FINANCIAL TIMES

مخضرم «باركليز» .. انكشاف وجه أمريكي لرأسمالية الكازينوهات

مخضرم «باركليز» .. انكشاف وجه أمريكي لرأسمالية الكازينوهات

مخضرم «باركليز» .. انكشاف وجه أمريكي لرأسمالية الكازينوهات

لدى وصولي إلى مطعم سميث وويلنسكي للشواء المخصص للحوم المشوية وسط مانهاتن، كان بوب دايموند يجري محادثة دافئة.
انتظرت وهما يتحدثان عن آخر الأخبار. دايموند يلاحظني ويمد يده، وسرعان ما أجد نفسي في واحدة من تلك الشرانق من الألفة الذكورية القلبية، الأصيلة في المطاعم التي تقدم شرائح اللحم.
كان دايموند يمسك بيدي بقوة، ووضع صاحب المطعم يده على كتفي. تبادلنا النكات. يا لنا من أوغاد. نضحك. بالنسبة للمشاهد، كان يمكن أن يكون هذا مشهدًا من أوقات الطفرة في الأعمال المصرفية الاستثمارية: رجال في منتصف العمر يرتدون بدلات، على وشك الاحتفال بحظهم الطيب حول وجبة فخمة.
يرتدي دايموند ربطة عنق باللون الأخضر الليموني عليها مضارب تنس بيضاء صغيرة. تعبيره الدائم هو ابتسامة تُظهر أسنانه قليلا، وعيناه عريضتان وراء نظارات من دون حواف.
لديه ذلك الجو الوردي والصحي والنشط الذي تجده لدى مدير المدرسة - مهنة والده - الذي يقضي ما بعد الظهيرة في الملاعب، لكنه بالطبع بعيد عن هذا، فالذي كان في يوم من الأيام رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية في بنك باركليز، ثم أصبح بعد ذلك الرئيس التنفيذي، ارتقى إلى ذروة النشاط المصرفي البريطاني وبالتأكيد العالمي، ثم هوى من عل.
في هذه العملية أصبح، بالنسبة للصحافة والساسة في بريطانيا، وجه رأسمالية "الكازينوهات".
على طاولتنا المقابلة للبار الطويل، يجلس دايموند مباشرة أمام تمثال برونزي كبير لثور يطل برأسه. في بعض الأحيان وظيفتي تفعل ذلك بنفسها.
أبدأ بقولي إننا من بوسطن. يطرح سؤالا أولا: من أي حي؟ أعترف بأنني من بيكون هيل، موطن البروتستانت الأنجلو أمريكيين البيض، المعروف ببيوت الطوب والشوارع المرصوفة بالحصى في المدينة.
نشأ دايموند في أسرة من الطبقة المتوسطة في الضواحي، واحدا من بين تسعة إخوة. يمر عنوان رئيس في ذهني: الصحافي المتنقل الهابط يقابل قطبا عصاميا. قضى دايموند معظم حياته المهنية كرجل غريب - مكافح بين المتميزين، وتاجر سندات بين مصرفيين استثماريين، وأمريكي بين بريطانيين.
الحديث عن الرياضة يجمع بين النقائض. سرعان ما نتلذذ في الشماتة - اثنان من سكان بوسطن يعيشان في نيويورك في وقت لا يمكن للفرق المحلية أن تفوز فيه، ولا يمكن لفرق بوسطن أن تخسر. يبتسم قائلا: "أنصار فريق اليانكي الذين يقتلونني منذ سنوات، سريعو الغضب تماما!".
يظهر النادل. وأسأل دايموند إن كان يريد أن يتناول شيئا من الشراب. يختار دايموند المياه الغازية. بالنسبة لي الوجبة الدسمة في القائمة هي كيف يرى دايموند، بعد ست سنوات من طرده من بنك باركليز وسط فضيحة التلاعب في "ليبور"، وبعد 10 سنوات من الأزمة العظيمة، وكيف يرى مكانه في التاريخ المالي.
هل يشعر بالندم؟ في البداية ننتقل إلى مشاريعه الحالية، التي أشير إلى أنها تشبه الاستيقاظ بعد زوال مفعول المخدرات، بالنسبة لشخص مثله كان سابقا أحد أسياد الكون "رجال المال الذين كانوا يظنون، أن لا أحد مثلهم بسبب قدراتهم في التداول في وول ستريت".
لا يرى ذلك على هذا النحو. بعد طرده من بنك باركليز عام 2012، سرعان ما زاد شعور دايموند بالملل من التقاعد. وفي العام التالي أسّس مشروعين - شركة أطلس ميرتشانت كابيتال، التي تستثمر في شركات الخدمات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا، وأطلس مارا، التي تفعل الشيء نفسه عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كنتُ أظن أن القيام بصفقات تبلغ قيمتها مئات الملايين هو مرتبة أدنى كثيرا من إدارة مصرف تبلغ ميزانيته العمومية 1.6 تريليون جنيه استرليني، ولكن هنا أجد لمحة عن سبب وصف دايموند "بوب المتفائل" في وقت مبكر من حياته المهنية. كان مفعما بالهدف.
أتساءل ما إذا كان هناك خيط مشترك يربط بين الاستثمارات في شركة أطلس ميرتشانت كابيتال التي يدل ظاهرها على أنها تتألف من خليط متنوع، من سمسار فرنسي متوسط الحجم، إلى محفظة رواتب التقاعد في شركة تأمين أمريكية؟ يجيب بأن ذلك بسيط. ويجادل أنه بعد الأزمة فإن إصرار الأجهزة المنظمة على أن تحتفظ المصارف بكثير من طبقات رأس المال الإضافي، وتتبع عددا كبيرا للغاية من القواعد الجديدة، يعمل على إيجاد فرصة لغير المصارف لتولي الأعمال التي أصبحت غير مربحة للمصارف. اليوم، "لن يسمح أي سياسي مطلقا بمصرف أكبر من أن يفشل، أو أن تضطر الأموال الحكومية خلال فترة ولايته إلى التدخل وإنقاذ مصرف ما".
هناك مفارقة في هذا. في عام 2012 خسر دايموند عمله في بنك باركليز عندما تدخّل ميرفن كينج محافظ بنك إنجلترا، بعد أن توصل مع جهات تنظيمية أخرى إلى أن دايموند لم يفهم أن التمويل يجب أن يتغير.
الآن أنشأ دايموند أعمالاً تستند، على ما يبدو، إلى فرضية مفادها بأن الأجهزة المنظمة قد تجاوزت الحد، فهل يعتقد أن السلطات تجاوزت حدودها بعد الأزمة؟ لدهشتي، يقول لا. وهو يسأل كيف يمكن لشخص أن يقول إن الأجهزة المنظمة فهمت الأمور على نحو خاطئ، عندما لا يزال بنك اسكتلندا الملكي اليوم مملوكًا بـ 60 في المائة للحكومة البريطانية؟
هذا تعليق يُقصَد به الغمز من قناة الجهاز التنظيمي، بالطبع: مصرفا باركليز وإتش إس بي سي كانا البريطانيين الرئيسين الوحيدين اللذين لم يأخذا أموال الحكومة في الأزمة.
في الفترة الأخيرة كتب جوردون براون رئيس الوزراء آنذاك يقول إن بنك باركليز اقترح المزايدة على بنك اسكتلندا الملكي في تشرين الأول (أكتوبر) 2008 - بعد أن اشترى من قبل أعمال بنك ليمان براذرز في الولايات المتحدة.
أوضح التاريخ أن مثل هذه الصفقة كانت ستحكم على بنك باركليز بأن يخضع للتأميم. لم يحدث هذا قط، كما يقول دايموند. ويضيف: "لدي كثير من الاحترام لرئيس الوزراء السابق، لكني لا أعرف من أين خطرت على باله هذه الفكرة".
أصر المطلعون في الحكومة البريطانية على أن القصة صحيحة، لكنني تركتها تذهب لحالها؛ خصوصا لأن ذهني كان مشتتا إلى حد ما بسبب الجوع. لم تؤخذ طلباتنا حتى الآن. أنظر إلى قائمة الطعام: شريحة لحم أضلاع، وكوكتيل الروبيان، وسلطة جراد البحر.
ننتقل إلى الجنوب. يقول إن إفريقيا شغف شخصي، وشركة أطلس مارا "تدور حول الخير والعمل بشكل جيد". من المحتمل أن يكون تأطيره الواسع للمشروع له علاقة بحقيقة أن الأسهم في المشروع انخفضت 85 في المائة، ولا تزال تنخفض، منذ تعويم الشركة عام 2013. لا يزعج هذا بوب المتفائل: "كان يعلم من البداية أن هذا مشروع يحتاج إلى 10 سنوات".
في النهاية، يأتي النادل لأخذ طلباتنا. يطلب دايموند شيزبورجر، من دون الخبز - "أفضل شيزبورجر في العالم" – وسلطة كولسلو بدلا من البطاطس المقلية. أقول في نفسي إنه حيث إن كل واحد منا حر فيما يطلب، فأنا أختار شريحة ستيك من لحم الخاصرة، والبطاطا المهروسة والسبانخ بالكريما.
أسأل ما إذا كانت خلفية دايموند الأمريكية قد تسببت له في أي مشاكل في إدارة مؤسسة بريطانية كبرى. تعليقه المتهافت في البرلمان، قبل عام من الإطاحة به من أن وقت "الندم والاعتذار" من قبل المصارف "في حاجة إلى أن ينتهي"، أثار حفيظة السياسيين والمعلقين، وشدد على سمعته كتجسيد للرأسمالية الأمريكية المنفلتة من عقالها. ويصر على أنه لا توجد مشاكل على الإطلاق. تم جلبه إلى المملكة المتحدة من قبل بنك باركليز لإضفاء ثقافة جديدة على المكان: ثقافة البنوك الاستثمارية العالمية. كنت أفكر في شيء مختلف تماما – اليانكي المتهور مقابل مؤسسة بريطانية متزمتة - ولكن دايموند شهد بعد ذلك سلسلة من النجاحات.
عندما وصل لإدارة بنك باركليز الاستثماري عام 1996، بعد 13 عامًا في بنك مورجان ستانلي وأربعة أعوام في بنك كريدي سويس، كان القسم يعمل في المملكة المتحدة وكان غير مربح. وهو غيَّر ذلك.
"على مدار 12 عامًا، حققنا نموًا سنويًا مركبا في الأرباح 20 في المائة، ولم نشهد قط الخسائر في أي ربع، كانت شركة ناجحة حقًا؛ انتقلنا إلى مكانة أعلى اثنين أو ثلاثة مصارف في العالم في نشاط العملات الأجنبية.. "لقد كنت قد سمعتُ هذه الخطبة من قبل.
أقول له إن هناك جانبا آخر لهذه القصة. ظلت أسهم بنك باركليز تراوح مكانها منذ عام 2009؛ أما المصرف الاستثماري الذي أنشأه دايموند في الأوقات الطيبة فقد تلاشى عندما كانت الأوقات عصيبة، حيث انخفض إلى المرتبة السابعة في جداول الصناعة. هل قام ببناء قلعة من الرمال اختفت مع انحسار المد؟
يشرح قائلا: "أعتقد أن هذا سؤال رائع - وأنت مخطئ تماما! يعجبني هذا السؤال. إذا كنت تعتقد أن هذا سؤال صعب، فسنتناول وجبة غداء جيدة".
يوضح وجهة نظره بشأن ما حدث لبنك باركليز بعد أن غادر عام 2012، بعد أن شغل منصب الرئيس التنفيذي لمدة عام ونصف فقط. أولا: فرضت المملكة المتحدة مبدأ "التسوير"؛ أي إقامة حاجز بين المصرفية الاستثمارية ومصرفية التجزئة، وجعلت بنك باركليز في وضع غير مؤات مقابل نظرائه في الولايات المتحدة.
ثانيًا: فرضت المملكة المتحدة ضريبة على المصارف، تقيَّد على الميزانيات العمومية العالمية.
ثالثا: اختار مجلس باركليز "الشخص الخطأ"، أنتوني جنكينز، الذي بنى حياته المهنية في بطاقات الائتمان، ليخلفه.
جنكينز "لم يكن يدعم المصرف الاستثماري"، ما أدى إلى خروج كثير من الموظفين الأمريكيين الممتازين، الذين جاؤوا مع الاستحواذ على بنك ليمان عام 2008. "فُصل جنكينز بعد ثلاث سنوات".
ويقول إنه على الرغم من كل ذلك لا يزال "باركليز" المصرف الاستثماري الوحيد خارج المصارف الاستثمارية الستة في الولايات المتحدة الذي ينافس المصارف الأمريكية. ليس بنك دويتشه، وليس مصرف سويسري، ولا فرنسي". وهو معجب بقيادة جيس ستيلي، الأمريكي مثله والمصرفي الاستثماري الذي خلف جنكينز عام 2015. المصرف مقوم بأقل من قيمته الحقيقية وسيعود إلى الصعود. إذا كان بنك باركليز سيفكر في أي مرحلة في فصل أعمال بنك ليمان السابقة – من رأيه أن هذا أمر غير مرجح بالتأكيد - "ستكون شركة أطلس ميرتشانت كابيتال موجودة تماما هناك".
طعامنا يصل. شريحة اللحم في طبقي متفحمة بشكل جميل والبطاطس تتلألأ بالزبدة. نسي المطعم أن يحضر الشيزبورجر الذي طلبه دايموند من دون خبر.
يُبعِد الخبز ويضعه جانبا بعناية. من الواضح أن دايموند معروف في هذا المكان. يأتي نادل يخدم طاولة أخرى للمصافحة وإلقاء السلام. يحضر النادل، الذي يدخل في موعد نوبته، ليدردش، قائلاً لدايموند أن صديقًا مشتركًا قد وافته المنية. دايموند يدون ملاحظة في دفتر ملاحظات صغير. في نهاية الوجبة، يصر المطعم على تحدي قواعد زاوية "غداء مع "فاينانشال تايمز"".
بينما نأكل، ننتقل إلى تموز (يوليو) 2012، عندما قرر بنك باركليز استباق الصناعة في الإعلان عن تسوية لقضية التلاعب في سعر ليبور، ودفع 290 مليون جنيه استرليني على شكل غرامات.
رد فعل الجمهور على الخبر القائل إن المصرفيين يتلاعبون بسعر الفائدة الأساسي هذا كان صاعقا. في غضون أسبوع، كان دايموند قد فقد وظيفته - "اتخذت قرارًا بالتنحي؛ يمكنك تسميته بالطرد. الأمر سيان".
كتاب صدر حديثاً عن بنك باركليز بعنوان "المصرف الذي عاش قليلا"، بقلم فيليب أوغار، المصرفي الاستثماري السابق، يتحدث عن عملية طرد وحشية. مجلس إدارة باركليز، الذي أبلغه كينج "محافظ بنك إنجلترا في ذلك الحين"، أن دايموند لا يحظى بأي دعم من الأجهزة المنظمة، طلب منه الذهاب.
"يقول دايموند إنه يحب هذا الكتاب، لكنه يخطئ في بعض الأمور - رفض تحديد هذه الأمور".
السنوات التي مرت منذ ذلك الحين لم تغير نظرته لما حدث. نعم، تصرف الأفراد بشكل ذميم في بنك باركليز، لكن "غراماتنا كانت الأدنى في الصناعة؛ كانت قضية على مستوى الصناعة؛ أنا أقول إن مصارف أخرى كان لها دور أكبر".
لم يكن لديه علم بالتلاعب، ولكنه قبِل المساءلة "كما ينبغي لرئيس تنفيذي". ويقول إنه لا شك في أن الأجهزة المنظمة "كانت على علم بها وكانت تعلم بها منذ سنوات. إنها أمور موثقة، إنها واقعية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES