FINANCIAL TIMES

خلال 2019 .. هواجس فظيعة تخيم على بريطانيا

خلال 2019 .. هواجس فظيعة تخيم على بريطانيا

وفقا لاستطلاع رأي شارك فيه أكثر من 80، من الاقتصاديين البارزين، ستؤدي مشاعر اللبس إلى عرقلة الاستثمار من قبل الشركات في بريطانيا، وإلى خفض الإنفاق الاستهلاكي في 2019، ما يعوق النمو طويل الأجل، حتى لو نجحت بريطانيا في تجنب خروجها من الاتحاد الأوروبي بطريقة غير منظمة.

أفضل ما يمكن أن تتوقعه بريطانيا على مدار العام هو نمو فاتر يظل عند مستواه الحالي البالغ 1.5 في المائة، حتى لو تمتع الاقتصاد بانتعاش متواضع على خلفية اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، كما يشير الاستبيان السنوي لصحيفة "فاينانشيال تايمز" حول الاقتصاد البريطاني.
معظم الاقتصاديين الـ81 الذين استطلعت آراؤهم في الفترة ما بين 17 و21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لم يقدموا تنبؤا حازما بالنمو في العام المقبل، على الرغم من أنهم توقعوا في العام الماضي بشكل صحيح تباطؤا في النمو يصل إلى 1.5 في المائة في 2018.
وقال كثيرون إن تنبؤات 2019 مستحيلة بسبب عوامل اللبس "الشاملة" و"المزمنة" التي أصبحت "طريقة حياة" في بريطانيا، خاصة مع احتمالين لمغادرة بريطانيا: عدم وجود صفقة أو عدم خروج بريطانيا.
قالت ديان كويل، أستاذة السياسة العامة في جامعة كامبردج: "بالنظر إلى الفوضى السياسية. ستراوح الآفاق بين باهتة إلى كارثية، لكن من يدري؟"
وقالت نينا سكيرو، رئيسة قسم الاقتصاد الكلي في مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، إنه مهما كانت آثار الـــ"بريكست" على المدى الطويل، "في 2019، سيكون الـــ"بريكست" إما سيئا أو فظيعا بالنسبة للاقتصاد البريطاني".
توقع غالبية الذين غامروا بتقديم توقعات عددية نموا لا يزيد على 1.5 في المائة على مدار 2019، على خلفية تباطؤ التوسع الاقتصادي العالمي.
مع تحديد موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي المقرر في 29 آذار (مارس) المقبل، حذرت أقلية لا يستهان بها من أن الاقتصاد قد يتعثر أو يتقلص في الربع الأول من العام، إذا ما استمرت الحكومة في محادثات مغادرة بريطانيا حتى اللحظة الأخيرة، ما يدفع الشركات إلى تجميد الاستثمارات والمستهلكين إلى تأخير الإنفاق.
ذكرت غالبية المشاركين أنه على الرغم من استمرار نمو الأجور وانخفاض التضخم وتخفيف التقشف بشكل متواضع، إلا أن المستهلكين لن يشعروا بأنهم أفضل حالا بحلول نهاية 2019، مع سيطرة مشاعر القلق بشأن الأثر المحتمل للـــ"بريكست"على الوظائف وأسعار المنازل وأسواق الأسهم.
حتى قلة من الاقتصاديين الذين يرون أن مغادرة بريطانيا ستفيد الاقتصاد في نهاية المطاف، كانوا حذرين بشأن التوقعات على المدى القصير.
جيرارد ليونز، كبير الاستراتيجيين الاقتصاديين في شركة نتويلث لإدارة الثروات الذي ينادي "بخيار عدم الاتفاق على أن يُدار بشكل جيد"، قال إن الاقتصاد "يمكن أن يتوقف تماما بسهولة في الأشهر الأولى" من 2019، وإن الخطط يجب أن تكون جاهزة من أجل تحفيزين من السياسة النقدية والمالية العامة في الربع الثاني.
انقسم المستجيبون بشأن احتمالية أي حوافز جديدة من المالية العامة. كان من رأيهم أن بنك إنجلترا سيخفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد، إذا اختلت الأمور بالنسبة إلى للـــ"بريكست"، ولكن خلافا لذلك سيبقي على السياسة معلقة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق، ثم يرفع سعر الفائدة بربع نقطة.
إذا كان كبار الاقتصاديين البريطانيين يبدون متشائمين على الدوام، فذلك لأننا – على حد تعبير تشارلز جودهارت، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد "لا نعرف أي نوع من نتائج خروج بريطانيا سوف يخرج من الضباب". ونظرا لعدم الوضوح، فإن الأمر شبه المؤكد هو أن الشركات سوف تستعد للأسوأ.
قالت ريبيكا هاردينج، وهي اقتصادية مختصة في التجارة تدير شركة كوريوليس تكنولوجيز: "يتعين على اقتصاد بريطانيا الآن أن يستعد إلى تباطؤ شديد".
من المرجح أن يصبح الانحدار في استثمار الشركات، الذي نراه منذ الآن في البيانات الرسمية، أكثر حدة في الربع الأول من 2019، مع اقتراب الموعد المحدد لمغادرة بريطانيا، وذلك بحسب ما قاله كثير من المستجيبين.
قال رين نيوتن سميث، كبير الاقتصاديين في "سي بي آي" CBI، إن الشركات تضع خطط الطوارئ، وإن "المزيد من هذه الخطط سيتحول إلى واقع، مع فقدان الوظائف والاستثمارات في بريطانيا".
وقال بعض المشاركين إن الاقتصاد ربما يكون قد توقف بالفعل، حيث بدأت الشركات الصغيرة والأسر، وكذلك الشركات الأكبر حجما، في تعليق خططها قبل موعد الخروج في 29 آذار (مارس) المقبل.
ومع ذلك، قال آخرون إن الانخفاض في الاستثمار في الربع الأول سيقابله ارتفاع في الاستهلاك، حيث تخزن الشركات والأسر الإمدادات في حالة التعطيل عند الحدود.
وأضافت الأستاذة كويل: "أنا شخصيا أباشر التخزين".
إذا كانت هناك مغادرة سلسة نسبيا لبريطانيا، يتوقع معظم الذين شملهم الاستطلاع أن ينتعش النمو في وقت لاحق من هذا العام.
ومع ذلك، حذر عدد من المستجيبين من أن سياسة حافة الهاوية في الـــ"بريكست"ستؤدي إلى ضرر دائم بالاقتصاد، حيث أن استمرار مشاعر اللبس لفترة طويلة سيدفع الشركات إلى اتخاذ قرارات نهائية.
قالت ماريان بيل، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية التي تدير شركة ألفا إيكونوميكس الاستشارية: "يتم الآن إبلاغ الشركات للإعداد لــ "بريكست" بدون صفقة، فيما ينقل عدد متزايد من الشركات أعمالها إلى مناطق أخرى.
هذه القرارات قد لا تكون قابلة للانعكاس، حتى في حالة حدوث أفضل نتيجة ممكنة للاقتصاد، والتي ستكون البقاء في الاتحاد الأوروبي".
لاحظ كثير من المستجيبين أنه حتى لو تم تجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل غير منظم، فإن عوامل اللبس بشأن العلاقات التجارية المستقبلية لبريطانيا ستحد من إمكانية حدوث انتعاش، مع عدم إمكانية العودة إلى مستويات النمو السابقة على الاستفتاء، أو الأداء بمستوى شركاء بريطانيا التجاريين الرئيسين.
قال مارك جريجوري، كبير الاقتصاديين في "إرنست يونج" :EY "حتى إذا وقعنا اتفاقية انسحاب، لا أعتقد أن هذا سيطلق العنان لمجموعة من الاستثمارات لدى الشركات. بريطانيا تقترب بشكل عام وعلى أساس "الرعاية والصيانة" من الشركات متعددة الجنسيات".
مع استعداد الشركات للحذر، تتوقف آفاق النمو على استعداد المستهلكين للإنفاق. من الناحية النظرية، تعاني الأسر البريطانية من ضغوط أقل مما كانت عليه قبل عام، مع ارتفاع الدخول الحقيقية أخيرا، في الوقت الذي تعمل فيه سوق العمالة الشحيحة على ارتفاع الأجور، وتعمل أسعار النفط المتدنية على كبح التضخم.
ومع ذلك، أشار كثير من الاقتصاديين إلى أن ثقة المستهلكين تبدو هشة، وأشاروا إلى أن الناس يشعرون بالقلق من أن الـــ"بريكست"من شأنه أن يؤدي إلى فقدان الوظائف أو إلى الإضرار بأسعار المنازل.
وقال أكثر من النصف إن الأسر لن تشعر بحالة أفضل في نهاية 2019. ووصف أحدهم نمو الأجور الحقيقية بأنه "مليء بالأعشاب الضارة"، وقال كثيرون إن أي تغيير في مستويات المعيشة سيعتمد بدرجة أكبر على تأثير الـــ"بريكست"على الجنيه وأسعار الأصول.
آشوين كومار، كبير الاقتصاديين لدى مؤسسة جوزيف راونتري، يرى أن الأسر ذات الدخل المنخفض لن تشارك بحصة متساوية في نمو الأجور، حيث إن العائلات تواجه ضغطا في مدفوعات المنافع.
وافقه الرأي ديفيد مايلز، الأستاذ في كلية إمبريال حيث قال: "الارتفاع في الأجور الحقيقية، لنقل بنسبة تراوح بين1 في المائة و2 في المائة، لن يكون ملحوظا بالنسبة لمعظم الأسر". وقال كريس بيساريديس، من كلية لندن للاقتصاد، إن الآثار المترتبة على الـــ"بريكست"تعني "أنهم سيصبحون أسوأ حالا، حتى وإن كان هنالك مزيد من الأموال ضمن الأرصدة".
مشاركون آخرون يرون أن المستهلكين سيشعرون بأنهم أفضل حالا قليلا- لكنهم حذروا من أن هذا لن يعزز الاستهلاك، بالضرورة.
قال جاجيت شادها، مدير لدى المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إن مستويات الديون المرتفعة لدى الأسر تشير إلى أن بعض الناس يحافظون على الإنفاق "من خلال الاقتراض من مستقبل أكثر مالا"–وهم الآن عرضة لتسديد بعض الديون وليس المزيد من الإنفاق.
قدم المشاركون سلسلة من الآراء حول ما يمكن فعله لتعزيز الاقتصاد، حيث يرى البعض مجالا أكبر من الآخرين أمام صناع السياسة من أجل دعم النمو.
قال البروفيسور مايلز، عضو سابق في لجنة السياسة النقدية، إن "من غير المرجح نهائيا أن تتغير أسعار الفائدة بشكل كبير"، حيث إنه ليس هناك مجال يذكر أمام بنك إنجلترا لخفضها، فيما لو حصلت صدمة حادة.
قالت آنا بيتيفور، مديرة شبكة بحوث السياسة في الاقتصاد الكلي: "في حالة حصول "بريكست" فوضوي، سيعمل بنك إنجلترا على خفض أسعار الفائدة. مع ذلك، سيكون التأثير محدودا إن صاحب تخفيض الأسعار، سياسة توسعية في المالية العامة".
انقسمت الآراء بشأن احتمال التخفيف من المالية العامة. نحو نصف المشاركين قال إن الحكومة لن ترتقي إلى مستوى وعدها "بإنهاء التقشف" في 2019، بإجراءات إنفاق أُعلِن عنها في ميزانية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. جادل البعض بأن فيليب هاموند، وزير المالية لن يكون بوسعه أن يفعل المزيد دون مخالفة قواعده في المالية العامة.
عدد مماثل يرى أن تخفيف التقشف هو الآن مطلب سياسي أساسي، بصرف النظر عن الـــ"بريكست". وقال هوارد ديفيس، رئيس رويال بنك أوف اسكتلاند: "الحكومة ليست قوية بما فيه الكفاية لمقاومة الضغط لأجل تشحيم العجلات التي تحدث الصرير".
أشار كثير من الاقتصاديين إلى أن الـــ"بريكست" يمنع بريطانيا من التصدي للقضايا الأرحب، مثل الاستثمار المتدني المزمن، وضعف الإنتاجية، والخدمات العامة المتهالكة، والمستويات "المخزية" من الحرمان.
قال كونستانتينوس فينيتيس، من الشركة الاستشارية تي إس لومبارد: " الصورة الكبيرة تظهر اقتصادا يتحول من توزان ذي نمو منخفض، يتسم بنقص في الطلب المحلي. إن عدم الاستقرار السياسي من شأنه أن يجعل الأمور أسوأ، فحسب".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES