السياسية

إفريقيا .. أرض جديدة للمعارك الصينية الأمريكية

إفريقيا .. أرض جديدة للمعارك الصينية الأمريكية

إفريقيا .. أرض جديدة للمعارك الصينية الأمريكية

تتجه القارة الإفريقية لتكون محط صراع القوى الكبرى في العالم، بعد الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية التي كشف عنها جون بولتون مستشار الأمن القومي الخميس الماضي في مؤسسة هريتدج للأبحاث، التي ترمي إلى مواجهة النفوذ الصيني، والتمدد الروسي المتزايد، وتجدد تكريس النزعة الأمريكية المصلحية في إفريقيا.
تكشف معطيات هذه الاستراتيجية عن تغيير جذري في الدبلوماسية الأمريكية تجاه القارة السمراء، فبعدما كان أبناؤها محط ازدراء وسخرية ترمب في عديد من الخطب والتصريحات، تحولت فجأة إلى مدار اهتمام وعناية الإدارة الأمريكية، حد تخصيصها بـ "استراتيجية جديدة" تقطع دابر توجهات الرؤساء السابقين منذ كلينتون حتى أوباما.
عمد الرجل لدى عرضه محاور استراتيجية إدارة ترمب تجاه القارة، إلى تسمية الأمور بلا مواربة أو تورية. فقد أعلن عزم الولايات المتحدة على إعادة النظر في المساعدات الاقتصادية، بربط ضمان الحصول بتحقيق نتائج، فبحسبه و"اعتبارا من الآن، لن تتسامح الولايات المتحدة مع هذا التقليد العريق للمساعدة بدون نتائج، وبدون مسؤولية، ودعم بلا إصلاحات". مؤكدا أن "أمريكا أمة سخية، لكن نشدد على ضرورة الاستخدام الجيد لأموالنا".
وجدد التأكيد على ضرورة مراجعة جوهرية لمهام حفظ السلام، بعد أن شرعت أمريكا في تخفيض عدد مساعديها في إفريقيا وبعض أجزاء العالم. وهدد في أكثر من سياق بإمكانية إيقاف الدعم عن هذه القوات المنتشرة في إفريقيا، قبل أن يعترف بأن رخاء وأمن هذه القارة على قائمة أولويات الولايات المتحدة، خاصة تلك الدول التي تعاني الإرهاب والفقر المُدقع.
بعيدا عن الاهتمامات التقليدية للدبلوماسية الأمريكية في هذه القارة، يظهر أن مستشار شؤون الأمن القومي رسم بعناية خريطة العالم الجديد، ووضع إفريقيا في قلب الصراع الجيوسياسي لبلاده مع التنين الصيني والدب الروسي، فالمؤكد أن إفريقيا ستكون في المقبل من السنوات، جبهة للصراع المحتدم والتنافس المحموم بين هذه القوى، التي انتقد بشدة سلوكيات "الانقضاض" التي تمارسها في إفريقيا في كلمته.
تسعى روسيا؛ في نظر بولتون، إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي، دون مراعاة لمبادئ حكم القانون وقواعد الحكامة من محاسبة وشفافية. كما اتهم موسكو بتدمير الأراضي الإفريقية بحثا عن مصادر طبيعية، وتبادل الأسلحة والطاقة مع الأفارقة من أجل مصالحها الشخصية، معتبرها "تُبقي أصحاب النفوذ في السلطة، وتقوض الأمن والسلام، وتتحرك في اتجاه يتعارض مع مصالح الشعوب الإفريقية".
يبقى وابل الهجوم الدعائي في خطاب بولتون من نصيب الصين، عبر تبخيس الدور الصيني وتتفيه أسسه الدبلوماسية. باتهام بكين بأنها تؤسس لدورها بالعمليات المشبوهة والفساد المالي، معتبرها "تلجأ إلى الرشوة وإبرام اتفاقات غير واضحة، واستخدام الدين على نحو استراتيجي، لإبقاء البلدان الإفريقية رهينة رغباتها ومطالبها. مشروعاتها الاستثمارية تعج بالفساد".
إن ممارسات الصين التي تتسم بالاستغلال، تكبل النمو الاقتصادي في إفريقيا، وتهدد استقلال دولها اقتصاديا. فيشير على سبيل المثال إلى زامبيا التي تدين لبكين بنحو عشرة مليارات دولار، التي ستضطر إلى التنازل عن شركتها الوطنية للطاقة من أجل تسديد هذا الدين. وجيبوتي التي قال "إن إنشاء الصين قاعدة عسكرية في مينائها أواخر السنة الماضية، يعد تهديدا للأنشطة الأمريكية في الدولة الوحيدة في إفريقيا التي تستضيف قوات أمريكية دائمة منذ نصف قرن".
كشفت صراحة وحِدّة كلمات بولتون أن شعار الاستراتيجية الأمريكية "من أجل إفريقيا مزدهرة" يأتي في الدرجة الثانية في ترتيب أولويات واشنطن في إفريقيا، فالتنمية والعناية بالإنسان الإفريقي موقوفة على تقاطعها مع المصالح والأهداف الأمريكية، لأن جوهر هذه الخطة اقتصادي عسكري لمواجهة الوجود الروسي الصيني. وقد عبر عنها الرجل حرفيا بقوله "سنعمل على تحجيم دور الصين وروسيا في القارة، خدمة لمصالحنا الاقتصادية".
إننا إذن أمام خطة أمريكية لحسم نتائج الحرب التجارية الدولية لمصلحتها، من خلال ضرب المنافسة الصينية في أصولها، وليس الانتظار إلى حين الدخول إلى الأسواق التجارية. بمعنى التصدي للصين في إفريقيا موطن احتياجاتها من الموارد الطبيعية والمواد الأولية التي تمثل أكثر من 80 في المائة بقيمة تتعدى 93 مليار دولار. وهنا نشير إلى أنه منذ نحو عقد من الآن تمكنت الصين من تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر شريك تجاري مع إفريقيا، ويتوقع أن تبلغ تجارتها مع القارة نحو 200 مليار دولار، وستزيد إلى نحو 350 مليار دولار بنهاية البرنامج التنفيذي للتعاون الصيني-الإفريقي حتى عام 2022.
تحمل الخطة في جانب آخر منها رهان القوة العسكرية الذي يبدو واضحا في الاستراتيجية الجديدة، عندما قال بولتون "يجب ألا نسمح باختلال موازين القوى لمصلحة الصين في القرن الإفريقي الذي يعتبر ذا أهمية استراتيجية بالنسبة إلى أمريكا". ما يرجح هنا كفة بلد بعينه لتسند إليه مهام الوكلاء المحليين لواشنطن في القارة السمراء، وتقصد بالتحديد كينيا الحليف القديم للولايات المتحدة، إضافة إلى دولتي الصومال ومالي.
يخبرنا منظر الأمن القومي الأمريكي إذن بأن اكتفاء واشنطن بالمهام السلمية رهين ضمانها لسيادتها، وإلا فالخيار سيكون فلسفة جديدة يكون الفصل فيه لمجلس الأمن بالتدخل المباشر. وتعتقد الولايات المتحدة أن السلام يستنفد قدراتها المالية بدون مقابل يذكر، في حين يكون القرار تعدديا. كما أن الدولتين المعنيتين بالشأن الإفريقي هنا، أي روسيا والصين، بدأتا تضعان قدراتهما العسكرية في ميزان السياسة الداخلية للقارة السمراء، من دون أن تسهما بالقدر نفسه في هذه المهام.
ظلت القارة الإفريقية إلى حدود العشرية الأخيرة، مُهمَلة جغرافيا في سياسة واشنطن حتى أصبحت واجهة أساسية وقريبة لخصومها، الذين اقتربوا من خطوط التماس معها على الجبهة السمراء، ما فرض خطة جديدة تعيد ترتيب الأوراق بشكل يضمن حفاظ أمريكا على مصالحها في قارة المستقبل.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية