ثقافة وفنون

تحدي 10 سنوات .. وجوهنا أمانة والطامعون كثر

تحدي 10 سنوات .. وجوهنا أمانة والطامعون كثر

انتشر في الأيام الأخيرة، على نطاق واسع في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي "تحدي العشر سنوات" (10yearchallenge). مفاد هذا التحدي أن ينشر المستخدم صورة له قبل عشر سنوات إلى جانب صورة حديثة له الآن، لمعرفة الفوارق، التي طرأت على شكله وملامحه على مدار عقد من الزمن.
وجد عديد من المستخدمين في هذا التحدي فرصة لاسترجاع ذكريات الماضي، ومناسبة للتسلية والسخرية والدعابة مع الأصدقاء والمقربين، ما ساهم في انتشاره بسرعة؛ خصوصا بعد مشاركة عدد من المشاهير والنجوم العالميين فيه، ما زاد من حجم الإقبال عليه، حتى أضحى يحتل الصدارة من التردد على الصعيد العالمي، في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
حذر عديد من المراقبين والخبراء في شؤون التقنية أن هذه التسلية قد تكون وراءها نوايا مبيتة وأهداف خاصة، لا علم للمستخدمين بها إطلاقا. وهذا ليس بالأمر الغريب، فقد حدث ذلك أكثر من مرة لعديد من مستخدمي فيسبوك، ممن اخترقت بياناتهم الشخصية، من خلال "اختبارات" بسيطة، يعرضها من باب التسلية وفهم شخصية الزبون بطرح أسئلة من قبيل: أي نجوم هوليود تشبه؟ وما هي الوظيفة الأنسب لك؟ وفي سنة كم ستتزوج؟
لم تتردد إدارة شركة فيسبوك في إبعاد هذه الاتهامات، خصوصا أن له النصيب الأكبر من مشاركات المستخدمين لهذا التحدي، من خلال التأكيد في بيان لها بأن التحدي من بنات أفكار بعض المستخدمين ممن تداولوها بينهم، ولا علاقة لإدارة الشركة بالمسألة إطلاقا.
لا يمكن الجزم بأن هذا التحدي، الذي تحول إلى هوس لدى كثير عفوي، وبذات القدر لا يمكن الجزم بأن هدفه علمي محض. ويبقى المرجح أنه تدريب على خاصية التعرف إلى الوجه وخوارزمية التقدم في العمر وتحديد السن.
مهما يكن الأمر، فالأكيد أن "تحدي عشر السنوات" قد لا يصل درجة المؤامرة من هذه الشركة أو تلك، لكنه يبقى مكسبا كبيرا وغنيمة لا تقدر بثمن، متى تم ربطه بتقنية التعرف إلى الوجوه، التي تستخدم في غالب الأحيان بدون وعي، من خلال الإشارة إلى الأشخاص في الصور (تاغ) على الفيسبوك، أو البحث عن صورة على صور جوجل، أو عند فتح شاشة الهاتف بالوجه بدلا عن اعتماد القن.
في هذا السياق يثار سؤال مشروع يعجز أنصار فكرة التسلية عن الإجابة عنه، يتعلق بالحديد الزمني غير البريء؛ لماذا بالضبط عشر سنوات؟ إذ كان المفروض أن تترك اللعبة مفتوحا بين الماضي والحاضر مثلا، أو تعطى للمستخدم حرية اختيار الفارق الزمني الذي يرغب فيه.
إن الغاية من وراء هذا التحدي هو جمع أكبر قدر من البيانات عن المستخدمين من خلال الصور، التي ينشروها عن أنفسهم، ومعالجتها باعتماد تقنية التعرف على الوجوه. فحين ينشر المستخدمون صورهم ضمن هذا التحدي، يُقدمون بيانات دقيقة حول كيفية تغيّر أشكالهم خلال عشر سنوات.
يرى كثير أن هذا التخويف مبالغ فيه، فلدى هذه الشركات صور المستخدمين وما يكفي من البيانات، ما يجعل تقديم صورة ضمن هذا التحدي لا يشكل فارقا. لكن الأمر لن يبقى كذلك، حين نعلم أن هذا التحدي يمكن من جمع قواعد البيانات لخرائط الوجه ما قبل عشر سنوات حتى اليوم.
بناء على هذه الخرائط يمكن توقّع عملية تطور الخريطة ودراستها، وكيفية تطور الوجه وأبعاده. وقد يذهب الأمر أكثر من ذلك، فمن المرجح أن تتيح لهم هذه البيانات إمكانية إعادة أي صورة لما كانت عليه قبل عشر سنوات حتى لو لم يمتلكوا الصورة الأصلية.
إن هذا التحدي فرصة مذهلة ومنسقة لجمع أكبر قاعدة بيانات على وجه الأرض، طواعية وبدون أي مقابل للمشاركين فيه. الأكيد أن فرز وتحليل ملايين الصور لن تظهر اليوم أو غدا؛ لأن المسألة تستغرق ما بين الأشهر والسنوات، لكن بعد ظهورها لن ينفع الندم، فحينها ستكون قد صُرّفت في أهداف تجارية وأمنية واستخباراتية.
يتوقع مستقبلا أن تتم الاستعانة بنتائج هذا التحدي في مجال التأمين والرعاية الصحية، فتمييز أثر التقدم في السن، قد يؤثر ذات يوم في تقدير ما ينبغي عليه دفعه في هذه المجالات. فعلى سبيل المثال، لو بدا أنك ستكبر أسرع من أقرانك، فمن المرجح أن تأمينك سيكون مخاطرة كبيرة، ما يفرض عليك دفع المزيد، وإلا رفض طلب تغطيتك بالتأمين.
إن حلم سيرغي برين، أحد المؤسسين لإمبراطورية جوجل، هو "ربط مخ بني البشر بجوجل بشكل مباشر. أي عن طريق كمبيوتر للجيب". وحينما ارتسمت الدهشة على بعض الوجوه، سأل برين الحاضرين "ما لكم؟ هل ثمة شيء يتنافى مع الارتقاء بأداء المخ". وقال زميله في الشركة إريك شميت بأن "الإنترنيت أكبر تجربة فوضوية عرفها التاريخ. فعالم الاتصال المباشر بالويب، هذا العالم، الذي يستخدمه ملايين من بني البشر من أجل إنتاج أو استهلاك معلومات رقمية، يكاد يكون بلا قوانين تنظمه... في نهاية المطاف، ستتكفل الابتكارات التقنية، وليس الإجراءات القانونية، بحماية المناحي الشخصية والحياة الخاصة، فكل شيء قابل للتشفير".
هذه الأفكار وغيرها كثير لدى مسيري عمالقة النت، تدفعنا إلى التأكيد بأن البشر هم أغنى مصدر للبيانات بالنسبة لكل التكنولوجيّات الصاعدة في العالم. فهم الرابطة، التي تصل إلى ما بين العالم المادّي والرقمي. والتفاعلات البشريّة هي السبب الرئيسي في جعل إنترنت الأشياء جذابا. وبياناتنا هي الوقود الذي يجعل الشركات أذكى ومربحة أكثر.
وإلى الدعوة بالموازاة مع ذلك، لأخذ الحيطة والحذر الكافيين تجاه ما نقدم عليه من خطوات في هذه فضاءات لم تعد افتراضية، وبدل مطالب هذه الشركات باحترام معطياتنا الخاصة، علينا أولا أن نعامل نحن بياناتنا الخاصة باحترام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون