FINANCIAL TIMES

قيمة المساهمين تتراجع أمام أصحاب المصالح الآخرين

قيمة المساهمين تتراجع أمام أصحاب المصالح الآخرين

العام الماضي لم يكن عاما عظيما للمدافعين عن قيمة المساهمين، أو على الأقل النسخة الإنجليزية منه، التي انحنت أمام المقاييس المالية الضيقة لأداء الشركات.
في الولايات المتحدة كانت الهندسة المالية هي الشغل الشاغل للرؤساء التنفيذيين الذين تشجعوا من الإعفاء الضريبي لمرة واحدة، لإعادة الأموال من البلدان الأجنبية من أجل الانخراط في عمليات إعادة شراء أسهم قياسية. تدمير القيمة كان لا يستهان به، خاصة بين شركات التكنولوجيا الغنية أصلا بالسيولة. بالطبع، عمليات إعادة الشراء ستزيد الأرباح لكل سهم، لكن بدون أي تحسين في الأداء التشغيلي. وبمستويات أسعار الأسهم المتدنية اليوم، تكلفة الفرصة تستحق التفكير بشأنها.
في المملكة المتحدة، المساهمون المؤسسيون فشلوا في إيقاف سلسلة من المكافآت الفاضحة في مجالس الإدارة، ما أدى إلى تغذية المشاعر المناهضة للشركات والمناهضة للمؤسسة السياسية أيضا، وهي المشاعر التي تتغذى عليها السياسة الشعبوية. في الوقت نفسه، تبين أن النظرة قصيرة المدى توجد في قلب مشكلات "كاريليون"، المجموعة الفاشلة المختصة في التعاقد مع مصادر خارجية.
ثم كانت هناك "جنرال إلكتريك"، التي تراجعت بسبب استحواذها على أعمال الطاقة في شركة ألستوم، التي تسببت أخيرا في شطب 23 مليار دولار من قيمة الشركة الصناعية العملاقة، المبجلة سابقا. كانت "جنرال إلكتريك" تجسيدا لفكرة الشركة باعتبارها محفظة أعمال يجري تعديلها وتكييفها إلى ما لا نهاية في إطار السعي الدؤوب إلى تحقيق الأرباح. أثناء ذلك، بدا على رؤساء "جنرال إلكتريك" أنهم كانوا يهتمون بالتشويق وجذب الانتباه في أسواق رأس المال قبل عملية تحسين الأعمال الأساسية.
في الواقع، "جنرال إلكتريك" هي تجسيد شبه مثالي للاختلال الذي أصاب حوكمة الشركات في العالم المتحدث باللغة الإنجليزية الذي تسود فيه أهمية المساهمين. عندما كانت الشركة تحت رئاسة توماس إديسون في أوج مجدها الابتكاري في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كان المدير والمالك هما الشخص نفسه. حقوق السيطرة في الشركة في ذلك الوقت كانت في أيدي المساهمين الذين كان ينظر إليهم على أنهم حمَلة الخطر الأكبر وبالتالي يحق لهم الحصول على الأرباح المتبقية بعد تلبية مطالبات أصحاب المصالح الآخرين – الزبائن والموظفين والدائنين والسلطات الضريبية. في عالم كان رأس المال فيه نادرا والعمالة وفيرة، كان ذلك منطقيا.
لكن في الوقت الذي توسعت فيه قاعدة المساهمين، تبعثرت الملكية، ما أدى إلى الفصل بين الملكية والسيطرة الذي حدده كل من أدولف بيرل وجاردنر مينز في الثلاثينيات. أوين يونج، الرئيس التنفيذي لـ "جنرال إلكتريك" خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، أعلن أن "أصحاب المصالح مقيدون بحد أقصى من العائد يعادل علاوة المخاطر. الأرباح المتبقية تبقى في الشركة، أو تدفع على شكل أجور أعلى، أو أن يتم تمريرها إلى الزبون". هذا، في الواقع، كان شكلا من أشكال الإدارة القائمة على أصحاب المصالح وقد بقي حيا بشكل جيد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ثم في الثمانينيات، جاءت ثورة قيمة المساهمين ومعها جاك ويلش، رئيس مجلس إدارة "جنرال إلكتريك" ورئيسها التنفيذي من عام 1981 حتى عام 2001. المد الفكري بين مختصي الاقتصاد الأكاديميين كان نحو تعظيم الأرباح باعتباره السبب الحصري لوجود الشركة. في الوقت نفسه تطورت سوق السيطرة على الشركات – عمليات الاندماج والاستحواذ – إلى جانب الأجر المرتبط بالأداء. تحت تأثير مايكل جينسن، من جامعة هارفارد، أصبح الدفع للرؤساء التنفيذين بالأسهم أمرا رائجا باعتباره وسيلة لتحقيق الانسجام بين مصالح المديرين ومصالح المساهمين. في عهد ويلش، كانت "جنرال إلكتريك" تستمد أكثر من 40 في المائة من أرباحها من شركة مالية تابعة هي جنرال إلكتريك كابيتال. لكن الذي تبين هو أن "جنرال إلكتريك كابيتال" كانت مقتل المجموعة. لأنها كانت تعتمد بشكل مفرط على تمويل المبيعات بالجملة على المدى القصير، اضطرت "جنرال إلكتريك" في عهد جيف إيميلت، خليفة ويلش، إلى اللجوء إلى الاحتياطي الفيدرالي في عام 2008 للحصول على أموال لإنقاذ الشركة التابعة المتعثرة. الشركات الصناعية بشكل أعمّ وجدت في الأزمة المالية أن إدارة ميزانية عمومية "ذات كفاءة" من حيث المالية العامة ومن حيث الميزانية العمومية كانت تنطوي على ما يؤدي إلى الهلاك.
في الوقت نفسه، المقاييس التي كانت تستخدم للأجر المرتبط بالأداء، مثل الأرباح لكل سهم أو إجمالي عوائد المساهمين، ثبت أن من السهل التلاعب بها، خاصة من خلال اللجوء إلى عمليات إعادة الشراء. وكانت أيضا بمنزلة حافز على المدى القصير. أظهرت الأبحاث أن الاستثمار يكون أعلى بشكل ثابت وكبير في الشركات الخاصة وليس الشركات العامة المتطابقة على نطاق واسع فيما يتعلق بدورة المبيعات أو الأرباح. العيب الأكبر في أنموذج أولوية المساهمين هو أن المساهمين لم يعودوا متخذي المخاطر المتبقين في الشركة. الإفلاس ليس تهديدا كبيرا بالنسبة إلى المستثمرين المؤسسيين الذين يديرون محافظ ضخمة ومتنوعة. يتعرض الموظفون لخطر أكبر بكثير، خاصة حين تكون مهاراتهم مختصة بطبيعة الشركة. الموردون، بالمثل، غالبا ما يكونون عرضة لخطر أكبر من المساهمين.
إذن، ليس من المستغرب أن تكون هناك موجة صاعدة على الأقل في المملكة المتحدة لمصلحة إزاحة المساهمين عن العرش وإعادة تعريف الواجبات القانونية لأعضاء مجلس الإدارة تجاه أصحاب المصالح الآخرين. كذلك يضع المستثمرون تركيزا أكبر على العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة في أداء الشركات. العقبات أمام نظام أكثر ملاءمة لأصحاب المصالح تتمثل في قوى الضغط في الشركات وعدم توافق قيم أصحاب المصالح مع نظام استحواذ عدائي. لتحسين حوكمة الشركات، المزيج الذي يجمع بين نشاط المساهمين المستنيرين وأجندة إشراف المساهمين في الشركات يبقى أفضل أمل في الوقت الحالي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES