FINANCIAL TIMES

سؤال مُلح.. السوق في حالة تصحيح أم تراجع طويل الأمد؟

سؤال مُلح.. السوق في حالة تصحيح أم تراجع طويل الأمد؟

محاولة التنبؤ بالأسواق مهمة محفوفة بالمخاطر في أحسن الأحوال. وهذا بالتأكيد ما يحدث الآن، نظرا لحالة الصداع الشديد الذي تعانيه صناديق الاستثمار بعد معاناة تعرضت لها السندات والأسهم في عام 2018، وهما الركيزتان الأساسيتان للمحافظ الاستثمارية.
في هذه المرحلة من الدورة الاقتصادية التي تقدمت في العمر، لدى المستثمرين سبب وجيه للشعور بالقلق وهم يحاولون تحديد ما إذا كان التراجع الحاد في أسواق الأسهم والسندات يمثل عملية تصحيح نهائية في هذه الدورة أم أنه بداية لتراجع سيطول أمده؟. لم يسبق أن بدأنا عاما جديدا ونحن نعاني مثل هذا المزاج الكئيب منذ مطلع 2009 وقبل ذلك في عام 1999.
هناك تطوران مهمان في أسواق الولايات المتحدة يفسران المعضلة التي يواجهها المستثمرون. المسيرة المؤلمة التي شهدتها وول ستريت تعني أن مضاعف الأرباح للشركات المدرجة على مؤشر إس آند بي 500 انخفض بشكل حاد بعد الذروة التي وصل إليها في أواخر عام 2017، وعادة ما يكون هذا بمنزلة مؤشر للعائدات القوية التي ستتحقق خلال العام التالي. أية مفاجآت إيجابية في البيانات الاقتصادية وأرباح الشركات سترفع من المعنويات جنبا إلى جنب مع انخفاض أسعار النفط.
لكن ثمة أمرا يلقي بظلال كثيفة منذ وقت طويل وهو منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية الذي بدأ في الانقلاب -إجمالي العائدات على السندات لأجل 12 شهرا هو الآن أعلى من إجمالي عائدات جميع سندات الخزانة الأطول أجلا حتى سبع سنوات. وهذا عادة ما يكون إشارة إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" يعمل على تشديد السياسة النقدية بشكل زاد كثيرا عن الحد وأن الركود يلوح في الأفق.
في الوقت الذي تتكشف فيه لعبة المخاوف والتردد في السوق بين الأسهم والسندات الحكومية، كثير من توقعات الاقتصاد الكلي الصادرة لعام 2019 مليئة بالثقة بأن الاقتصاد العالمي سوف يبقى بالتأكيد في وضع التوسع، وإن كان ذلك بشكل أبطأ مما كان عليه في عام 2018. الرأي السائد هو أن مخاطر الركود تبدو منخفضة، لذلك ينبغي لبوادر الانكماش المثيرة للقلق في كل من اليابان وأوروبا أن تعكس مسارها.
تضافر الحوافز المقدمة من بكين، التي من شأنها أن تكون مفيدة للاقتصادات المذكورة، إضافة إلى الأسواق الناشئة، هي على قائمة أماني المستثمرين التي تشمل تخفيف التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة والأهم من ذلك كله، إيقاف "الاحتياطي الفيدرالي" سياسة التشديد النقدي. جاي باول، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، شدد يوم الجمعة على أن البنك المركزي سيتحلى بالصبر في تقييم الاقتصاد.
قائمة الأماني المذكورة ليست غير معقولة بالنسبة لعام 2019. في الواقع البداية القاتمة الأسبوع الماضي تزيد من احتمال الوصول إلى مثل هذه النتيجة. تراجع أسعار الأسهم، مع التحذير الصادر عن شركة أبل الأسبوع الماضي بشأن الإيرادات، الذي هو جزئيا دلالة على ضعف الطلب من الصين، يعد أمرا لا ترغب واشنطن ولا بكين في أن ترى مزيدا منه. بالنسبة للبنك المركزي، هناك تأييد لاحتمال التوقف المؤقت، لأن تداول علاوة المخاطر على السندات الأمريكية يتم الآن عند أعلى مستوى منذ عامين، ويتم تداول الأسهم بمستوى أقل بكثير من المستويات التي وصلت عنان السماء، والتي تسببت في ترويض بعض التجاوزات المالية.
ما إذا كانت تلك العوامل المساعدة قادرة على إيقاف نزيف المعنويات الاستثمارية الهابطة يمكن أن يتبين فيما بعد أنه المفاجأة الكبرى بالنسبة للأسواق والمستثمرين هذا العام.
دعونا لا ننسى أن البنوك المركزية تعمل الآن على سحب دعمها، وهذا أمر لا يملك دخول سنة جديدة أن يغير فيه شيئا. احتمال أن يكون هناك مزيد من تقليص الرفع المالي من جانب المستثمرين يلقي بظلال كثيفة، وهذا يحدث في الوقت الذي تعمل فيه الأسواق المالية على تذكير الجميع بأهميتهم بعد عقد من المال الرخيص.
على المستثمرين أيضا الأخذ في الحسبان أن الضربات التي تلقتها المحافظ الاستثمارية على مدى الـ 12 شهرا الماضية بدأت بالرشح داخل الاقتصاد الأوسع، ما أدى إلى استنزاف ثقة الشركات والمستهلكين، كما برز بشكل واضح في بيانات الأسبوع الماضي التي أظهرت أن قطاع التصنيع الأمريكي شهد في كانون الأول (ديسمبر) نشاطا أضعف بكثير مما كان متوقعا. خفت حدة هذا الخوف نوعا ما بسبب تقرير الوظائف الأمريكي الصادر يوم الجمعة الذي كان أقوى بكثير مما كان متوقعا، مؤكدا على المهمة التي تحتاج إلى حذق ومهارة التي يواجهها المستثمرون و"الاحتياطي اليفدرالي".
ما يبرز أهمية أسواق الأصول بالنسبة للاقتصاد الأمريكي هو حقيقة أن مستوى إجمالي الأصول المالية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى مستوى قياسي. وبحسب جوي لافورنيا، من ناتيكسيس: "قبل كل دورة من دورتي الركود الأخيرتين، وصلت هذه النسبة إلى الذروة وانخفضت تماما قبل مستهل الركود".
ثمة مقياس آخر مثير للاهتمام يأتي من خلال دراسة شركة ميلر تاباك لإدارة الأصول لديون الشركات غير المالية، وهي في رأيهم مقياس "انخفض على نحو لا يستهان به" منذ الربع الثاني من العام الماضي. ويرون أن هذا الانخفاض ليس دلالة فقط على ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، محذرين من أن "تراجع الاستثمارات من قبل الشركات عادة ما يكون نذيرا بانخفاض استهلاك الأسر في الوقت الذي تتراجع فيه الظروف الاقتصادية".
رغم كل الاحتمالات بحدوث فترة استراحة من ضغوط السوق في وقت ما من هذا العام، ينبغي أن يدرك المستثمرون أن هذا يمثل على الأرجح فرصة تداول محدودة. الطريقة التي تكشف بها كانون الأول (ديسمبر) تعزز هذا الحذر، مع وصول "تداولات الخوف" في السوق قبل موعدها بـ 12 شهرا على الأقل بالنسبة للكثيرين الذين يرون أن مخاطر الركود أكبر في عام 2020 وليس في عام 2019.
رغم كل الذين ينادون بأننا نمر حاليا بتصحيح في وقت متأخر من الدورة، إلا أن الرسالة الواضحة من السوق هي أن الوقت قد بدأ ينفد بالنسبة لهذه الدورة. وهناك درس تاريخي مثير للقلق من أوائل عام 2001 وأواخر عام 2007، هو أنه حتى حين تبدأ البنوك المركزية في تسهيل السياسة النقدية، فإنها لا تستطيع أن تكبح جماح الأسواق الهابطة الوحشية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES