أخبار اقتصادية- عالمية

أزمة بقاء تواجه شركات النقل البحري العالمية .. لم تستفد من تراجعات النفط

أزمة بقاء تواجه شركات النقل البحري العالمية .. لم تستفد من تراجعات النفط

مع بداية كل عام تتساءل أغلب القطاعات الصناعية عن طبيعة التحديات التي ستواجهها خلال العام الجديد، وتتطرق التساؤلات عادة إلى توقعات الربح والخسارة التي قد تتعرض لها، ولم تبتعد صناعة الشحن البحري كثيرا عن هذا المنوال، ولا سيما مع التوقعات التي تؤكد أن عوائد صناعة الشحن البحري ستصل إلى210 مليارات ريال بحلول 2021.

ويطرح هذا العام تحديدا تساؤلات في خضم شعور يجتاح أقطاب الصناعة التي تعتبر عصب التجارة الدولية، بأن القادم من الأيام يحمل كثيرا من الصعاب، فيما يسود شعور بين الشركات، أقل ما يوصف بعدم الارتياح بشأن ما يحدث في الأسواق، حيث لا يعود الأمر إلى المنافسة التي يشهدها القطاع فحسب، ولكن لأن القطاع شديد التأثر بمعدلات نمو الاقتصاد الدولي وتحديدا التجارة العالمية.
والأنباء الخاصة بتوافر مزيد من الحرية التجارية، تعد رسالة إيجابية لشركات الشحن البحري ومؤشرا على ارتفاع معدلات الأرباح ونموها، وقدرتها على التوظيف في تصاعد، والعكس صحيح بطبيعة الحال.
وفي ظل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتوقعات بتراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وانخفاض نسب التجارة الدولية، تقف شركات الشحن البحري في وجه المدفع لتتلقى الطلقة الأولى في تلك المعركة، وربما تتعرض أيضا لأكبر قدر من النزيف والخسائر بين مختلف القطاعات الاقتصادية.
وفي الواقع فإن الحرب التجارية وعلى الرغم من أهميتها في التأثير في صناعة الشحن البحري، لا تعد العامل الوحيد المؤثر فيها، فمخاطر الفوضى التنظيمية، وقضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عدمه، وما يثار حول تلك القضية من لغط، وتنامي السياسات الشعبوية يدفع كثيرا من الحكومات إلى الانحياز إلى شركاتها المحلية أيا كان معدل كفاءتها.
ويؤثر ذلك في فرص قوى العرض والطلب التي تقود الأسواق إلى الاتجاه الأمثل، وكذلك القضايا المتعلقة بتطوير الموانئ وتحديثها، بل والقضايا الدولية المتعلقة بالتلوث والاحترار المناخي، والحد من الانبعاثات الغازية، والابتكارات التكنولوجيا لخفض تكلفة الوقود المستخدم، كلها عوامل يجب أخذها في الاعتبار عند النظر إلى التحديات التي ستواجه هذا القطاع الاقتصادي الحيوي.
وتقول هيلي اريك رئيسة قسم الشحن البحري في شركة ك جي للوجستيات لـ"الاقتصادية :"نرى بعض السحب العاصفة في الأفق لبعض أنماط الشحن المحددة، فالمخاوف المتعلقة بدخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود، والحرب التجارية مع الصين تلقي بظلال من عدم اليقين على الكثير من التجارة الخارجية الأمريكية، وتكبح بعض المجالات الرئيسة في مجال الشحن البحري مثل الصادرات الزراعية".
وتضيف أن المشكلة تكمن في أن هذا التراجع يترافق مع تخمة في حجم أسطول الشحن العالمي من السفن، وتلك التخمة ترافقت مع عدم تحقيق مساعي التعاون بين شركات الشحن لتحقيق المستوى الأمثل من التشغيل، ولهذا لم تشهد الصناعة نجاحا جوهريا يؤثر في مسارها ، يضاف إلى ذلك قضية مستويات الانبعاث الغازية من ناقلات المحيطات، وما تشكله تلك القضية من ضغط على شركات الشحن لتطوير ناقلاتها، يعني رفع التكلفة الإجمالية وسط ترجيحات كبيرة بانخفاض العوائد.
ويقدر المجلس العالمي للشحن البحري نسبة السلع التي تشحن بحرا بنحو 90 في المائة من إجمالي السلع التي يتم شحنها عالميا، و70 في المائة من تلك السلع تقريبا يتم شحنها في حاويات، حيث تبلغ القيمة الإجمالية لها نحو أربعة ترليونات دولار أمريكي سنويا، وفي السنوات الثلاث الماضية بلغ المتوسط السنوي للحاويات التي تسقط في عرض البحر 1390 حاوية.
ومن المتوقع أن يبلغ العائد الإجمالي لصناعة الشحن البحري 210 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2021.
وبشأن إمكانية إفلاس عديد من شركات الشحن البحري خلال هذا العام، يعلق المحلل مارك ميلر من شركة دروري لاستشارات السفن بالقول: "كثير من الشركات استثمرت بشكل مكثف في مجال سفن الشحن العملاقة، لكنها لم تفلح في الاستفادة من مزايا الحجم أو من تراجع أسعار النفط، ويتوقع أن تشهد أكبر 15 شركة شحن عالمية تراجعا في إجمالي عوائدها بما يراوح بين 3 و 5 في المائة هذا العام".
وإذا كانت تكلفة الشحن في تراجع فإنها ربما تكون في صالح المستهلك النهائي، لكنها بالتأكيد تراجعات سعرية لا تصب في مصلحة شركات الشحن البحري، وهو ما قد يدفع كثيرا من المستثمرين إلى إعادة النظر في جدوى الاستثمار في عمليات تطوير أساطيل النقل البحري مستقبلا.
ويتخوف بعض الخبراء من أن يعاني عديد من شركات الشحن البحري خاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم مصاعب مالية تدفعها إلى إعلان إفلاسها، ويعلق ميرك ريتشارد من اتحاد الشحن البريطاني قائلا: "بطبيعة الحال، أصبحت التكاليف الآن أقل لكل وحدة مما كانت عليه في السابق، ولكن هذا لم يحدث فرقا كبيرا، فتراجع التجارة العالمية يعني أن القليل من الشركات يمكنها أن تملأ سفنها".
وأضاف:"الشيء المهم هو أن الزيادة في العرض، وأعني زيادة القدرة الإجمالية للشحن البحري بالنسبة للطلب، قد أدت إلى مزيد من الضغوط الهبوطية على الأسعار، ما أجبر عديدا من الشركات على العمل دون مستوى التكلفة، وهذا يؤدي إلى تآكل الثقة بالصناعة ويبطئ من إمكانية الانتعاش إلى حد كبير".
ويدفع هذا الوضع بعدد من المختصين إلى الدعوة لإعادة تنظيم المفاهيم الأساسية في الصناعة، ومن أبرزها ضرورة كبح شهية شركات النقل البحري للسفن الجديدة شديدة الضخامة، فالصناعة ليست في حاجة إلى مزيد من السفن بقدر حاجتها إلى مزيد من الكفاءة.
أما هيلي اريك رئيسة قسم الشحن البحري في شركة ك جي للوجستيات فتقول:"الطاقة الفائضة مشكلة ذاتية في الصناعة، والقضية تنبع من دافع الشركات إلى التسابق نحو القمة، عبر تنمية أساطيلها إلى أحجام غير مستدامة، وبسرعة كبيرة لا تحتملها الأسواق، والمشكلة أن هذا لا يضر الشركة فحسب بل يضر شبكة الإمدادات على مستوى الصناعة ككل".
وفي هذا السياق ترى أن على الشركات أن تعتبر التراجع المحتمل للعوائد فرصة للتركيز على عدد أصغر من السفن ولكن بطريقة منطقية، لخفض التكاليف الزائدة ، فعدد أقل من السفن يعني عدد أقل من صانعي القرار، والنتيجة تقليص القدرات الفائضة والوقود المهدر ومن ثم خفض التكليف كخطوة أولى على طريق زيادة الأرباح.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية