FINANCIAL TIMES

غيوم السياسة تتجمع فوق آلة التصدير الألمانية

غيوم السياسة تتجمع فوق آلة التصدير الألمانية

ألكساندر هينتركوبف، صانع طابعات صناعية رقمية، بنى أعماله من خلال رحلات منتظمة من مقر الشركة الألماني إلى الأسواق الكبرى في جميع أنحاء العالم. لكن سفراته في الأشهر الأخيرة باتت أقل مردودا.
رجل الأعمال المقيم في بادن فورتمبيرج قال لـ "فاينانشيال تايمز"، "يمكن تلخيص حالة البيئة بكلمة واحدة – غامضة" وأضاف "الغموض ليس شيئا جيدا في مجال الأعمال، إنه يعني أنك دائما تؤجل اتخاذ القرارات. منذ الصيف ذهبت إلى الصين ثلاث مرات، وفي كل مرة يختلق العملاء سببا جديدا للتأجيل".
بعد عقد من الازدهار، بدأت غيوم المناخ السياسي الداكنة تلقي بظلالها على آفاق الاقتصاد العالمي.
في عام 2019 من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة أقل من 3 في المائة، وهي المرة الأولى منذ عام 2009 التي يتراجع فيها النمو إلى هذا المستوى، بحسب "كونسينسس إيكونوميكس" التي تستطلع آراء الاقتصاديين في جميع أنحاء العالم. ألمانيا، رابع أكبر اقتصاد في العالم مع آلة تصدير تحقق 1.6 تريليون يورو سنويا، من بين أكثر الاقتصادات عرضة للخطر.
وفقا لهينتركوبف "من أجل الاستثمار في آلة جديدة كبيرة "..." يجب على الشركات أن تكون قادرة على أن تروي لنفسها قصة عن مدى الجودة التي سيكون عليها الاقتصاد خلال السنتين إلى الثلاث المقبلة. لكن عوضا عن ذلك، لدينا حرب تجارية بين أكبر قوتين في العالم. وأوروبا لديها مشكلاتها الخاصة".
الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي هي حجر الأساس لاقتصاد البلاد، يشارك هينتركوبف مخاوفه هذه.
مارك سفين مينجيس، الرئيس التنفيذي لشركة صناعة السيارات "فيشر" التي تتخذ من بادن فورتمبيرج مقرا لها قال "تؤثر فينا التعريفات العقابية العالية المفروضة، الناتجة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. خروج بريطانيا يقلقنا أيضا". وأضاف "عندما يهدأ الاقتصاد العالمي، نلاحظ ذلك".
استطلاع أجراه مركز إيفو Ifo، وهو مؤسسة فكرية مقرها ميونيخ، أظهر انخفاض مؤشر ثقة الشركات الألمانية إلى أدنى مستوياته منذ كانون الأول (ديسمبر) 2016.
أولريش أكرمان، المدير التنفيذي للتجارة الخارجية في "في.دي.إم.آيه" VDMA، الهيئة التجارية التي تمثل الشركات المصنعة للآلات، قال "الشركات في جميع أنحاء العالم تبدي ترددا في طلب آلات جديدة". وتابع "الشركات لا تستثمر إلا إذا كانت تشعر بالتفاؤل بشأن المستقبل، ونحن نقترب من نهاية الدورة الاقتصادية بعد عشر سنوات من النمو".
الصادرات الألمانية من السلع والخدمات تشكل 47.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الأعلى مقارنة بأي اقتصاد كبير آخر،. وتشير أحدث الأرقام إلى أن التجارة توفر أكبر عائد على الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2010، ما يعني أن ضعف الصادرات قد يدفع ألمانيا إلى ركود فني – يعرف بأنه ربعين من النمو السلبي.
أولى البيانات عن الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018 تصدر يوم الثلاثاء المقبل، عندما تنشر وكالة الإحصاءات الاتحادية تقديرها الرسمي لما حدث للنمو الألماني على مدار العام.
في الربع الثالث تقلص اقتصاد البلاد للمرة الأولى منذ عام 2015. ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن ذلك سيكون أمرا مؤقتا، ملقين باللوم على تأخر شركات صناعة السيارات في استيفاء معايير الانبعاثات الجديدة للاتحاد الأوروبي. إلا أن مؤشرات مديري المشتريات الأخيرة – أداة تستخدم كثيرا لقياس ما سيحدث للناتج المحلي الإجمالي – تشير إلى أنه سيكون هناك قليل من التحسن في الربع الرابع. وتراجع مؤشر الصادرات الصناعية الألمانية إلى أدنى مستوى له منذ كانون الأول (ديسمبر) 2012.
إيزابيل شنابيل، أستاذة في جامعة بون وعضو في مجلس الخبراء الاقتصاديين الذي يقدم المشورة للحكومة الألمانية، تقول "بدأ الناس يدركون أن الأمر لا يقتصر على السيارات فقط. الطلب على التصدير بشكل عام قد ضعف".
تعتقد شناببل أن النمو الألماني سيظل أعلى من 1 في المائة في عام 2019، وهذا أقل بكثير مما كان عليه في السنوات الأخيرة. "النمو في جميع أنحاء العالم أقل ديناميكية، لكن ذلك يتعلق أيضا بالقيود والقدرات في الاقتصاد الألماني. كان لا بد من حدوث تباطؤ في النمو على أي حال بسبب عدم القدرة على الاستمرار في النمو بالوتيرة ذاتها بعد عدد من السنوات القوية".
ويبقى الخوف الرئيسي لدى الشركات هو إمكانية تفاقم الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين. يقول هينتركوبف "نحتاج إلى حل واضح مع الصين. الخطر يكمن في أن التعريفات المفروضة كبيرة فوق الحد. "رسوم جمركية" 10 في المائة عقبة مؤلمة. عند 25 في المائة ما من أحد سيشتري أي شيء وسيتوقف الحال تماما".
خطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يسبب القلق أيضا. قال مدير بارز في شركة ألمانية لصناعة السلع المنزلية الراقية "لا أحد يعتقد أن المملكة المتحدة ستخرج من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة "..." هناك اعتقاد راسخ بأن السياسيين البريطانيين سيضعون الاقتصاد في المقام الأول. بعبارة أخرى، نحن في حالة إنكار تام".
كذلك تشعر الشركات بقلق متزايد حيال الانقسام داخل منطقة اليورو، الذي تغذيه احتجاجات "السترات الصفراء" في فرنسا واحتمال حدوث صدام بين الأسواق والحكومة الشعبوية في روما.
يورجن بولزين، مختص اقتصادي في "زي.في.إي.آي" ZVEI، وهي منظمة تمثل شركات تصنيع المنتجات الكهربائية والإلكترونية، قال "يمكن أن تصبح فرنسا وإيطاليا مشكلة أيضا، خصوصا إيطاليا".
وبحسب هينتركوبف، ما يحتاج إليه المصنعون الألمان أكثر من غيرهم هو قادة عالميون يتخذون القرارات ويوفرون الوضوح. "نحتاج أن يخبرنا دونالد ترمب بما يريده، فعندئذ سيكون العالم أفضل".
لكنه متفائل بأن أي تباطؤ سيكون قصير الأمد. "أنا أدعس على دواسة البنزين لأنني أعتقد أنه ستكون الأمور أفضل بحلول الربيع. ما علينا أن نتذكره هو أن ما من شخص يريد هذا الجمود. الناس يريدون شراء الأشياء، التجار بيعها بيعها، ونحن نريد صنعها".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES