FINANCIAL TIMES

تقنيات نباتية ناشئة تطوي صفحة الزراعة التقليدية بالرقمنة

تقنيات نباتية ناشئة تطوي صفحة الزراعة التقليدية بالرقمنة

بعد نقل الذرة من الحقل إلى الصوامع على شاحنة بات تشيت إيدينجر، المزارع من ولاية ساوث داكوتا، يتمتع بموسم حصاد جيد.
مزاج هذا المزارع الذي يبلغ من العمر 53 عاما، ويزرع حبوب الصويا والقمح في أكثر من 50 كيلومترا مربعا من الأراضي الزراعية، تعزز هذا العام بسبب استخدامه بذور ذرة أوصت بها "شبكة أعمال الزراع"، وهي منصة رقمية أطلق عليها: "موقع جوجل للزراع".
زرع إيدينجر نوعا من الذرة "لم يكن قد زرعه أو سمع به من قبل قط". مع ذلك، قدمت هذه المغامرة لمزرعته "أفضل محصول حصل عليه حتى الآن هذا العام"، بحسب ما يقول.
عادة ما كان يعتمد الزراع في الولايات المتحدة على نظام توزيع لا يتاح لهم فيه إمكانية تذكر للوصول إلى بيانات قابلة للمقارنة، ونظام تسعير مبهم لكل شيء بدءا من البذور عبر الأسمدة وصولا إلى المبيدات الحشرية.
بيد أن اقتران انخفاض الأسعار وسط وفرة المحاصيل، ودمج المجموعات الزراعية، والحرب التجارية الأمريكية مع الصين، أرغمهم على التماس سبل جديدة لتعزيز الإيرادات.
يقول إيدينجر: "عادة، لم نكن حتى نحاول تجربة أي نوع من البذور، لأن هناك كثيرا منها في السوق والأمر يعتمد على الحظ".
هو ليس المزارع الوحيد، فهناك عدد متزايد من الزراع الذين يستكشفون طرقا بديلة لشراء البذور والمواد الكيميائية، فضلا عن البيانات والمعلومات الجديدة المفيدة.
في وجود 7000 عضو يمثلون 280 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، أي نحو 3 في المائة من إجمالي الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة، تقدم شبكة أعمال الزراع محاصيل واسعة النطاق، وبذورا وغيرها من البيانات الزراعية، إضافة إلى منصة خاصة بالتسويق والتجارة الإلكترونية للحبوب، ما يوفر مزيداً من شفافية الأسعار بالنسبة للأسمدة ومبيدات الآفات.
لقد أصبحت من الناحية العملية منصة تواصل اجتماعي بهدف تبادل المعرفة الفنية الزراعية.
بدعم من المستثمرين مثل صندوق رأس المال المغامر من شركة جوجل وصندوق الثروة السيادية في سنغافورة "تيماسيك"، فإن هذه الشركة التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها، هي واحدة من بين مجموعة من الشركات الزراعية الناشئة التي تتطلع إلى تأسيس نفسها كشركات تجارية مستقلة، بدلا من أن يتم ابتلاعها من قبل شركات زراعية أكبر حجما.
بعد إطلاقها عام 2015 من قبل آمول ديشباندي، شريك سابق في شركة كلاينر بيركينز، مجموعة رأس المال المغامر في وادي السيليكون، الذي عمل أيضا لدى شركة كارجيل للتجارة الزراعية، وتشارلز بارون، مدير البرامج السابق في شركة جوجل، فيما تقول شبكة أعمال الزراع إنها تريد إيجاد ميدان عمل متكافئ للزراع.
يقول بارون: "المزارع هو الشريك الأقل ربحا في سلسلة التوريد الزراعية"، مضيفا أن الزراع يتحملون مخاطر أكبر مما تتحمله الشركات التي يشترون منها ويبيعون لها: "تبين لنا من خلال زراعنا مدى الإحباط الذي يشعر به الزراع بسبب هيكل صناعة الزراعة."
الشركات الزراعية التقليدية لا تقدم لعملائها من الزراع بيانات محاصيل قابلة للمقارنة، بينما توفر شبكة أعمال الزراع لأعضائها الذين يدفعون مبلغ 600 دولار سنويا أرقاما إجمالية حول الكفاءة ومحاصيل البذور المختلفة، والأسمدة ومبيدات الآفات في مختلف أنواع التربة والمناطق الجغرافية، ما يساعدهم على اتخاذ قرارات الشراء والزراعة.
مستخدما خدمات مطابقة المحاصيل التي توفرها الشبكة، باع إيدينجر أيضا الذرة غير المعدلة وراثيا بأسعار تفضيلية.
ويقول: "لا يمكنني حساب الأرباح إلى أن أنتهي من إجراء التحليلات، لكن فيما يتعلق بالإيرادات والأرباح، سوف نجني صافي أرباح أكبر لكل فدان من الأرض، بعد الاستعانة بشبكة أعمال الزراع هذا العام".
تجتذب التكنولوجيا الزراعية نطاقا متنوعا من المستثمرين، عبر جولات التمويل الكبيرة حيث جمعت شبكة أعمال الزراع مبلغ 110 ملايين دولار العام الماضي، وتبلغ قيمتها الآن 660 مليون دولار بحسب "بيتش بوك" مزودة بيانات للشركات الخاصة، توفر الأساس للموجة الأولى من شركات التكنولوجيا الزراعية الناشئة، مع احتمالية أن تصل قيمتها إلى مليار دولار.
السبب الوحيد الأهم لهذا الاهتمام هو الابتكار، فهي لا تعمل على تغيير نظام إنتاج الغذاء والزراعة، وتحقيق مزيد من الشفافية ومنتجات جديدة، فحسب، إضافة إلى تقصير نطاق سلاسل التوريد بل تقدم للمستثمرين أيضا مثل شركات سوفت بنك وجوجل وصناديق الثروات السيادية خريطة طريق يعرفونها من الصناعات الأخرى، التي تغيرت طبيعتها بسبب التكنولوجيا.
قدم هذا للشركات الناشئة أساسا تمويليا تستطيع من خلاله زيادة عملياتها التشغيلية واجتذاب التنفيذيين من نطاق واسع من القطاعات، بما فيها وادي السيليكون، وفي النهاية التطلع إلى التعويم في الأسواق العامة.
بالاقتران مع انخفاض تكاليف التكنولوجيا المتاحة بدءا من معالجة البيانات ووصولا إلى الذكاء الاصطناعي والتخزين تعمل هذه الشبكة على تعزيز القوة المادية لهذه الشركات الناشئة.
يقول مات بارنارد، الرئيس التنفيذي في شركة بلينتي الزراعية الناشئة: "قبل تأسيس شركة جوجل بعامين ونصف، كانت كلفة تخزين البيانات أكبر بـ100 مرة. ولو أنها أنشئت وبدأت قبل ذلك بثلاث أو أربع سنوات، لما كانت هناك أي أعمال، لأن تكلفة البيانات كانت ستكلف مبالغ طائلة."
رقمنة سوق البيع بالتجزئة في طرف واحد من سلسلة التوريد تجري الآن على قدم وساق، وتشهد الولايات المتحدة وجود ظاهرة مماثلة تحدث في نطاق المنتجين.
يتوقع المحللون وشركات رأس المال المغامر أن يعمل هذا على استثارة تحول كبير في كيفية إنتاج الغذاء وتصنيعه ليصبح جاهزا للاستهلاك.
وعلى الرغم من أن هذا بدأ في الحدوث أيضا في كل من أوروبا وآسيا، إلا أن المراقبين يعتقدون أن الولايات المتحدة، بما لديها من قاعدة زراعية وسوق استهلاكية كبيرة، إضافة إلى رأس المال المغامر الوفير، ستصبح ساحة اختبار رئيسة لعمل تلك الشركات المختصة بالتكنولوجيا الزراعية.
عندما شارك ديفيد بيري في تأسيس شركة إنديجو الزراعية الناشئة المختصة بالميكروبات في بوسطن في 2015، كان يهدف إلى إيجاد شركة مستقلة من شأنها "إحداث تغيير جذري في قطاع الزراعة".
بعد إنشاء وتعويم شركتين على علاقة بعلوم الحياة، أدرك أنه على مدى الأعوام العشرة أو الـ20 الماضية، كان قد تم شراء جميع الشركات الزراعية الناشئة ذات الإمكانات المبشرة، في مرحلة مبكرة بسعر لا يتجاوز بضع مئات من ملايين الدولارات.
يقول بيري: "الزراعة هي آخر الصناعات الكبيرة التي تبنت فعلا التكنولوجيا ونماذج الأعمال الجديدة.
في قطاع التجزئة، هناك شركة أمازون، وفي قطاع السيارات هناك شركة تسلا، وفي قطاع النقل هناك شركتا أوبر وليفت، وفي قطاع الإعلام هناك شركة نيتفليكس. في كل صناعة كبيرة أخرى نستطيع أن نشير إلى شركة جديدة تعمل على تغيير الطريقة التي تدار بها الأعمال" حسبما أضاف.
تصطاد شركة إنديجو كائنات طبيعية موجودة بشكل طبيعي مثل البكتيريا والفطريات لتغليف بذور الحبوب للمساعدة في نمو النباتات. كما أنها استحدثت ما تسميه موقع eBay للزراع، وهو سوق على الإنترنت تعمل على توصيل المشترين ببائعي الحبوب والبذور الزيتية.
في خضم تزايد المخاوف من الإفراط في استخدام المواد الكيميائية الزراعية الصناعية مثل الأسمدة والأضرار البيئية التي تسببها، فإن الجزء الميكروبي الذي تشغله شركة إنديجو، هو أحد القطاعات الزراعية التي تجذب معظم نشاط المستثمرين.
أطلق بيري والشريك المؤسس جيفري فون مالتزان، كبير مسؤولي الابتكار في شركة إنديجو، شراكة واسعة النطاق مع 50 مزارعاً لتجريب منتجات الشركة الميكروبية.
يقول جيرمي جاك، وهو مزارع مقره في ولاية مسيسيبي، يزرع مجموعة واسعة من الحبوب والقطن، الذي كان يجرب منتج شركة إنديجو الميكروبي على محصول الأرز لديه: "هذا المنتج ناجح". لم يقم حتى الآن باستخلاص البيانات، لكنه أضاف: "العلم الذي يقف وراءه حقيقي".
جمعت الجولة الأخيرة للتمويل في شركة إنديجو مبلغ 250 مليون دولار من الداعمين، بما في ذلك مؤسسة دبي للاستثمار، وهي صندوق ثروة سيادي، ليصل إجمالي تمويلها إلى أكثر من 650 مليون دولار. وتقدر "بيتش بوك" قيمتها عند 3.2 مليار دولار.
القلق الذي يساور بعض المستثمرين المتخصصين هو أن الحماسة الجديدة للزراعة ساعدت في تضخيم التقييمات، الأمر الذي قد يضر بكل من الشركات الناشئة والقطاع الأوسع.
يقول نيكولو مانزوني من "فايف سيزونز فنتشرز"، المتخصصة في رأس المال المغامر ومقرها باريس، إن ندرة البيانات هي القضية الرئيسة عند تقييم الشركات الناشئة.
منذ شراء شركة مونسانتو لشركة كلايمِت مقابل مليار دولار عام 2013، كانت هناك صفقتان كبيرتان أخريان فحسب لتقييمات هذا القطاع: شراء شركة دوبونت لمجموعة البرمجيات الزراعية جرانيولار مقابل 300 مليون دولار، وصفقة شركة صناعة الجرارات دير آند كو Deere & Co بقيمة 305 ملايين دولار لشراء شركة بلو ريفر الناشئة التي تعمل على توفير أدوات التعلم الآلي لهذه الصناعة.
يقول مانزوني: "لديك ثلاث نقاط بيانات بدلاً عن 500 نقطة، ولا يمكنك استخلاص استنتاج واقعي"، محذراً من أن التقييمات المرتفعة تضع كثيرا من الضغط على فرق الإدارة.
التحدي الذي يواجه هذه الشركات الناشئة القائمة هو توسيع نطاق أعمالها إلى درجة تمكنها من تحقيق تدفق نقدي كافٍ، وأرباح دون شبكة أمان الشركات الزراعية الكبيرة.
البعض يبالغ في الوعود فيما تستطيع الشركات تحقيقه من الناحية الواقعية، كما يقول أحد أصحاب رأس المال المغامر.
ويضيف: "إنهم أشبه بشركات صغيرة في صناعة المواد الغذائية، تدعي أنها يمكن أن تكون شركة نستله في غضون سنوات قليلة"، مضيفًا أن فشل إحداها قد يؤدي إلى إضعاف شهية المستثمرين إلى التكنولوجيا الزراعية.
يقول التقليديون إن سلاسل التوريد المعقدة والقوانين التنظيمية الصارمة، تجعل هذه الصناعة مختلفة عن الصناعات الأخرى التي تعطلت بسبب التكنولوجيا.
يقول براين لويب، الذي يشرف على الاستثمار في مشاريع رأس المال المغامر في شركة كونتيننتال جرين، التي كانت في الماضي شركة رائدة في تجارة الحبوب وتستثمر الآن في شركات الأغذية والسلع: "في تكنولوجيا وادي السيليكون يمكن أن يكون لديك بالفعل شاب في الـ20 من العمر يستيقظ من النوم ولديه حلم.
يمكن لبعضهم إنشاء شركات جديدة كليا لأنها مثل مساحة مفتوحة إلى حد كبير.
أما في الزراعة، بغض النظر عن مدى ضخامة أي من الابتكارات، فإن وجهة نظرنا هي أنه لا يزال يتعين دائمًا أن تكون جزءا من البنيان الأصلي، فهي تظل دائمًا جزءًا من الأحجية المعقدة".
البعض الآخر أقل تشككًا. يقول سبنسر موجان، الشريك المؤسس لـ"فينيستر فنتشرز"، وهي شركة رأس المال المغامر للمشاريع الزراعية مقرها ولاية كاليفورنيا: "مجرد أن صناعة ما لم تتعطل، فهذا لا يعني أنها لن تتعطل".
في الحقيقة، شهدت الزراعة تعطيلا من قبل، من خلال التحول إلى الجانب الصناعي، والثورة الخضراء، وأخيراً، بفعل المحاصيل المعدلة وراثياً. ومن المتوقع أن يكون ظهور التكنولوجيا الرقمية أكثر جذرية، إحداث مزيد من تعطيل الزراعة التقليدية.
إلى جانب مجموعة سوفت بنك اليابانية، وإنوفيشين أنديفورز التابعة لإريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، وجيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، تستثمر شركة فينيستر في شركة بلينتي التي تزود المستهلكين بخضراوات وفواكه طازجة ومغذية، لا تقطع مسافة 5000 كيلومتر من المزرعة إلى رفوف المتاجر.
يستند إنتاج الفواكه والخضراوات الحديثة إلى ما إذا كان بإمكانها المحافظة على وضعها طازجة لأسابيع في الشاحنات والمستودعات بدلاً من الاعتماد على الذوق أو التغذية، كما يقول بارنارد من شركة بلينتي. ويقول إن خس الآيسبيرج هو مثال عظيم على ذلك: فهو يُرزَع بسبب قدرته على المحافظة على وضعه لفترة طويلة، وليس بسبب حب المستهلكين لهذا النوع من الخضراوات.
تزرع شركة بلينتي كثيرا من النباتات، بما في ذلك الخضراوات الورقية والفواكه مثل الفراولة، في أبراج بارتفاع 20 قدما- ناطحات السحاب النباتية.
باستخدام علم البيانات والذكاء الاصطناعي، تتحكم الشركة في بيئة النمو، بما في ذلك إضاءة ليد LED والدفء والري. تقول الشركة إنها تستطيع تحقيق عائد يصل إلى 350 مرة ضعف الزراعة التقليدية باستخدام 1 في المائة من المياه وأقل من 1 في المائة من الأرض. ومع ذلك، فإن ساحة "الزراعة الرأسية" مليئة بحالات الإفلاس، بسبب ارتفاع تكاليف الاستثمار الأولي والإنتاج والحاجة إلى الحفاظ على أسعار الخضار والفواكه ميسورة. وباستخدام فريقه من العلماء العاملين في الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي والبيانات الضخمة، يتطلع بارنارد إلى التغلب على هذه القضايا. وشركة بلينتي ترنو أيضاً إلى تنمية شبكة من المرافق في المدن في أنحاء العالم، لتصنيع العملية.
ويقول: "وقعنا بعض الاتفاقيات في أنحاء العالم للمزارع التي هي في مراحل التطوير المبكر"، إلا أنه رفض الكشف عن أماكنها.
في الوقت نفسه، يؤمن داعمو رأس المال المغامر أن تعويم إحدى الشركات الناشئة ستكون له القدرة على تغيير طبيعة الزراعة.
يقول موجان من شركة فينيستر: "إذا تم إدراجها والوصول إلى مثل هذه المبالغ الكبيرة من رأس المال، فإنني أتخيل أن هذا ستكون له آثار قوية عبر القطاع بأكمله".
ويقول إن ذلك من شأنه أن يفيد الزراع، وفي النهاية المستهلكين.
يقول بارون من شبكة أعمال الزراع إن أعضاءه يريدون أن تظل الشركة مستقلة، وهو اقتراح يدعمه مستثمروها. ويرى أنها وسيلة لإحداث ثورة في الصناعة.
"من خلال وجود شبكة للزراع يقودها أعضاؤنا ولا تخضع لسيطرة الصناعة، يمكننا إنشاء اقتصاد زراعي مستقل يسمح لهم بالوصول إلى الشركات والتقنيات والممارسات والأسواق وتكنولوجيا المعلومات الجديدة، بطريقة مختلفة تمامًا. مهمتنا هي وضع الزراع أولاً."
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES