السياسية

الانسحاب الأمريكي .. «طعنة في الظهر عواقبها مدمرة»

الانسحاب الأمريكي .. «طعنة في الظهر عواقبها مدمرة»

تلقى أكراد سورية ضربة من تحت الحزام بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سحب القوات الأمريكية من سورية، وعزا ترمب سبب الانسحاب لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وأن على قواته المغادرة بعد إنجاز الهدف الذي جاءت من أجله، في الوقت الذي توعد فيه الأتراك من يعتبرونهم عدوا لدودا الأكراد، حيث قال خلوصي أكار وزير الدفاع التركي "إن المسلحين الأكراد شرقي الفرات في سورية سيدفنون في خنادقهم في الوقت المناسب"، وعلى الصعيد الداخلي الأمريكي أثار القرار سخط الجمهوريين في واشنطن، معتبرين هذا الانسحاب سيعزز من دور إيران ورسيا ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
جاءت تلك التصريحات والتطورات عقب إعلان الرئيس الأمريكي ترمب، بدء سحب القوات الأمريكية من سورية، إذ تم تفريغ سورية من موظفي وزارة الخارجية، في حين قال مسؤولون أمريكيون "إن واشنطن تبحث سحب كل قواتها منها في أقرب وقت ممكن بالتزامن مع تقليص القوات في أفغانستان، وذلك بالتزامن مع اقترابها من نهاية حملتها لاستعادة كل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي".

رفض داخلي
وتعليقا على الانسحاب، قال السيناتور الجمهوري لينزي جراهام، المقرب من الرئيس ترمب، "إن الانسحاب سيؤدي إلى عواقب مدمرة على الولايات المتحدة والمنطقة والعالم، وأخشى أن يؤدي ذلك إلى عواقب مدمرة على أمتنا والمنطقة والعالم بأسره"، وأضاف أن "هذا القرار سيزيد من صعوبة الاستعانة بشركاء في المستقبل للتصدي للتشدد، وستعتبر إيران وغيرها من الأطراف الشريرة ذلك دليلا على الضعف الأمريكي في الجهود الرامية إلى احتواء النفوذ الإيراني".
وفي الجهة الأخرى قالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان "بدأنا إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، مع انتقالنا إلى المرحلة التالية من هذه الحملة.. وإننا في الولايات المتحدة وحلفاءنا مستعدون للانخراط مجددا على كل المستويات دفاعا عن المصالح الأمريكية ما دامت الضرورة تقتضي ذلك، وسنواصل العمل سويا لمنع سيطرة إرهابيي داعش الراديكاليين على الأراضي أو تلقيها التمويل والدعم".

توعد تركي
بدورها، نقلت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء عن وزير الخارجية التركي قوله "أمامنا الآن منبج وشرقي الفرات، نعمل بشكل مكثف على هذه المسألة"، إذ ذكرت تركيا أنها ستشن عملية عسكرية قريبا ضد وحدات حماية الشعب التي تسيطر على تلك المناطق شمالي سورية، إذ تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية "جماعة إرهابية" مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا في جنوب شرق تركيا منذ نحو ثلاثة عقود، في حين كانت واشنطن تعتمد عليها في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي.
لم يكن هذا الانسحاب جديدا كفكرة جديدة عند الرئيس ترمب الذي أبدى مرارا رغبة شديدة لإعادة القوات الأمريكية من سورية عندما يكون ذلك ممكنا، في حين قال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي "إن بلاده ستدرس القرار الأمريكي بسحب القوات من سورية، وستعمل على ضمان أمنها"، حيث شهدت الآونة الأخيرة توترا كبيرا بين الإيرانيين والإسرائيليين في منطقة الجولان.

الأكراد .. "طعنة في الظهر"
أثارت أنباء سحب كامل القوات العسكرية الأمريكية سخط بعض رفاق ترمب الجمهوريين الذين قالوا إن مغادرة سورية ستعزز نفوذ روسيا وإيران اللتين تدعمان الرئيس السوري بشار الأسد، وفي المقابل قال مسؤول أمريكي إن واشنطن تريد سحب القوات في فترة تراوح بين 60 يوما و100 يوم، مضيفا أن "وزارة الخارجية الأمريكية بدأت عملية لإجلاء موظفيها من سورية في غضون 24 ساعة".
فيما اعتبرت قوات سورية الديمقراطية قرار الانسحاب الأمركي المفاجئ من شرقي سورية "طعنة في الظهر وخيانة لدماء آلاف المقاتلين"، وذلك في أول تعليق لها على القرار، إذ نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن جهات قيادية في قوات سورية الديمقراطية "اعتبرت انسحاب القوات الأمريكية في حال جرى، خنجرا في ظهر قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي"، التي سيطرت خلال الأشهر والسنوات الفائتة على أكبر بقعة جغرافية خاضعة لسيطرة تنظيم داعش، وهي منطقة شرق الفرات مع منبج.
وأكدت المصادر الكردية أن جهات عليا أمريكية أبلغت قيادات رفيعة المستوى من قوات سورية الديمقراطية، باعتزام واشنطن سحب قواتها من كامل منطقة شرق الفرات ومنبج، وأوضحت هذه المصادر أن الخطوة "تتناقض مع الواقع"، حيث وصلت تعزيزات خلال الـ 48 ساعة الأخيرة مما قبل القرار إلى منطقة شرق الفرات، وتشمل الوقود والمعدات العسكرية اللوجيستية والآليات، كما أن هناك تعزيزات مقاتلة وصلت إلى القواعد العسكرية في منبج وحقل العمر.

ردود أفعال
في وتيرة متسارعة أحدث "القرار" تغييرات كبيرة طالت أهم وزاراته، إذ أعلن جيم ماتيس وزير الدفاع الأمريكي استقالته من الحكومة، لكن سرعان ما أعلن ترمب أن وزير دفاعه، سيتقاعد بحلول نهاية شهر فبراير لتدارك الخلاف، وقال ترمب عبر "تويتر"، "إن ماتيس كان عونا كبيرا لي"، وجاء خبر تقاعد ماتيس بعد يوم من إعلان ترمب المثير للجدل سحب القوات الأمريكية من سورية، ولم يعلن الرئيس الأمريكي هوية من سيخلف ماتيس في المنصب، لكنه قال "إنه سيعين وزيرا جديدا للدفاع قريبا".
وفي خطاب الاستقالة، تحدث ماتيس عن آرائه بشأن "معاملة الحلفاء باحترام"، واستخدام "كل وسائل القوة الأمريكية لتوفير الدفاع المشترك".
كما قال "لأن لك الحق في أن يكون لك وزير دفاع تتسق آراؤه أكثر مع آرائك في هذه الموضوعات وغيرها، أعتقد أن الصائب لي هو التنحي"، إذ يتعارض القرار، الذي قوبل بانتقادات حادة، مع موقف ماتيس، الذي حذّر من أن الانسحاب المبكر من سورية سيكون بمنزلة "خطأ استراتيجي فادح"، حيث ساعدت القوات الأمريكية على تطهير كثير من المناطق في شمال شرق سورية من تنظيم داعش الإرهابي، لكن ما زالت هناك جيوب لمقاتليه.

الحلفاء في سورية .. "مستمرون"
إلى ذلك علقت لندن وباريس على قرار انسحاب ترمب من سورية، بأن العمل لم ينته بعد هناك، وأعلنت ناتالي لوازو الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية أن فرنسا "تبقى" ملتزمة عسكريا في سورية، وذلك بعد إعلان ترمب الانسحاب، وقالت الوزيرة لشبكة "سي نيوز" ردا على سؤال حول قرار الانسحاب الأمريكي "في الوقت الراهن، نبقى في سورية".
في حين قالت بريطانيا "إن تنظيم داعش الإرهابي لا يزال يمثل تهديدا حتى إن كان لا يسيطر على أراض"، وأوضحت في بيان "لا يزال يتعين عمل الكثير، ويجب ألا نفقد رؤية الخطر الذي يشكله التنظيم الإرهابي، حتى إن كان بلا أراض، سيظل تهديدا"، وأضافت "كما أوضحت الولايات المتحدة، هذه التطورات في سورية لا تشير إلى نهاية التحالف العالمي أو حملته، سنواصل العمل مع الدول الأعضاء في التحالف من أجل تحقيق هذا".

ما قبل الانسحاب
شهدت الأيام القليلة الماضية، التي سبقت الإعلان الأمريكي بالانسحاب من سورية، إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة ألقاها خلال قمة الصناعات الدفاعية التركية في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة عزم بلاده إطلاق حملة عسكرية في غضون أيام لإنهاء وجود الفصائل الكردية شرقي الفرات في سورية، مضيفا أن "تركيا ليس لديها أي عداء تجاه الإدارة الأمريكية ولا الجنود الأمريكيين الموجودين في سورية".
وشدد أردوغان على ضرورة عدم السماح للخلافات العميقة في السياسة تجاه سورية التي تعد مسألة وجود بالنسبة إلى تركيا بأن تكون عائقا أمام تعاون أكبر بين البلدين في المستقبل.
لكن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أعلنت حينها نصب نقاط مراقبة شمالي سورية قرب الحدود التركية لمنع وقوع أي مواجهة بين الجيش التركي والفصائل الكردية المدعومة أمريكيا، ما يعتبر رفضا للطلب التركي من واشنطن بالعدول عن إقامة هذه النقاط وكانت تركيا قد أعلنت يوم الجمعة الماضي أنها طلبت من الولايات المتحدة التخلي عن نقاط المراقبة هذه، كما وصلت تعزيزات عسكرية جديدة ضمت مدرعات ووحدات مغاوير إلى القوات التركية المنتشرة على الحدود مع سورية وسط تدابير أمنية مشددة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية