السياسية

ديمقراطية جديدة في أمريكا .. «أكثر أخلاقية وقابلة للمساءلة»

ديمقراطية جديدة في أمريكا .. «أكثر أخلاقية وقابلة للمساءلة»

في الانتخابات النصفية الأمريكية التي جرت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعرب الناخبون بشكل واضح عن مخاوفهم وعن القيم التي يعتزون بها. لم تكن الانتخابات النصفية هذه الأغلى في تاريخ الولايات المتحدة فحسب - بسبب مكاسب غير مسبوقة لجمع التبرعات من قبل المرشحين الديمقراطيين - فقد كان الإقبال على التصويت هو الأعلى في انتخابات التجديد النصفي منذ 50 عاما، ما زاد الإقبال على الانتخابات الرئاسية.
وقد حصل الديمقراطيون، بفضل الزيادة الكبيرة في جمع الأموال والإقبال على التصويت، على 40 مقعدا واستعادوا السيطرة على مجلس النواب، وتعرض الجمهوريون لأكبر خسائر منتصف المدة منذ عام 1974 بعد ثلاثة أشهر من استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون. الجدير بالذكر أن نسبة الإقبال على التصويت في أمريكا اللاتينية ارتفعت بشكل ملحوظ، وسيكون هناك الآن عدد قياسي من أعضاء الكونجرس من أصل لاتيني وعددهم 42 عضوا. كما كان عاما تاريخيا للمرشحات، حيث أدت 80 امرأة اليمين ليصبحن عضوات في مجلس النواب وينضممن إلى 20 امرأة في مجلس الشيوخ وهو رقم قياسي لعدد النساء في المجلسين اللذين هيمن عليهما الرجال؛ وبذلك سيضم الكونجرس الأمريكي الجديد 126 امرأة بين أعضائه البالغ عددهم 535 - وهي أكبر نسبة على الإطلاق.
من الواضح أن سلوك الرئيس دونالد ترمب في الحكومة ساعد على تمكين المرشحات الديمقراطيات من أمريكا اللاتينية في العام الماضي. بحسب ما ترصده لورا تايسون، الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي. وقد حاول ترمب استمالة مزيد من الناخبين له ولحزبه، من خلال الحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الجمهوري. وهكذا تم تفسير خسائر الجمهوريين في مجلس النواب على نطاق واسع على أنها رفض لترمب وسياساته.
منذ الانتخابات الماضية، تركز اهتمام وسائل الإعلام بشكل كبير على أهمية نتائج دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، التي بدأت بالفعل. لكن سيناريو الانتخابات النصفية لعام 2018 لم يكن فقط حول ترمب ومستقبل رئاسته. إنه يتعلق بالناخبين الأمريكيين الذين يتوقون لإصلاحات ديمقراطية. وفي الفترة التقدمية في أوائل القرن العشرين، عندما قاد المواطنون والدول موجة من التدابير لتحسين الحكم الديمقراطي، استخدم الناخبون من كلا الحزبين الانتخابات للإشارة إلى دعمهم الديمقراطية.
يعيش أكثر من ثلثي الناخبين الأمريكيين في الولايات التي تسمح بمبادرات الاقتراع، وهي أداة إصلاح قدمتها الحركة التقدمية منذ أكثر من 100 عام. وفي عام 2018، صوت الناخبون في 17 ولاية على أكثر من 20 من تدابير الاقتراع التي تم تصميمها لجعل الحكومة أكثر تمثيلا واستجابة. في الواقع، بلغ عدد تدابير الإصلاح الديمقراطي على صناديق الاقتراع العام الماضي رقما قياسيا جديدا.
وتركز أهم الإصلاحات الديمقراطية على مشكلة تقسيم المناطق الانتخابية لمصلحة حزب سياسي معين. في عام 2018، أيدت الغالبية العظمى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في ولايات كولورادو، وميتشيجان، وميسوري، وأوهايو "في مبادرة التصويت في أيار (مايو) الماضي"، وولاية يوتا "بفارق بسيط". باستثناء كولورادو، وفاز ترمب بغالبية الأصوات في جميع هذه الولايات في عام 2016. علاوة على ذلك، حصل عديد من الإصلاحات لزيادة وحماية حقوق التصويت على دعم شعبي في أربع ولايات في العام الماضي. على سبيل المثال، في ولاية فلوريدا، التي قامت بإعادة إحصاء آلي للأصوات في سباقها الأكثر تقاربا على مستوى الولاية في البلاد، وهو إجراء تاريخي لاستعادة حقوق التصويت للمواطنين مع قناعات جنائية سابقة مرت بهامش 2 إلى 1. في ولاية ميتشيجان، حيث تم تقسيم الناخبين بالتساوي على مرشحي حكام الولايات المتحدة ومجلس الشيوخ الأمريكي، أيد 65 في المائة من الناخبين مبادرة تسجيل الناخبين في اليوم نفسه وإجراءات أخرى مؤيدة للديمقراطية. وتم القيام بمبادرة مماثلة في ولاية نيفادا أيضا.
في هذه الأثناء، سمحت ثماني ولايات ومقاطعة كولومبيا بالتسجيل التلقائي في انتخابات العام الماضي، ما أدى إلى تحقيق أرقام قياسية في تسجيل الناخبين بشكل عام. وأصبحت ولاية ماين أول ولاية تستخدم التصويت المصنف في انتخابات الكونجرس. كما أوضح الناخبون في عدة ولايات أنهم يريدون إدارة أكثر أخلاقية وقابلة للمساءلة. على سبيل المثال، وافق الناخبون في ولاية ميزوري على تنفيذ بعض الإصلاحات الأخلاقية التي تشدد قيود تمويل الحملات على المشرعين في الولاية. أنشأت ولاية نيو مكسيكو لجنة أخلاقيات للتحقيق في مزاعم سوء السلوك من قبل مسؤولي الدولة، والمرشحين، وجماعات الضغط. وبالمثل، أنشأت ولاية نورث داكوتا لجنة مماثلة، ووافقت على فرض حظر المساهمات السياسية الأجنبية ومطلب جديد لإتاحة معلومات تمويل الحملات للمواطنين، وعززت مدينة نيويورك برنامجها للتمويل الانتخابي العام. بعد الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية، وهو الثالث من نوعه خلال عام 2018، يتولى الناخبون المسؤولية الآن. بحلول عام 2020، هناك سبب وجيه يدفعنا إلى توقع قيام "الفيدرالية التقدمية" بإصلاحات ديمقراطية على نطاق لم نشهده منذ ذروة الحركة التقدمية الأصلية. وكما كتب جيمس وزوجته ديبورا فالوز في كتابهما الأخير الأكثر انتشارا "مدننا ورحلة 100 ألف ميل إلى قلب أمريكا"، "في جميع أنحاء البلاد، في المدن الصغيرة البعيدة عن دائرة الضوء الإعلامي، يتم بناء أمريكا جديدة.. العمل نحو حلول عملية لمشكلات هذا العصر".
وقد تحدث ديفيد بروكس، كاتب في صحيفة نيويورك تايمز، عن قصة مشابهة، ويقود مبادرة جديدة لمعهد أسبن للاستفادة من دروس المجتمعات المحلية القوية. وتقوم شركة الإعلام NationSwell بنشر قصص يومية حول الابتكارات الحكومية الناجحة في جميع أنحاء البلاد. كما يقوم الفيدراليون التقدميون ببناء البنية التحتية وجمع الموارد للتنافس في عام 2020. وتقوم مجموعات مثل الجمعية الوطنية للإصلاحيين غير الحزبيين ومبادرة الديمقراطية ومنظمة أعمال الديمقراطية بالبحث عن المواهب والتكنولوجيا والموارد الجديدة لزيادة الحلول الفعالة. كما تعزز منظمة "كاليفورنيا فوروارد" الإصلاح القائم على الدولة من خلال البرنامج التجريبي "حل لجميع الولايات المتحدة"، وتشجع مؤسسة "نيو أمريكا" على تبادل الأفكار من خلال مشروع مختبراتها للديمقراطية. وأخيرا، ستعرض قمة Unrig في ناشفيل في ولاية تينيسي في شهر آذار (مارس) المقبل جهودا كبيرة جديدة لتوسيع هذه الحركة. على غرار انتخابات التجديد النصفي في عام 2018، تعكس هذه القصص والمؤسسات رغبة الناخبين المتزايدة في إجراء إصلاحات ديمقراطية، وقد حظيت هذه الرسالة في النهاية باهتمام واسع على المستوى الوطني. وإلى جانب إصلاح نظام الرعاية الصحية، كان الالتزام بجعل الحكومة "أكثر استجابة وفعالية وشفافية" هو محور رسالة الديمقراطيين في الانتخابات النصفية. والآن، يخطط الحزب لإجراء تصويت مبكر في مجلس النواب على مشروع قانون استخدام نظم التسجيل الإلكتروني للناخبين، وإعادة الأحكام الرئيسية إلى قانون حقوق التصويت الفيدرالي، وتحويل إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية من هيئات تشريعية إلى لجان مستقلة، وتعزيز قواعد الإفصاح لتمويل الحملات الانتخابية.
هذه كلها خطوات ضرورية لتنشيط الديمقراطية الأمريكية. على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يصادق مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون على هذا المشروع، إلا أنه سيكون دليلا على القدرة المتصاعدة للفيدرالية التقدمية في السنوات المقبلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية