت - كانت سنوات عمله في "يانوس هندرسون" خيبة أمل مريرة. في بيان صدر يوم الإثنين الماضي، أثنى ويل على "أحد أعظم المستثمرين على مر العصور"، لكن في مقابلة أجراها مع قناة "سي إن بي سي" العام الماضي، اعترف بأن جروس "أجرى بعض الرهانات السيئة".
مراقبو "بيمكو" والمطلعون على شؤونها منذ فترة طويلة يشيرون إلى أن جروس، الذي لا شك في براعته، لكن الغريب الأطوار، كان محاطا ومدعوما من قبل مجموعة كبيرة من مديري المحافظ الاستثمارية والاقتصاديين والمحللين البارعين بالقدر نفسه. قال جيم ماكوجان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة برينسيبال جلوبل إنفسترز "النقطة التي لم يشر إليها كثيرون، لكنني أعتقد أنها مهمة جدا، هي أنه عمل مع بعض رجال الأعمال الموهوبين جدا".
في الواقع، جادل أحد كبار الزملاء السابقين بأن جروس يستحق تماما مكانته المرموقة، إلا أن ثقته بنفسه تحولت إلى غطرسة، الأمر الذي دفعه إلى تصديق المبالغات التي تقال عنه حتى أعمته عن رؤية قواه الحقيقية.
وقال "كثير من الناس قادوا سباق الدخل الثابت الضخم منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن بيل بالفعل ابتكر وتفوق في هذا المجال، لكن قوته العظيمة لم تكن تأتي مع التداولات، بل الاختيار من بين أفضل العروض المقدمة إليه. وفي "بيمكو"، كان لديه كثير من الأفكار الجيدة التي عرضت عليه، وكثير من الضوابط والموازنات".
في أواخر عهده في "بيمكو"، انهارت تلك المساهمات الإبداعية ومعها الضوابط والموازنات. وفي "يانوس هندرسون" يبدو أنها كانت لا وجود لها. ولكونه بقي جسديا بجوار المقر الرئيسي لـ "بيمكو" في نيوبورت بيتش، بدلا من مكتب يانوس هيندرسون" الرئيسي في دنفر، زاد هوسه بهزيمة زملائه السابقين، واتخذ من المخاطر ما يجعل عديدا من المنافسين يتبلدون.
قال ألتباتش "في بعض النواحي، على الرغم من ذلك، تطورت الصناعة بعد نموذج المعلم المنعزل الوحيد الذي يمثله جروس. من وجهة نظر إدارة المخاطر، شكلت الشركات فرقا كبيرة من خلال العمليات والتكنولوجيا واتخاذ القرار الأكثر تشتتا، التي تجنبها جروس كما هو معروف".
في نهاية المطاف، قد يكون هذا هو الدرس المستفاد من فترة عمل جروس الأسطورية في "بيمكو" وسنواته الأخيرة الضعيفة في "يانوس هندرسون"، "حتى نجوم الاستثمار يحتاجون إلى فريق دعم كي يكونوا متميزين. نسيان ذلك يمكن أن يكون خطيرا".
مع ذلك، حتى المنتقدين يعترفون بدون تردد بأن مكانة جروس بين مختصي التمويل العظماء المخلدين أمر لا جدال فيه، حيث أعاد ابتكار وتشكيل الاستثمار في سوق السندات لمدة أربعة عقود، وأسس شركة بيمكو حتى أصبحت إحدى أكبر المجموعات الاستثمارية وأكثرها احتراما في العالم.
قال وين ويكرز، رئيس قسم المعلومات في ICMA-RC، وهو صندوق معاشات تقاعدية "كان لديه إحساس قوي بما أراده في "بيمكو". كثيرون أعجبهم ذلك، لكن كثيرين آخرين لم يعجبهم". وأضاف "سيرتبط إرثه ببناء إحدى أكبر منظمات إدارة الأصول وأكثرها براعة في الولايات المتحدة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES