FINANCIAL TIMES

الهند ستنهض أيا كانت سياستها

الهند ستنهض 
أيا كانت سياستها

الهند بلد مهم. ستكون قريبا أكثر دول العالم كثافة سكانية. ولديها أسرع اقتصاد كبير نامٍ في العالم. وليس آخرا، تظل ديمقراطية نابضة بالحياة. ما يحدث في الهند سيؤثر في الجميع على هذا الكوكب. إذن، ما آفاقها الاقتصادية؟ وهل حقق ناريندرا مودي، رئيس وزرائها، فرقا كبيرا؟ وما مدى أهمية الانتخابات العامة المقررة في الأشهر القليلة المقبلة؟
التغيير الحاسم في المسار الاقتصادي للهند حدث في عام 1991، عندما تسببت أزمة العملة الأجنبية في تحول جوهري من "قانون الترخيص" license Raj إلى اقتصاد تقوده السوق، لكنه اقتصاد مقرون بدور قوي للملكية العامة، وتدخل حكومي مستمر. هذا هو الإجماع الهندي الواسع اليوم. مودي عمل كثيرا على ذلك، على الرغم من إدخال إصلاحات إضافية مهمة، معظمها غير مثير للجدل - على الأقل من حيث المبدأ، إن لم تكن كذلك في التطبيق العملي. الاستثناء كان سحب العملة من التداول - وهو قرار صادم، اتخذ بناء على نزوة مودي.
ورقة بحثية حديثة من البنك الدولي تقدم نظرة عامة على السجل. على مدى العقود الخمسة الماضية، حسبما تذكر، تحرك النمو ببطء وأصبح أقل تقلبا. حقبة ما بعد 1991، على وجه الخصوص، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فترات. الأولى، بين عامي 1991 و2003، نما خلالها الاقتصاد بمعدل سنوي متوسط قدره 5.4 في المائة. الثانية، بين عامي 2004 و2008، بلغ فيها معدل النمو غير المستدام 8.8 في المائة، مدفوعا جزئيا بنمو مفرط في الائتمان. والأخيرة، تباطؤ طويل إثر الأزمة المالية العالمية. تميزت هذه الفترة بضعف نمو الاستثمار، والائتمان، والناتج الصناعي، والصادرات. والاضطراب الناجم عن إبطال عملة التداول في عام 2016 وسوء تنفيذ ضريبة السلع والخدمات GST من جانب حكومة مودي، مددت هذا التباطؤ.
مع ذلك، عاد الاقتصاد أخيرا إلى معدل نموه المحتمل البالغ 7 في المائة تقريبا. النمو بشكل أسرع من ذلك يتطلب تحسينات كبيرة في الأداء، على الأقل، إحياء الاستثمار والتصنيع، جنبا إلى جنب مع تحسين القدرة التنافسية الخارجية. إلا أن النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الفعلي للفرد في الهند بلغ في المتوسط 5.5 في المائة منذ عام 2000، أما الآن فهو ينمو بوتيرة أسرع من نمو الصين، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تباطؤ الأخيرة. إذا استمر النمو الأخير، فسيصل الناتج المحلي الإجمالي الفعلي للفرد في الهند إلى المستويات الحالية في الصين في الفترة بين أوائل ومنتصف الثلاثينيات من القرن الحالي. الهند ستظل دولة فقيرة نسبيا، كما هي الصين الآن. لكنها ستكون قوة عظمى. إمكانات تحقيق هذا النمو موجودة حاليا: الناتج المحلي الإجمالي الفعلي للهند يعادل 12 في المائة فقط من مستويات الولايات المتحدة و40 في المائة من مستويات الصين.
ما الذي حققته حكومة مودي في السياسة الاقتصادية؟ ورقة البنك الدولي تدرج إطارها الجديد للتضخم المستهدف، وإصلاح دعم الطاقة، واحتواء العجز المالي، وتحسين بيئة الأعمال، وإدخال وتعزيز إطار جديد للإعسار، وليس أقلها، إدخال ضريبة السلع والخدمات.
مع ذلك، بعض ما أنجزته هو مجرد تنظيف للفوضى التي ورثتها، ولا سيما في الأعمال المصرفية والتمويل، وحتى ذلك لم يكن إلا جزئيا فقط. مشكلة المصارف غير الكفؤة والمسيّسة في القطاع العام ما زالت باقية. هذا مثال واحد على غياب الإصلاح العميق. كذلك الحكومة متهمة بتشويه أو إخفاء الإحصائيات، خصوصا المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي والبطالة.
لكن لا تنبغي المبالغة في إخفاقات الاقتصاد نفسه. الهند تواجه مشكلة ديون في القطاع الخاص، إلا أن الرافعات المالية العامة لا تزال منخفضة. ونسبة التجارة الهندية إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت في الآونة الأخيرة، لكنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود. كذلك معدل الاستثمار انخفض، غير أنه لا يزال ضمن النطاق الآسيوي. إنه بحاجة إلى الارتفاع، لكن معدلات الصين المبالغ فيها ليست نموذجا جيدا.
كما هي الحال في أي ديمقراطية نابضة بالحياة، يتم تسخين النقاش بين السياسيين ومؤيديهم بشكل يتناسب مع الاختلافات الحقيقية. هذه هي الحال خاصة مع اقتراب الانتخابات. لكن في السياسة الاقتصادية، الاستنتاج المعقول هو أن هذه الحكومة اتبعت منذ عام 1991 نهج السياسة الذي حددته، ما أدى إلى إدخال تحسينات مفيدة في بعض المجالات، مع كونها محافظة إلى حد كبير في مجالات أخرى، ولا سيما فيما يتعلق بالخصخصة، وتحرير الأسواق، وتعزيز المنافسة.
في مجموعة ممتازة من مقالاته الأخيرة، يصف أرفيند سوبرامانيان، كبير المستشارين الاقتصاديين السابقين، التطور من "اشتراكية المحاسيب إلى الرأسمالية الموصومة". الهند اختارت اقتصادا موجها نحو السوق، لكنها لا تحبه كثيرا. وهذا يظهر في الفشل في تحرير أسواق العمل واستغلال الفرص في التجارة. مع ذلك، ينبغي أن نكون متفائلين بتواضع بشأن آفاق الهند الاقتصادية على مدى العقد المقبل.
هل الانتخابات المقبلة مهمة للسياسة الاقتصادية؟ أحد أسباب أنها قد تكون مهمة هو "الميزانية المؤقتة" الأخيرة. إنها تقدم تحررا قليلا في السياسة المالية، لكنه ذو أهمية كبيرة. كذلك تقدم بعض التخفيضات المهمة، ولا سيما تخفيض ضريبة الدخل لدافعي الضرائب من الطبقة المتوسطة. لكنها تقدم أيضا دعما مباشرا لدخل المزارعين الصغار والضعفاء، ونظام معاشات تقاعدية للعاملين في القطاع غير الرسمي. بعض هذه الأفكار جيدة، وبعضها الآخر ليس كذلك. إذا لم تتم إعادة انتخاب الحكومة، فإن هذه الأفكار لن تتجسد في الواقع. لكن إذا حدث ذلك، فلن ينتهي العالم. من بعض النواحي، ربما يكون أفضل.
القضايا الكبرى في هذه الانتخابات ليست اقتصادية، بل سياسية. من ناحية، نجد حزبا مركزيا ومنضبطا بقيادة رجل قوي ذي نزعة قاسية. من الناحية الأخرى، نجد ائتلافا فوضويا. خطر السابق يهدد المبادئ الديمقراطية والاستقلال المؤسسي والعلاقات الطائفية. وخطر هذا الأخير يهدد النزاهة الأساسية وصنع القرار الفعال. انتخابات الولايات الأخيرة تشير إلى أن المنافسة قد تكون قوية. ونتائجها ربما لا تغير السياسات الاقتصادية بالقدر الكبير، لكنها قد تغير الهند. مهما حدث، تذكروا هذا: الهند بلد مهم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES