FINANCIAL TIMES

أنموذج جديد للنقل التعاوني يسعى إلى تعطيل المعطلين

أنموذج جديد للنقل التعاوني يسعى إلى تعطيل المعطلين

من بين أكثر الأشياء روعة بشأن العيش في روسيا في التسعينيات كان مراقبة كيف ظهرت الأسواق الخاصة من جديد بشكل عفوي بعد انهيار الشيوعية، مثل ظهور الفطر بعد هطول المطر.
تم إنشاء أحد هذه الأسواق من قبل سائقي سيارات الأجرة العاديين، المعروفين باسم شاستنيكي chastniki، الذين يوقفون لك سياراتهم - وبعد كثير من المساومات المصطنعة حول الوجهة والسعر - يبدون استعدادهم لتوصيل أي شخص غريب يشير إليهم للتوقف.
بعض أكثر المحادثات إثارة للاهتمام التي أجريتها في روسيا كانت مع ضباط عسكريين وعلماء صواريخ يمارسون هذا النشاط سرا، إلى جانب عملهم الأساسي. لكن قد يكون الأمر خطيرا: فدائما ما تكون هناك خطورة في أن السائق "أو الراكب" قد يكون مخمورا، أو قد مخبولا، أو يرفض توصيل الراكب "أو دفع أجرة السائق".
وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة على التخلص من خطر هذا النوع من الروليت الروسية من خلال بناء الثقة بين الغرباء. تطبيقات نقل الركاب المتاحة في الهواتف المحمولة، مثل "أوبر" في الولايات المتحدة، و"ديدي" في الصين، و"يانديكس" في روسيا، توفر وسيلة فعالة وغير مكلفة وآمنة نسبيا للربط بين السائقين والركاب رقميا، وبالتالي زيادة توافر واستخدام خدماتها.
لكن التكنولوجيا لا تقتصر فقط على تجديد المشاريع التجارية القائمة. بل تشجع أيضا تصوّر نماذج مشاريع تجارية جديدة كليا. فهل ستسهل التكنولوجيا الآن ظهور أنموذج أكثر تكاملا بكثير للنقل الحضري، الذي يعرف باسم التنقل كخدمة "ماس" MaaS؟
من المؤكد أن لياد إسحاق، رئيس التنقل في شركة "هير تكنولوجيز"، يخطط لذلك. أنشأت شركته الأم، التي تملك غالبية أسهمها شركات صناعة السيارات الألمانية، مثل "بي إم دبليو" و"أودي" و"دايملر"، "سوق تنقل" تهدف إلى معالجة مشكلات خدمات النقل المجزأة، بما في ذلك شركات نقل الركاب. يقول "نحن هنا لتعطيل المعطلين".
انضمت أكثر من 500 شركة لتزويد الخدمات، لديها 1.4 مليون سيارة، إلى سوق التنقل التي أنشأتها "هير" في 350 مدينة - على الرغم من أنه لم يجرِ تشغيلها بعد في كل مكان. في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في لاس فيجاس الأسبوع الماضي، أعلن إسحاق عن توسيع خدمات الشركة وإطلاق تطبيق سومو SoMo الخاص بها.
يختلف أنموذج شركة هير عن شركات نقل الركاب التقليدية في مجالين أساسيين. أولا، أنها تعمل منصة لجميع خدمات النقل التعاونية، العامة أو الخاصة، بدءا من تأجير الدراجات إلى شركات سيارات الأجرة إلى شركات الحافلات. فهو يوصي بالطريق المثلى للسفر، من الموقع إلى الوجهة المطلوبة، حتى لو كان ذلك يعني السير على الأقدام، بدلا من إبراز الطريق التي تحقق أكبر عائد لأي شركة. يقول إسحاق "نحن الشركة الأولى والوحيدة التي أنشأت سوق تنقل عالمية محايدة".
ثانيا، أنها تحاول إدخال عنصر شبكات التواصل الاجتماعي إلى خدمات النقل. سيربط تطبيق "سومو" أو "التنقل الاجتماعي" الأشخاص الذين سيذهبون إلى الوجهة نفسها في الوقت نفسه وللغرض نفسه. مثلا، سيكون الآباء الذين يأخذون أطفالهم إلى مبارة كرة القدم أكثر قدرة على تنسيق الرحلة.
كان إسحاق أحد مبتكري "وايز"، وهو تطبيق ملاحي استحوذت عليه "جوجل"، ولديه خبرة تمتد لعشرة أعوام في سوق التنقل. وهو يجادل بأن رؤية "هير" في سوق التنقل تسمح لها بتحسين الخدمات، وتقليل حركة المرور، وكذلك التلوث. وبدلا من رفع مكاسب أي شركة، يمكنها ترشيد سوق النقل بالكامل.
على الرغم من رؤيتها المثيرة للاهتمام، ستواجه "هير" تحديات هائلة في التنسيق بين الحوافز ودمج شركات تزويد الخدمة وأنظمة الدفع التي تتعامل معها بسلاسة. وتقول "إنها متاحة لجميع شركات تزويد خدمات النقل - بما في ذلك "أوبر" و"ليفت" في حال أرادت التسجيل، وهو أمر مستبعد حدوثه – في مقابل الحصول على حصة صغيرة من أجرتهم التي يحصلون عليها".
يبدو أكثر احتمالا أن شركة هير ستواجه مقاومة شرسة من شركات نقل الركاب الراسخة التي تحظى بتأثير شبكة ضخم، وموارد بيانات ضخمة، وسهولة الوصول إلى رأس المال الرخيص. لا يهم ما إذا كانت "هير" ستنجح أو ستفشل في المخطط الكبير، إن جاز التعبير. ما يهم أكثر هو ما إذا كانت رؤيتها لسوق تنقل أكثر تكاملا ستصبح حقيقة واقعة، الأمر الذي يخفف من قبضة شركات نقل الركاب.
مثل هذه النتيجة قد تحمل مزيدا من الدروس العامة لأولئك القلقين بشأن هيمنة شركات التكنولوجيا العملاقة. قد تثبت تلك الشركات أنها منيعة بقدر ما يخشى نقادها. لكن قد تصبح نماذج أعمالها قديمة مع تقدم الابتكار.
كما كتب بينيديكت إيفانز، محلل التكنولوجيا لدى شركة رأس المال الاستثماري "أندرسن هورويتز"، الخنادق التي تحيط بالاحتكارات التكنولوجية نادرا ما يتم اختراقها. حافظت "آي بي إم" على هيمنتها في مجال أجهزة الكمبيوتر المركزية، مثلما فعلت "مايكروسوفت" مع أنظمة تشغيل الكمبيوتر الشخصي. لكن لا أحد يشعر بكثير من القلق بعد الآن، لأن الابتكار قد أعاد تعريف كلتا السوقين.
يقول إيفانز "الأمر لا يعني أن يتوصل شخص ما إلى كيفية عبور الخندق المحيط بالقلعة. المهم هو أن القلعة أصبحت غير ذات صلة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES