FINANCIAL TIMES

خروج «الاحتياطي الفيدرالي» عن مساره يحير الأسواق

 خروج «الاحتياطي الفيدرالي» عن مساره يحير الأسواق

بعد إبلاغ المتداولين قبل ستة أسابيع بأن يتوقعوا مزيدا من الزيادات في أسعار الفائدة في عام 2019، استدار الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء استدارة تامة، فيما يعد التحول هو الأكثر حدة الذي تعيه الذاكرة.
من خلال إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير عند 2.25 - 2.5 في المائة، كشف جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، عن لغة جديدة أثارت احتمال أن تكون الخطوة التالية تخفيض أسعار الفائدة، بدلا من زيادتها. التوقعات التي أعقبت اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي التي أشارت إلى احتمال حدوث زيادتين أخريين في أسعار الفائدة هذا العام، يبدو الآن أنها أصبحت من الماضي.
جادل باول بأن من الضروري إجراء تغييرات على توجيهات الاحتياطي الفيدرالي، بسبب "الأحداث المتداخلة" التي ظهرت أخيرا. من بين هذه الأحداث تباطؤ النمو في الصين وأوروبا، والتوترات التجارية، ومخاطر خروج بريطانيا الصعب من الاتحاد الأوروبي، وإغلاق الحكومة الفيدرالية. وأضاف أن الأوضاع المالية أصبحت صعبة أيضا.
هذا التغيير المفاجئ أخذ بعض مراقبي الاحتياطي الفيدرالي على حين غرة وأثار حيرتهم. فكثير من هذه المخاطر كان واضحا تماما عندما اجتمع البنك المركزي في كانون الأول (ديسمبر) ورفع سعر الفائدة ربع نقطة وحافظ في الوقت نفسه على لغة تشير إلى مزيد من الزيادات "التدريجية".
في الوقت نفسه، انتهى إغلاق الحكومة الفيدرالية - على الأقل في الوقت الراهن - والاقتصاد الأمريكي في وضع قوي. سوق العمل في الولايات المتحدة مستمرة في التقدم، ونمو الأجور أخذ في الارتفاع، والأسواق المالية أصبحت أفضل حالا.
عن توقعات الاحتياطي الفيدرالي الجديدة لأسعار الفائدة، قال روبرتو بيرلي، من "كورنستون ماكرو": "لقد كان تغييرا كبيرا، ومفاجئا أيضا. وحقيقة انعدام وجود مبرر مقنع أمر محير".
وقال مايكل فيرولي، الخبير الاقتصادي الأمريكي في "جيه بي مورجان تشيس"، إنه لا يستطيع تذكر مثل هذا التغيير الكبير في الاتجاه من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ظل عدم وجود تحول كبير في الخلفية الاقتصادية، واصفا التعديل الذي حدث في الفترة ما بين كانون الأول (ديسمبر) 2018 وكانون الثاني (يناير) 2019 بأنه "بالغ الأهمية". وقد يكون أحد التفسيرات، كما قال، هو أن مزيدا من المسؤولين الحمائميين، مثل ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، كانوا يسيطرون على عملية اتخاذ القرار.
التفسير الآخر هو أن الاحتياطي الفيدرالي يتأثر بضغط السوق. بحسب مايكل جابن، من باركليز، من الصعب فهم أن النتيجة التي توصل إليها الاجتماع هي "أي شيء آخر عدا استسلام الاحتياطي الفيدرالي لتقلبات السوق الأخيرة".
بعض التوجيهات التي قدمها الاحتياطي الفيدرالي بخصوص سياسته المتعلقة بالميزانية العمومية عززت هذا الانطباع. ففي الآونة الأخيرة تم إغراق البنك المركزي بشكاوى، مفادها أن برنامجه لتخفيض ميزانيته العمومية يعمل على زعزعة استقرار الأسواق - فكرة يرى المسؤولون أنها مريبة. على الرغم من ذلك، جاء الاحتياطي الفيدرالي ببيان جديد يصف إطار عمله المفضل لتحديد أسعار الفائدة، مع تأكيدات بأنه سيعدل "أيا" من تفاصيل خطة تخفيض الأصول إذا كانت الظروف الاقتصادية أو المالية تستدعي ذلك.
من جانبه، رفض باول بشكل قاطع تلميحات الصحافيين إلى أن هناك الآن نوعا ما من "وضع باول" الذي سيأتي به الاحتياطي الفيدرالي للإنقاذ عندما تكون وول ستريت في حالة إعياء. وأضاف أن دافعه الوحيد هو "فعل الشيء الصحيح للاقتصاد وللشعب الأمريكي. هذا كل ما في الأمر".
كذلك رفض رئيس الاحتياطي الفيدرالي أي فكرة مفادها أن البنك المركزي غير مسار السياسة النقدية لمواجهة ضغط رئاسي، بعدما قدم دونالد ترمب مطالب عامة متكررة بأن يوقف الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة. وكرر باول تأكيداته السابقة بأن الاحتياطي الفيدرالي يتجاهل مثل هذه الاعتبارات السياسية. "نحن بشر، ونرتكب أخطاء، لكننا لن نرتكب أخطاء تتعلق بالشخصية أو النزاهة".
ولكي نكون منصفين، ما حدث في اجتماع الأربعاء لم يكن المرة الأولى التي تقنع فيها الأسواق المضطربة البنك المركزي الأمريكي بتعديل خططه بشأن السياسة النقدية. ففي أوائل عام 2016، مثلا، عملت تقلبات السوق على دفع الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة جانيت يلين في ذلك الوقت، إلى تقليص عدد الزيادات في أسعار الفائدة التي كان يفكر فيها. ودفعت ما تسمى "نوبة الغضب بسبب الخفض التدريجي"، التي حدثت في عام 2013، في عهد بن برنانكي، البنك المركزي إلى تأجيل خطط إبطاء عمليات شراء الأصول.
لكن لدى الاحتياطي الفيدرالي استراتيجية أساسية واضحة ظلت قائمة خلال تلك الأحداث. بالنسبة لبعض المحللين، يبدو أن البنك المركزي الآن ضل الطريق أكثر من ذي قبل. حتى وقت قريب، مثلا، كانت الحجة الرئيسة وراء دورة تشديد الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية هي فكرة أن زيادة الانخفاض في معدل البطالة من شأنها أن تزيد الضغوط التضخمية.
ذلك النقاش لم يرد في المؤتمر الصحافي الذي عقده باول يوم الأربعاء. بدلا من ذلك، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيراقب عن كثب بيانات التضخم الفعلية، ضمن مؤشرات أخرى، للحكم على ما إذا كانت هناك حاجة في نهاية المطاف إلى مزيد من زيادة أسعار الفائدة.
قال جابن، من باركليز، إن هذا يثير القلق من احتمال أن الاحتياطي الفيدرالي يتأثر بشكل كبير بالتقلبات قصيرة الأجل في الأرقام الاقتصادية. وأضاف: "قلقنا الرئيس هو أن الاعتماد المفرط على البيانات يعني أن الاحتياطي الفيدرالي يتصرف بطريقة رد الفعل، الأمر الذي يمكن أن يجعله محصورا بين تحركات السوق من جهة وانعدام وجود اتجاه واضح من الجهة الأخرى".
ليس من المؤكد أن الولايات المتحدة شهدت آخر زيادة في أسعار الفائدة في الدورة الحالية، لكن العائق أمام مزيد من التشدد يبدو الآن أكبر بشكل ملحوظ مما كان عليه. ولا شك أن توجيه الاحتياطي الفيدرالي الحمائمي الجديد يأتي بمنزلة خبر مرحب به في الأسواق العالمية. لكنه لم يبدد المخاوف من وجود توجه نحو اتصالات غير منتظمة وغير متوقعة من البنك المركزي الأمريكي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES