FINANCIAL TIMES

الصين وأمريكا .. عالم واحد ونظامان

الصين وأمريكا ..
عالم واحد ونظامان

الانهيار المتسارع في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة هو الحدث الحالي الأكثر أهمية. فكيف يمكن أن يتم التعامل مع هذا، بالنظر إلى الاعتماد المتبادل في عالم اليوم؟
ثلاثة أدلة حديثة تكشف الإحساس بالخطر من صعود الصين إلى مكانتها الحالية "قوة عظمى مبتدئة"، بحسب تعبير يان شوتونج، من جامعة تسينجهاوا. الأول هو الحملة ضد شركة هواوي، حاملة علم الطموحات التكنولوجية الصينية، التي يجب النظر إليها في سياق حرب أمريكا التجارية مع الصين ووصفها للأخيرة بأنها "منافس استراتيجي". الدليل الآخر ورقة بحث من BDI، رابطة الصناعة الرائدة في ألمانيا، تصف الصين بأنها "شريك ومنافس نظامي". الدليل الأخير هو وصف جورج سوروس للصين برئاسة تشي جينبينج بأنها "الخصم الأكثر خطورة بالنسبة للذين يؤمنون بمفهوم المجتمع المفتوح".
بالتالي النقطة التي يتفق عليها كل من الإدارة الأمريكية ذات التعصب القومي، وهيئة التجارة الحرة الألمانية، الجديرة بالاحترام والمؤيدة للأفكار الليبرالية هي أن الصين ليست صديقة. في أحسن الأحوال، هي شريك غير مريح. وفي أسوأ الأحوال، هي قوة معادية.
هل ينبغي أن نستنتج أن "حربا باردة" جديدة قد بدأت؟ الجواب: نعم ولا. نعم، لأن كثيرا من الغربيين ينظرون إلى الصين على أنها تهديد استراتيجي، واقتصادي، وفكري. هذا لا يأتي فقط من دونالد ترمب، ولا من المؤسسة الأمنية فقط، ولا من الولايات المتحدة وحدها، ولا من يمين الطيف السياسي وحده. بل هي قضية موحدة بشكل متزايد. مع ذلك، الجواب لا أيضا، لأن العلاقة مع الصين تختلف كثيرا عن العلاقة مع الاتحاد السوفياتي. الصين لا تصدر أيديولوجيا عالمية، لكنها تتصرف كقوة عظمى طبيعية. مرة أخرى، على عكس الاتحاد السوفياتي، الصين جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي.
الاستنتاج هو أن العداء للصين في المجالات كافة قد يكون أكثر تعطيلا بكثير من الحرب الباردة. إذا كان الشعب الصيني، في النهاية، مقتنعا بأن هدف الغرب هو منعه من التمتع بحياة أفضل، فإن العداء سيكون بلا غرار وبلا نهاية. التعاون سينهار. لكن لا يوجد بلد اليوم يمكن أن يكون بمعزل عن الآخرين.
لم يفت الأوان على تجنب مثل هذا الانهيار. الطريق الصحيح هو إدارة العلاقات التي ستكون تنافسية وتعاونية في آن معا، وبالتالي الاعتراف بأن الصين يمكن أن تكون عدوة وصديقة. بعبارة أخرى، يجب أن نتقبل التعقيد. هذا هو طريق النضج.
من خلال ذلك، علينا الاعتراف بأن الولايات المتحدة وحلفاءها (إن كانت أمريكا لا تزال تعترف بقيمة الحلفاء) يمتلكون نقاط قوة هائلة. صعود الصين كان مذهلا. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها، بشكل إجمالي، ينفقون مبالغ ضخمة أكبر على الدفاع، ولديهم اقتصادات أكبر، ويمثلون حصة من واردات العالم أكبر من الصين. مرة أخرى، اعتماد الصين على الأسواق في البلدان ذات الدخل المرتفع أكبر بكثير من اعتماد الولايات المتحدة على الصين. من المرجح لهذه المزايا أن تدوم، لأن الصين تبتعد عن مسار الإصلاح، كما يجادل نيكولاس لاردي، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في كتاب جديد، وبالتالي يمكن أن يتباطأ اقتصادها بشكل حاد.
على الرغم من صعود النزعة الاستبدادية والمتاعب ما بعد الأزمة المالية، إلا أن الديمقراطيات ذات الدخل المرتفع لا تزال لديها أيديولوجيا تنادي بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون وهي أكثر جاذبية مما تقدمه الشيوعية في الصين. علاوة على ذلك، من الواضح أن إخفاقات الغرب الأخيرة هي من فعل يديه بشكل مطلق. لا ينبغي إلقاء اللوم على الآخرين، مهما كان ذلك الخيار جذابا.
بالتالي، ينبغي للولايات المتحدة أن تنظر في وضعها بهدوء أكثر بكثير مما تستطيع الصين فعله، شرط أن تحتفظ بشبكة تحالفاتها، خاصة بالنظر إلى موقعها الجغرافي ونقاط قوتها الاقتصادية. إذا كانت ستفعل ذلك، يمكنها أن تدرك أيضا أن اعتمادها المتبادل مع الصين هو قوة تحقق الاستقرار، لأنه يعزز اهتمام كلا الطرفين بالعلاقات السلمية.
بالمثل، ستدرك الولايات المتحدة أن إيجاد قضية مشتركة مع الحلفاء، في سياق نظام التجارة الذي تحكمه القواعد والذي أنشأته هي نفسها، سيزيد الضغط على الصين لتنفيذ الإصلاح. في الواقع، في مقابلة في دافوس، جادل شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، بأن أفضل طريقة للتعامل مع الصين هي بالضبط في ذلك السياق. تقديم تنازلات لدعم اتفاقية عالمية سيكون أسهل بكثير على الصين من الاستجابة لضغوط أمريكا الثنائية. إذا كان ذلك يتطلب إصلاح قواعد منظمة التجارة العالمية، فسيكون أمرا جيدا أيضا.
التعاون ضروري بقدر الاعتماد المتبادل. لا يمكننا إدارة بيئة عالمية، أو ضمان الازدهار والسلام بدون التعاون مع الصين. علاوة على ذلك، إذا تم إجبار كل بلد على اختيار جانب واحد فقط دون الآخر، فستكون هناك مرة أخرى انقسامات عميقة ومكلفة بين البلدان وداخلها.
لا يعني أي من هذا أن البلدان الغربية يجب أن تقبل كل شيء تريده الصين. عمليات الاستحواذ على شركات مهمة من الناحية الاستراتيجية يُمكن أن تكون خارج المتناول بشكل مشروع، لكلا الطرفين. في الوقت نفسه، إذا وجدت فعلا أدلة على خطر استراتيجي من وجود شركات معينة داخل اقتصاداتنا، عندها ينبغي اتخاذ إجراءات ضدها. لكن الكلمة المهمة هنا هي "أدلة".
أخيرا، ومن وجهة نظري، من المهم تماما بالتأكيد، كما يقترح سوروس، أن نحمي حريتنا وحرية الصينيين الذين يعيشون في بلداننا من نظام "السمعة الاجتماعية" الجديد في الصين، ومن أشكال أخرى من السيطرة الخارجية، بأقصى ما نستطيع. لكن تبرير هذا من شأنه أن يكون أسهل لو لم تكن الولايات المتحدة تسعى لفرض قوانينها خارج أراضيها. في الواقع، اعتقاد الولايات المتحدة أن من حقها فرض أولوياتها على العالم، طوعا أو كرها، أمر يزعزع الاستقرار إلى حد بعيد.
ظهرت قوة عظمى جديدة، وهي قوة لم تكن قط جزءا من النظام الذي كان يهيمن عليه الغرب. استجابة لذلك، يحاول كثير من الناس تحويل العالم إلى عصر من التنافس الاستراتيجي الذي لا حدود له. التاريخ يشير إلى أن هذا أمر خطر. ما نحتاج إليه بدلا من ذلك هو مزيج يجمع بين التنافس مع الصين الصاعدة والتعاون معها. البديل سيكون تعميق العداوة وزيادة الاضطراب. ما من إنسان عاقل يمكن أن يريد ذلك. بالتالي توقفوا قبل أن يفوت الأوان.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES