FINANCIAL TIMES

السودان .. اقتصاد مريض يعاني للخروج من غيبوبة

السودان .. اقتصاد مريض يعاني للخروج من غيبوبة

في كل يوم في الخرطوم، العاصمة السودانية المليئة المتربة، الطوابير المصطفة عند أجهزة الصراف الآلي تملأ الأرصفة المظللة، في الوقت الذي يحاول فيه العملاء القلقون الوصول إلى مدخراتهم في المصارف التي فرضت حدود سحب منخفضة تصل إلى 11 دولارا في اليوم.
بعد أن رفعت الولايات المتحدة في العام الماضي حظرا تجاريا دام 20 سنة، توقع مسؤولون حكوميون حدوث انتعاش اقتصادي بما أن عزلة بلادهم انتهت. لكن بدلا من ذلك، تعثر الاقتصاد وبدأت قيمة الجنيه السوداني تنخفض بشدة، وأصبح المواطنون يصطفون للحصول على المال حتى يتمكنوا من تحويله إلى سلع معمرة.
قال حسن الحاج علي أحمد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم "لدينا أزمة اقتصادية حادة، لأن التضخم يرتفع بشدة والعملة الوطنية آخذة في التراجع". وتابع "يواجه الناس صعوبات شديدة وهم يحاولون تلبية احتياجاتهم اليومية".
بالنسبة إلى الرئيس السوداني، عمر البشير، تعد الأزمة الاقتصادية أحد أكبر الاختبارات التي واجهها خلال ثلاثة عقود في الحكم.
وهي تمثل تحذيرا لكل دولة خاضعة للعقوبات الأمريكية بأن عملية إعادة التأهيل لا تحدث بسرعة. لم تعد التجارة الأمريكية محظورة، لكن السودان لا يزال غير قادر على الوصول إلى دعم صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، ولا يزال خارج منظمة التجارة العالمية، ومعظم المصارف الغربية ترفض التعامل معه.
منذ وصوله إلى الحكم في انقلاب عسكري في عام 1989، صمد البشير أمام كثير من الاختبارات: تصدعات في حزبه الحاكم؛ ومذكرة اعتقال دولية؛ وانشقاق نصف بلده. لكن مشكلاته الاقتصادية تقضي على ثقة الشعب بطريقة جديدة.
هذا العام تراجعت قيمة الجنيه السوداني 85 في المائة مقابل الدولار وبلغ التضخم نحو 70 في المائة في أيلول (سبتمبر) - أحد أعلى المستويات في العالم.
متَحَدين عدم تسامح الحكومة مع المعارضة، خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد هذا الشهر بعد ارتفاع أسعار الخبز في أعقاب قرار حكومي بإيقاف واردات الحبوب الممولة من الدولة.
قبل خمس سنوات، عشرات الأشخاص ماتوا في اشتباكات مع قوات الأمن عندما تظاهر المواطنون ضد إيقاف دعم الوقود. قال محمد أمين "28 عاما" وهو طالب في جامعة الخرطوم "عندما احتج الناس في عام 2013 كان الوضع أفضل مما هو عليه الآن". وتابع "لذا ما يحدث بعد الآن هو أمر يستحيل التنبؤ به".
كان الاقتصاد محروما من النقد الأجنبي منذ أن انفصل جنوب السودان في عام 2011، وأخذ معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط، لكن الصعوبات الاقتصادية تسارعت في العامين الماضيين.
أسامة داؤود عبد اللطيف، رئيس مجموعة "دال" وأحد أغنى رجال البلاد، عزا معاناة السودان الاقتصادية، جزئيا، إلى إصلاحات ترمي إلى انفتاح الاقتصاد.
قال "أردنا أن نكون جزءا من منظمة التجارة العالمية فانفتحنا، لذلك قفزت وارداتنا بشكل كبير وصادراتنا لم تجاريها". وتابع "المشكلة الأساسية هي العجز "التجاري" الكبير، الذي أدى إلى نقص هائل في العملة الأجنبية".
استأنفت السودان مفاوضات بشأن عضوية منظمة التجارة العالمية في كانون الثاني (يناير) 2017 بعد توقف دام 13 عاما، وتم تطبيق سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية انسجاما مع قواعد منظمة التجارة العالمية. ولا تزال البلاد ليست عضوا، لكن الواردات اجتاحتها. في نهاية عام 2017 قدر العجز في الميزان التجاري بـ 2.7 مليار دولار.
قال عبد اللطيف "لقد حققنا ذلك بطريقة مفاجئة من دون أي ترتيبات مسبقة أو أي دعم "من صندوق النقد الدولي" لذلك كان الأثر مدمرا ماليا واجتماعيا".
ليس هناك دليل يذكر على أن السودان رعى الإرهاب في السنوات الأخيرة، لكنه لا يزال موجودا على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، ما يمنع الحكومة من الوصول إلى المساعدات المالية من المؤسسات متعددة الأطراف.
ولا يزال الرئيس البشير يواجه مذكرة اعتقال دولية بسبب جرائم حرب مزعومة ارتكبتها قواته في منطقة دارفور.
قال الدردري محمد أحمد، وزير الخارجية السوداني "نحن ندرك تماما كيف ينظر إلينا المجتمع الدولي". وأضاف "نؤمن أننا لا يجب أن نشعر بالذعر، يجب أن نحرص على أن تحل تلك النقاط التي تهم المجتمع الدولي وسننجح في نهاية الأمر".
وخلال معظم هذا العام بدا أن الرئيس البالغ من العمر 74 عاما قد نفدت منه الأفكار المتعلقة بالاقتصاد، لكن الأمور تغيرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
بدأت البلاد جولة جديدة من المفاوضات مع الولايات المتحدة لإزالة السودان من قائمة الإرهاب. وفي أيلول (سبتمبر) عين البشير رئيسا للوزراء، معتز موسى، من أجل بث حياة جديدة في الحكومة.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) أعلن موسى خطة إصلاح اقتصادي طارئة لمدة 15 شهرا للحد من التضخم وتحقيق استقرار سعر الصرف. ويعد المهندس السابق البالغ من العمر 51 عاما أول عضو في مجلس الوزراء لديه حساب في "تويتر"، ما يوفر مستوى من التفاعل مع المواطنين لم يعتقد كثير من السودانيين أنه ممكن.
قال أحمد، الأستاذ الجامعي "إنه جدي للغاية، ومهتم، ومنفتح على الشعب". وتابع "بدأ أخيرا يتعامل مع الأسباب الحقيقية للمعاناة".
خفض موسى، الذي يشغل أيضا منصب وزير المالية، قيمة الجنيه السوداني من 28 إلى 47.5 مقابل الدولار لمطابقة سعر السوق السوداء وقال "إنه سيسمح للعملة بالتعويم الحر". يفترض أن تشجع هذه الخطوة التي طلبها صندوق النقد الدولي منذ فترة طويلة، الصادرات بجعل السلع السودانية أرخص في السوق الدولية.
ويبيع السودان النفط والذهب والقطن والصمغ العربي والثروة الحيوانية، خاصة في الشرق الأوسط، لكنه كافح لتعزيز الإنتاج منذ انفصال جنوب السودان وأخذه إيرادات تصدير كبيرة.
وبحسب عبداللطيف، في أعقاب إجراءات رئيس الوزراء يجب ألا يكون هناك مزيد من الأعذار. "لقد أعطى القطاع الخاص فرصة حقيقية لأن يفعل شيئا مع الصادرات، والآن نحن بحاجة إلى أن نبدأ الإنتاج". وأضاف "في نهاية المطاف لن يأتي أحد ويساعدنا، فلماذا ينبغي لهم ذلك"؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES