FINANCIAL TIMES

اليوجا .. نشاط تأملي يسعى لسد فجوة في الطب النفسي

اليوجا .. نشاط تأملي يسعى لسد فجوة في الطب النفسي

أثناء جلوسي في مختبر المعهد الوطني للصحة العقلية وعلوم الأعصاب في بنجالور في الهند، مع غطاء مطاطي ضيق على رأسي، كانت أجهزة إرسال واستقبال الضوء تحت الأشعة الحمراء تقيس معدل الأكسجين في دماغي. ومن أجل العلم، أنا أُرنّم "أوم" – وفقا لمعتقد هندوسي قديم – في الوقت الذي تظهر فيه شاشة كمبيوتر مستويات النشاط داخل الدماغ.
تم تصميم الاختبار ليظهر لي كيف يؤثر الترنيم – وهو جزء أساسي من اليوجا الهندية التقليدية – في الدماغ الأمامي، مركز التفكير العقلاني. المعهد "المعروف باسم نيمهانس" أمضى أعواما في البحث في هذا المجال، في محاولة لتحديد ما إذا كانت ممارسات اليوجا والتأمل مفيدة بشكل واضح للصحة العقلية.
على الرغم من أنني أعيش في الهند منذ عشرة أعوام، إلا أن لدي خبرة قليلة في اليوجا وأشعر بالخجل وأنا آخذ نفسا عميقا وأطلقه ببطء مع كلمة "أوم" طويلة. على الفور، الدكتور هيمانت بهارجاف، الطبيب ومختص اليوجا، يصحح ترنيمي. يقول "ينبغي ترنيم أوووو لمدة خمس ثوان وممممممم لعشر ثوان". على الشاشة، نستطيع رؤية مستوى الأكسجين في الدم في دماغي – وبالتالي النشاط – ينخفض أثناء الترنيم، ومن ثم يرتفع عندما أتوقف. استنتاج بهارجاف هو: عندما أُرنّم عقلي يكون أكثر راحة مما هو وأنا صامتة.
تفسيرات مشابهة جاءت من دراسة أجراها معهد نيمهانس قبل عدة أعوام، حين تناوب متطوعون أصحاء بين ترنيم "أوم" وإطلاق صوت حاد "باعتباره نشاط التحكم" داخل آلة التصوير بالرنين المغناطيسي. لاحظ الباحثون أن المنطقة الحوفية في الدماغ – الجزء من العقل الذي يسيطر على المشاعر الأساسية والاستجابات الغريزية – قد تم تعطيلها عندما ردد الأشخاص "أوم".
فعالية مثل هذه الممارسات مهمة في سياق عبء الصحة العقلية في الهند والنقص الحاد في العاملين في مجال الصحة العقلية. دراسة أخرى أجراها المعهد قدرت في عام 2016 أن 150 مليون هندي – 10.7 في المائة من السكان – يعانون حالة من الحالات المرتبطة بالصحة العقلية. "علاج مشكلات الكلام" لا يلقى قبولا كذلك في المجتمع الهندي التقليدي.
يقول الطبيب النفسي الدكتور شيفاراما فارامبالي، مدير مركز اليوجا التابع لمعهد نيمهانس، الذي بدأ قبل عشرة أعوام "معظم الأطباء النفسيين ببساطة ليس لديهم الوقت الكافي لفعل أي شيء آخر غير كتابة الوصفات الدوائية. فجوة العلاج ضخمة جدا. لكن هناك عددا كبيرا جدا من معالجي اليوجا في الهند. إذا كان بإمكان اليوجا ملء هذه الفجوة، فسيكون ذلك أمرا رائعا".
تم وصف اليوجا أول مرة في نص قديم باللغة السنسكريتية، Yoga Sutras of Patanjali، يعتقد أنه يعود إلى القرن الرابع تقريبا. في 196 قولا مأثورا، يحدد الحكيم باتانجالي مسارا لتأديب العقل البشري. وصفته هي الانفصال عن المنبهات الخارجية وتحويل العقل إلى الداخل. مجموعة الوضعيات "أساناس" وأساليب التنفس "براناياما" المعروفة بها اليوجا الآن تم ابتكارها في وقت لاحق لمساعدة الممارسين في الوصول إلى حالة التأمل السامية التي سماها باتانجالي "سامادهي".
يقول بهارجاف "وعينا في معظم الأوقات يتحرك إلى الخارج. لكن تحريك الوعي إلى الداخل حظي بكثير من القيمة في الفلسفة الشرقية. بشكل أساسي، وفقا لليوجا، المرض العقلي هو خلل في حركة الوعي إلى الداخل وإلى الخارج".
الدكتور بي إن جانجادهار، مدير معهد نيمهانس، بدأ بإجراء أبحاث حول تأثير اليوجا في مرضى الصحة العقلية في منتصف التسعينيات، بعد لقاء مع المعلم الروحي، سري سري رافي شانكار، زميله السابق في المدرسة. وكان المعلم قد طور ممارسة سماها "سودارشان كريا"، النسخة الخاصة به من أساليب التنفس "براناياما" لليوجا. وحث جانجادهار على دراسة ما إذا كان من الممكن أن تساعد مرضى معهد نيمهانس.
شرع جانجادهار في دراسة تأثير ممارسة "سودارشان كريا" في 45 شخصا يعانون اكتئابا خفيفا لكنه مزمنا. درس أيضا مرضى تم إدخالهم إلى المستشفى بسبب اكتئاب حاد، بعضهم بدأ بجلسات لمدة 40 دقيقة من "سودارشان كريا" ثلاث مرات في الأسبوع، وبعضهم تلقى تدخلات طبية عادية.
في كلتا الدراستين، ممارسة "سودارشان كريا" قللت من مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر الذي يمكن أن يتسبب في الاكتئاب. قال أثناء تناول الشاي في حرم معهد نيمهانس مترامي الأطراف، وهو مجموعة من المباني منخفضة الارتفاع وسط مساحات خضراء خصبة "الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب تحسنوا. ممارسة اليوجا كانت على الأقل جيدة بقدر الأدوية. لقد أنتجت فوائد كبيرة".
مع ذلك، يعترف جانجادهار بأنه لم يستطع بشكل قاطع فصل الفائدة النفسية لممارسة "سودارشان كريا" عن التأثير الوهمي المحتمل – أو بالأحرى "تأثير المعلم" – لمبتكرها الشهير. قال "يوجد عنصر من تأثير الإيحاء. من الناحية النظرية، من الممكن أن يفكر المريض (بما أن فلانا وفلانا يروجان لها، سأتحسن)".
لاختبار الفرضية أكثر، درس جانجادهار آثار اليوجا الأكثر شمولا. طور هو وفريقه البحثي "مجموعات" من وضعيات "أساناس" اليوجا التي تم اختبارها في ذلك الحين على مرضى يعانون انفصام الشخصية، والاكتئاب، وفقدان الذاكرة، واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وإدمان الكحول، واضطراب الوسواس القهري، والألم غير المبرر.
بشكل عام، قال "إن ممارسة اليوجا بانتظام أدت إلى تحسينات واضحة في حالات المرضى. فهي لا تعمل فقط على تخفيض الكورتيزول، لكنها أيضا تزيد مستويات العوامل العصبية المشتقة من الدماغ – البروتينات الحيوية للتعلم، والذاكرة طويلة الأمد، وإصلاح الأضرار". قال أيضا "إن اليوجا تزيد من مستويات أوكسيتوسين، ما يُسمى "هرمون الحب"، وتُحسّن التفاعل الاجتماعي". بإمكان ممارسة الرياضة تحفيز تغييرات كيماوية مماثلة في الدماغ. لكن دراسة أجراها معهد نيمهانس في عام 2012 على 120 مريضا مصابا بمرض انفصام الشخصية وجدت أن تأثير اليوجا في الأعراض السلبية كان أقوى بكثير من أشكال أخرى من ممارسة الرياضة، مثل التمارين المصممة لتعزيز اللياقة العامة، في الفترة الزمنية نفسها.
ما يميز اليوجا هو كيف يتم تعليم الممارسين التركيز على أجسادهم أثناء تحركها في الوضعيات المختلفة، وتثبيتها، والتنفس. بحسب جانجادهار "تتم ممارسة كل هذا من قِبل شخص كامل الذهن. الأمر ليس مجرد اتخاذ الوضعيات والاستماع إلى سماعات الموسيقى. عليهم استخدام العقل".
اليوجا الآن جزء منتظم من برامج العلاج في مستشفى المعهد. هذا العام، لأول مرة، سيضيف مركز اليوجا دورة لمدة أسبوع تهدف إلى تعريف الأطباء، والاختصاصيين النفسيين، والاختصاصيين الاجتماعيين بأبحاثه. لكن الرأي منقسم حول مزايا اليوجا بوصفها علاجا. يقول فارامبالي "هناك انقسام في مهنة الطب. بعض الأطباء يمارسون اليوجا وبدأوا يؤمنون بها هم أنفسهم، لكن مجموعة أخرى تعترض على الفكرة بأكملها، قائلة إنها تقلل من أهمية مهنة الطب". مع ذلك، حصل فارامبالي على منحة من صندوق ويلكوم في المملكة المتحدة ومن الحكومة الهندية لفهم الآليات الجسدية التي تستطيع اليوجا من خلالها مساعدة المرضى الذين يعانون انفصام الشخصية.
الباحثون في معهد نيمهانس ليسوا وحدهم من يهتم بالأمر. ريتشارد ديفيدسون، مدير مركز العقول الصحية في جامعة وسكونسن، يدرس الرهبان البوذيين في التبت لفهم كيف يؤثر التأمل طويل المدى في الدماغ. كذلك سات بير سينج خالسا، الأستاذ في كلية الطلب في جامعة هارفارد، درس تأثير اليوجا في حالات مثل الأرق والقلق والإجهاد.
جانجادهار يعتبر أن هذه الجهود الدولية مهمة تماما في المساعي الرامية إلى فك مغاليق أسرار العقل. قال "نحن مثل العميان الذين يتحسسون فيلا. ربما أحدهم يتلمس الأذن، وربما آخر ناب الفيل، وثالث يلمس الذيل. نحن نبدأ الآن في الحصول على الفهم، لكن الدماغ لا يزال لغزا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES