أخبار اقتصادية- عالمية

الرهانات على دولار ضعيف في مأزق .. للأسواق كلمة أخرى

 الرهانات على دولار ضعيف في مأزق .. للأسواق كلمة أخرى

رغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يفضل الدولار الضعيف، الذي أعلنه في أكثر من تغريدة في عام 2018، انتهى العام والدولار يحقق في نهايته وضعا أقوى وأفضل مما كان عليه في بداية العام.
وقدرت مجلة "الإيكونيميست" أن الدولار الأمريكي زاد في العام الماضي بنحو 7 في المائة من قيمته مقابل العملات الرئيسية في العالم.
ورغم ما بدا كأنه إجماع عالمي من المختصين بأن عام 2019 سيشهد تراجعا في قوة الدولار، فإن للأسواق كلمة وموقفا آخر.
وتحول الدولار الأمريكي إلى الارتفاع أمام العملات الرئيسية خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بعد بيانات اقتصادية ومع تطورات تجارية جديدة، ليتجه إلى تحقيق أول مكاسبه الأسبوعية في العام الجاري.
ومنذ بداية الأسبوع الماضي، ارتفعت "الورقة الخضراء" بنسبة 0.7 في المائة مستفيدة من تراجع اليورو والجنيه الاسترليني بسبب الاضطرابات السياسية الراهنة والناتجة عن تفاقم أزمة "بريكست"، والإعلان عن بيانات اقتصادية سلبية.
ولا يزال الدولار قويا ومرتفعا، وسط توقعات عدد من المختصين بأن يواصل ارتفاعه في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة -اليورو- في ظل الاضطرابات الاجتماعية الفرنسية، والمشاحنات السياسية التي تشهدها إسبانيا، والعداء الذي تبديه الحكومة الشعبوية في إيطاليا للاتحاد الأوروبي، كما سيرتفع الدولار أيضا في مواجهة الجنيه الاسترليني، الذي قد يشهد أوضاعا متقلبة نتيجة الارتباك السياسي الداخلي في المملكة المتحدة، بشأن الخروج الأوروبي.
وتقول كيتي هاتون المحللة المالية في بورصة لندن لـ "الاقتصادية"، "إن فكرة تراجع الدولار الأمريكي هذا العام قد تبدو غريبة بعض الأمر في ظل المؤشرات الراهنة.. فالاقتصاد الأمريكي رغم الحديث المتصاعد عن إمكانية تعرضه للركود في عام 2018، لا يزال ينمو بقوة نسبيا حتى الآن، والمكاسب المحققة في قيمة الدولار لم تكن كبيرة إلى الحد الذي يتسبب في حدوث رياح عكسية للاقتصاد الأمريكي، فالدولار يمكن أن يتحول إلى مثبط للنشاط الاقتصادي عن طريق خفض تضخم السلع المستوردة، ومن ثم زيادة الطلب على السلع المستوردة بسبب انخفاض أسعارها، كما أن الصادرات ستكون أقل قدرة على المنافسة".
وتترافق تلك التوقعات مع تحقيق الدولار الأسبوع الماضي أول أسبوع إيجابي له منذ منتصف الشهر الماضي، ويرجع عدد من المختصين ذلك إلى التفاؤل الذي عم الأسواق في أعقاب تقارير صحافية بأن آفاق الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين تتحسن، ونجمت تلك القناعات عن تسريبات إعلامية بأن ستيفن منوشين وزير الخزانة الأمريكية يدرس رفع بعض التعريفات المفروضة على الواردات الصينية أو جميعها، وعلى الرغم من أن وزارة المالية الأمريكية نفت أن يكون الوزير الأمريكي قدم أي توصية بهذا الشأن، إلا أن التسريبات كانت قد فعلت فعلتها الإيجابية في الأسواق.
لكن تلك التطورات لا تمنع وجود فريق آخر خاصة بين المختصين المصرفيين، يرى أن الدولار قد يشهد تحسنا خلال الربع الأول وربما الثاني من العام الجاري، بينما سيكون مصيره الانخفاض في النصف الثاني.
إل. إر. ريتشارد مدير قسم المعاملات الخاصة في مجموعة "نيت ويست" المصرفية يرى أن المؤشرات الراهنة على تحسن وضع الدولار في مواجهة العملات الرئيسية مؤقتة، "فهناك تقييم باهظ للدولار حاليا". ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الانتعاشة في أسواق الأسهم راسخة، ومن المشكوك فيه أن يقوم المجلس الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة عدة مرات كما حدث في العام الماضي، ولهذا أتوقع أن يتراجع الدولار بنحو 5- 7 في المائة من قيمته بنهاية العام".
وأشار ريتشارد إلى أن العامل الوحيد الذي يمكن أن يجعل الدولار في حالة صعود رغم العوامل التي أشرت إليها وستؤدي إلى إضعافه، هي تراجع معدل النمو في باقي دول العالم بينما تواصل الولايات المتحدة نموها القوي، إلا أن المؤشرات توضح أن التعافي في بيانات الوظائف والإسكان الأمريكية يفقد قوته وسط مخاوف قطاع ملموس من المستثمرين من إمكانية أن يضرب الركود الاقتصاد الأمريكي هذا العام.
ويعتقد قطاع واسع من المستثمرين أن الدولار الضعيف سيحل عديدا من مشكلات الاقتصاد العالمي، بل ربما يؤدي إلى إعادة البنك الدولي النظر في تقييمه الذي أطلقه في الأسابيع الأخيرة وتوقع فيها أن تسود الغيوم الاقتصاد العالمي وأن تنخفض معدلات النمو الدولية.
في الواقع، فإن تلك القناعات تؤكد أفكار كثير من المختصين والمستثمرين، بأن الدولار سيظل العملة الوحيدة القادرة على إعادة تشكيل الأسواق المالية، وربما الاقتصاد العالمي ككل عبر التأثير في معدلات النمو في مختلف الاقتصادات.
وإذا كانت أغلب الرهانات الحالية تصب في مصلحة إنهاء الاحتياطي الفيدرالي دورة تشدده المالي التي برزت العام الماضي برفع معدلات الفائدة، فإن هذا قد يؤدي إلى تخفيف الضغوط على الاقتصادات الناشئة خاصة في آسيا، إذ سيمكنها ذلك من زيادة اقتراضها لتوسيع استثماراتها المحلية، ما سيساعد على رفع توقعات النمو العالمي.
ويربط الدكتور واد كالفين أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة نيوكسل، بين عدد من المتغيرات المتعلقة بنمو الاقتصاد العالمي والأمريكي وسوق الأسهم وعلاقة ذلك كله بأسعار صرف الدولار في عام 2019.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "من المتوقع أن يواصل الاقتصاد العالمي والأمريكي النمو هذا العام، إلا أننا سنشهد تباطؤا في معدلات النمو، فتوقعات صندوق النقد الدولي بشأن نمو الاقتصاد العالمي هذا العام انخفضت من 3.9 في المائة وفقا لتقديرات شهر تموز (يوليو) إلى 3.7 في المائة، وفقا لحسابات شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وسينطبق ذلك أيضا على الاقتصاد الأمريكي الذي انخفضت توقعات توسعه من 2.5 في المائة إلى 2.3 في المائة هذا العام مقابل 3 في المائة عام 2018، هذا النمو الضعيف سيؤثر سلبا في سوق الأسهم الأمريكية، وسيضغط ذلك على أسعار صرف الدولار في مواجهة العملات الدولية الأخرى".
على أي حال، ما زال الوصول إلى موقف قاطع بشأن مستقبل الدولار هذا العام محل جدل ونقاش في الأسواق، فالعام في بدايته، وعديد من المتغيرات الاقتصادية الموروثة من العام الماضي في حالة من السيولة ولا يعرف بعد وبشكل يقيني إلى أين تتجه الأمور، ويطرح بعض المستثمرين سيناريو محتمل بشأن الاتجاهات الاقتصادية هذا العام، الذي قد يأخذ الدولار إلى منحنيات غير متوقعة على الأقل حاليا.
ويطرح روج بوتر من مجموعة "إل. دي" الاستثمارية على "الاقتصادية"، سيناريو تضيق فيه الفجوة بين نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة ومناطق رئيسية أخرى في العالم، بسبب التباطؤ في نمو الاقتصاد الامريكي، بدلا من تحسن الاقتصادات الأخرى، ويترافق ذلك مع تصاعد النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، ومع عدم اليقين المهيمن على الاقتصاد الصيني، فإن التخفيضات الضريبية التي تمنحها الصين لمستثمريها يتم توفيرها وعدم ضخها في الأسواق، ما يؤدي إلى مزيد من الضعف الاقتصادي في الصين، ومع تعثر ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتعثر أيضا عديد من الأسواق الناشئة خاصة في آسيا، ومع تزايد الارتباك السياسي في القارة الأوروبية، يكتشف البنك المركزي الأوروبي أن الوضع الضعيف في اقتصاد منطقة اليورو ليس مؤقتا، لكنه يعكس انخفاضا دوليا في الطلب على الصادرات الأوروبية.
وفي رأي بوتر فإن "هذا السيناريو ليس تخيليا، فالمؤشرات المتاحة تجعله شديد الاحتمال، وإذا حدث هذا فإننا سنشهد تقلبات عنيفة في أسعار العملات، وسيفقد الدولار كثيرا من قوته، لمصلحة الذهب الذي قد يتحول إلى الملاذ الآمن الوحيد".
ويشير بوتر إلى أن "الأمر المؤكد هو أن تراجع الدولار أو تنامي قوته هذا العام لن يعود إلى عوامل خاصة بالاقتصاد الأمريكي بمفرده، إنما سيكون للآخرين كلمتهم في هذا الشأن".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية