هذا الاختلاف هو أكثر وضوحا في بعض البلدان من أخرى، إلا أنه لا يبدو أن أيا منها قد نجت تماما من لعنة ذلك التفاوت. على أنه في كل مكان، يعد ذلك البون الشاسع من العوامل التي تغذي الاستياء السياسي.
هناك سببان للتباعد الإقليمي في الاقتصادات الغربية. الأول تكنولوجي في نهاية المطاف. تراجع التوظيف في المصانع بسبب زيادة إنتاجية اليد العاملة، أدى إلى تحول في العمالة والقيمة التي توفرها في نطاق الخدمات.
هذا يعني أن التصنيع ذا القيمة المضافة العالية لن يتمكن بعد الآن من الحفاظ على دخول مرتفعة للعمالة، بالذات في ظل الاقتصادات ذات الأعداد الكبيرة من السكان، كما أن الوظائف ذات الأجر المرتفع تظهر بشكل متزايد في قطاعات الخدمات ذات المعرفة المكثفة.
النتيجة هي ازدهار المدن والعاملين المتعلمين تعليما عاليا، بينما يتفاقم تعثر البلدات التي كانت صناعية فيما مضى، والعمال اليدويين المتعلمين تعليما منخفضا. العولمة ليس من المرجح لها أن تلعب دورا صغيرا في تغيير المعادلة، فحسب، بل من المتوقع أن تلعب دورا معززا، في هذه الديناميكيات.
السبب الثاني اجتماعي وسياسي، ويتعلق باستخراج وتوزيع القيمة من الإنتاج في مجالي الخدمات والتصنيع، على حد سواء.
كما يشير بوب سولو، تقسيم القيمة المضافة الاقتصادية كان يتم تحديده ضمنيا من خلال العقود الاجتماعية – في الولايات المتحدة، والمثال هنا كان معاهدة ديترويت بين شركات صناعة السيارات الكبيرة ونقابات عمالها.
على أنه في معظم البلدان قد تآكل العقد الاجتماعي القديم. في كثير من البلدان التي تقارن الآن بعام 1980، العام الذي انهار فيه جدار برلين وجدران أكثر، تحولت نسب الدخل القومي من العمالة إلى رأس المال؛ فبعض الصناعات هي أكثر تركيزا، وبالتالي تولد مزيدا من الأرباح الاحتكارية.
كما تم إعادة توزيع دخل العمالة إلى العاملين الذين يسيطرون على نشر رأس المال – المديرون، والفنيون من ذوي المهارة العالية، والخبراء – حتى وإن كانوا لا يمتلكونها من الناحية الفنية. علاوة على ذلك، هناك مجموعة من التحولات الاجتماعية وفي السياسة، والتي عززت هذه التطورات – تشتمل على إضعاف النقابات العمالية، وزيادة حجم المؤسسات المالية، والتغييرات التشريعية التي كانت متهاونة من حيث حالات التباين في الدخل الفردي والتقنيات الاستخراجية – النتيجة كانت أن هذا جعل مشكلة التباعد الإقليمي أسوأ.
كما أن درجة الاختلاف الإقليمي في أي بلد هي دلالة على مدى كثافة حدوث كل من التغييرات التكنولوجية والاجتماعية السياسية، إذا لم نتمكن من عكس ما يمكن عكسه على المدى الطويل، إن كان هذا ممكنا أصلا، فما الذي يمكن فعله بشأن التباعد الإقليمي على المدى القصير إلى المتوسط؟
هناك، في الواقع وفرة كبيرة في نطاق السياسات التي تمت تجربتها. درسنا بعضا منها في هذا العمود من قبل. لتطوير استراتيجية سياسة من مجموعة متنوعة من السياسات، من المفيد تعريف ثلاث طرق مختلفة جدا للتفكير حول ما يجب القيام به بشأن المناطق المهملة.
الأولى هي استراتيجية الانعكاس. وهذه تتكون من التدخلات التي تهدف إلى موازنة أو تعويض الديناميكيات التكنولوجية والسوقية، التي تسبب جوانب سلبية من حيث التكلفة في إيجاد قيمة في الأماكن المهملة – دعم الاستثمارات القائمة على المكان، وإعفاءات ضريبية وما شابه ذلك.
هذا هو النوع الأكثر تقليدية للسياسة الصناعية، الذي غالبا ما يتسم بالفشل أكثر من النجاح.
إنها يمكن أن تنجح: كيارا كريسكولو وزملاؤها درسوا دعم الاستثمارات الأوروبية للمناطق المتخلفة ووجدوا أن الدعم الأكبر يمكن أن يزيد الاستثمار في التصنيع والتوظيف – على أن يجري ذلك من خلال الشركات الصغيرة القائمة فحسب، وليس عبر الشركات الأكبر والأكثر إنتاجية، ولا عبر الشركات الناشئة الجديدة أيضا.
الطريقة الثانية هي استراتيجية الاتصال – وهذا يعني، جعل المناطق المهملة "جزءا من" التكتلات الناجحة، وبدلا من أن تعاني العزلة ستنجح كملحقات للمراكز الاقتصادية المزدهرة في الأصل.
وهذا ينطوي في المقام الأول على بناء بنية تحتية من الأنواع القوية والمعتدلة – النقل واتصالات الإنترنت السريع، علاوة على تطوير القدرة الاجتماعية والتعليمية والنفسية "للتواصل" مع الأنشطة في المركز.
هذا أمر يمكن القيام به؛ حيث أظهرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المناطق الريفية التي تقع جغرافيا بالقرب من المدن تلحق بالركب، كما حدث خلال العقد الماضي.
وقد يكون لها آفاق أفضل من استراتيجية الانعكاس: تحديث البنية التحتية والمهارات له آثار إيجابية بشكل ملموس.
أخيرا، هناك استراتيجية الجذب – المقصود بهذا الهدف الطموح هو جعل الأماكن التي كانت تعتمد على أنشطة متراجعة، "تقفز" لتصبح ضمن مراكز لتوفر قيمة مضافة عالية بحد ذاتها.
يجب أن تركز هذه الاستراتيجية على إيجاد رأس المال البشري عالي الإنتاجية والتمسك به وجذبه – أو من الناحية الإنسانية، إنشاء أماكن تجدها مجموعة حاسمة من العاملين المهرة المتعلمين تعليما عاليا، جذابة للعيش والعمل فيها.
لاحظ أن الاختلافات الإقليمية مدفوعة بقوة من العوائد المتباعدة للمهارات العالية بين الأماكن الرائدة والمتخلفة.
تحقيق هذا هو أمر صعب للغاية؛ فهو سيتطلب القيام بأشياء كثيرة على الوجه السليم وفي آن معا.
أحد هذه الأشياء هو استغلال كل فرصة من أجل تعزيز الإنتاجية المحلية إلى أعلى حد ممكن.
هناك في الواقع كثير من الفواكه الدانية التي هي بانتظار قطافها. برامج التدريب المستهدف وخدمات الأعمال تحقق آثارا كبيرة مهمة؛ وهذا ينطبق أيضا على تحسين جهود التوفيق بين الوظائف والناس، التي نجدها الآن في الأماكن المهملة.
كذلك من الأمور المهمة للغاية مواصلة تزويد القروض المحلية، من خلال مؤسسات مالية للأغراض الخاصة إذا استدعى الأمر.
هناك أمر مهم آخر هو تأمين طلب كلي محلي كاف – من خلال تحويلات المالية العامة على الأرجح – بهدف استدامة الخدمات التي تجعل المكان "قابلا للعيش فيه".
الخدمات العامة هي جزء من ذلك، إلا أن القوة الشرائية الخاصة هي أيضا جزء من ذلك.
"النظام الذي يشبه الدخل الأساسي" الفريد في آلاسكا، الذي يقدم "عوائد دائمة" للناس من إيرادات النفط، على سبيل المثال، إلا أنه على ما يبدو لا يعزز خدمات التجزئة والرفاهية فحسب، بل أيضا الخدمات الصحية وخدمات الرعاية الشخصية بالقدر نفسه. هناك عنصر ضروري ثالث من أجل توفر الكتلة الحرجة من عمال المعرفة هو توافر كتلة حرجة من الوظائف التي تتطلب معرفة مكثفة، الأمر الذي يشير إلى الدور المساند لمؤسسات الأبحاث بدلا من المؤسسات التعليمية التي تركز على التعليم، فحسب.
هذا طلب غير معقول، ولن يكون واقعيا في أي مكان. بيد أنه ربما يكون أيضا الاستراتيجية التي تتمتع بأفضل فرصة للنجاح الدائم.
أضف تعليق