أخبار اقتصادية- عالمية

«الهجوم الساحر» .. استراتيجية صينية جديدة في مواجهة المنافسة الأمريكية

«الهجوم الساحر» .. استراتيجية صينية جديدة في مواجهة المنافسة الأمريكية

علي مدى العقد الماضي، اتخذت الصين نهجا اعتمد أكثر فأكثر على العضلات في علاقاتها ببلدان الشرق الأقصى. لكن في الأشهر الأخيرة فاجأت القوة الاقتصادية الثانية في العالم جيرانها بـ "هجومها الساحر".
ما الذي تغير؟ سؤال طرحه مركز للدراسات في مصرف سويسري متخصص في الاستثمارات. المركز ذاته يُجيب عن السؤال في دراسة بعنوان "حدود الهجوم الصيني الساحر".
وتقول دراسة مصرف فينتبول حول سلوك الصين في المنطقة "في 2013 أعلنت الصين من جانب واحد منطقة للدفاع الجوي تُغطي منطقة بحر الصين الشرقي ابتداء من جُزر سينكاكو/ديايو، وهو الإجراء الذي حبس الأنفاس، وأقلق المناخ الاقتصادي والمالي الدولي بعد أن زاد من حدة التوتر مع اليابان".
لم ينته الأمر عند ذاك، فبعد مرور عام على أزمة منطقة الدفاع الجوي، انتقل التوتر إلى منطقة أخرى من بحر الصين ببدء بكين بناء جُزر إصطناعية كبيرة في المناطق المُتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وفي 2016، فرضت الصين عقوبات اقتصادية وتجارية على كوريا الجنوبية ردا على قرارها بالسماح للولايات المتحدة بنشر منظومة دفاعية صاروخية في المنطقة.
لكن الآن، يبدو أن سياسة التخويف الجغرافي ـ الاستراتيجي قد تنحت جانبا لتفسح المجال للدبلوماسية. في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استضاف الرئيس الصيني، شي جينبينج، رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، في بكين. وكانت زيارة آبي أول زيارة لزعيم ياباني للصين منذ سبع سنوات. أما زيارة شي المقررة لليابان في العام المقبل، فستكون أول زيارة يقوم بها رئيس صيني لأكثر من عقد.
أخيرا سافر رئيس الوزراء الصيني، لي كيتشيانج إلى سنغافورة حيث وقع على نسخة مُحسَّنة من اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وسنغافورة. وأعرب رئيس الوزراء الصيني أيضا عن أمله في أن يتم في العام المقبل توقيع وتنفيذ اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي بدأتها الصين منذ عدة سنوات لمواجهة اتفاق الشراكة السابق بهدف نقل المنطقة إلى ساحة مفتوحة للتبادل التجاري الحر. غير أن الدراسة تقول إنه من غير المرجح أن يتحقق هذا الهدف الطموح جدا نظرا لتعقُّد الاتفاقات التجارية.
تقول الدراسة "إن هذا النهج الجديد الأقل عدائية من جانب الصين لا يعني أن قادتها غيَّروا عقولهم، بل إنه يعكس تغييرا في المشهد الجغرافي السياسي للمنطقة". وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، تخلت الولايات المتحدة عن التزاماتها السياسية التي مضى عليها 40 عاما مع الصين، لتعتمد بدلا من ذلك استراتيجية احتواء. وفي مواجهة تصاعد المنافسة الجغرافية ـ السياسية مع الولايات المتحدة، واحتمال توسيع واشنطن حربها التجارية مع بكين، تعمل الصين الآن على كسب صداقات في المنطقة.
تلاحظ الدراسة أنه على الرغم من أن "هجوم الصين الساحر" حديث جدا، فإن خطوطه العريضة واضحة بالفعل. أبرز سمة لهذا الهجوم الذي تريد منه بكين مواجهة احتمالات الحرب التجارية الشاملة مع الولايات المتحدة، هي توسيع التجارة مع جيرانها.
وباعتبارها أهم شريك تجاري مع عديد من الدول الآسيوية، فإن الصين ستوفر ظروفا تجارية جذابة لجيرانها، مثلما فعلت مع سنغافورة.
وتشمل بعض التكتيكات الجديدة في الصين أيضا مشاركة دبلوماسية على مستو عال أكثر تواترا، إذ ترى الدراسة أن الصين تركز على الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وفيتنام، إضافة إلى اليابان.
فعلى سبيل المثال، سافر، شي جينبينج، إلى الفلبين يومي 20 و21 تشرين الثاني (نوفمبر). وستسعى الصين، من خلال مؤتمرات القمة والاجتماعات الأخرى الجمع بين كبار المسؤولين، وستضطر بكين، في إطار خطتها هذه، إلى الحفاظ على علاقات أكثر صداقة مع جيرانها. ولدعم هذه الجهود، ربما تم تكليف آلة الدعاية الصينية بتليين خطابها الوطني ومحو أي محتوي يحتمل أن يسيء إلى جيرانها.
لكن في اتجاه مُغاير آخر، يُمكن أن تحتفظ الصين مؤقتا بمطالباتها المتعلقة بالأراضي. فعلى سبيل المثال، من غير المرجَّح أن تحوِّل الشِّعاب المرجانية في "سكاربورو"، التي استولت عليها من الفلبين في 2012، إلى جزيرة اصطناعية جديدة في المستقبل القريب مثلما خططت سابقا. وعلى غرار ذلك، فإنها ستتجنب على الأرجح إرسال السفن بالقرب من جزر سينكاكو/ديايو بهدف عدم إزعاج اليابان.
وترى الدراسة أن بلدان الشرق الأقصى قد استجابت، حتى الآن، بصورة إيجابية للدبلوماسية الصينية الجديدة، وأنها سترحب بالتأكيد بأي شكل من أشكال الراحة في الحرب الصينية. لكنها تقول "إنه لا التملق ولا الاتفاقات التجارية ستضمن حلفاء موثوق بهم للصين، خاصة في السياق الذي يعارض الولايات المتحدة".
وتقول الدراسة "إن قليلا من الناس في الشرق الأقصى يرغبون في العيش في ظل الصين المُهيمِنة على آسيا". وقد كان الخوف من هذا المنظور، بحد ذاته، أساسا للبنية الأمنية الأمريكية القوية في الشرق الأقصى التي تقوم على التحالفات الثنائية ونشر الجيش الأمريكي. وهذا يعزز الدعم الواسع في الشرق الأقصى للولايات المتحدة، لتكونَ بمنزلة ثقل استراتيجي موازن في المنطقة.
بطبيعة الحال، فإن معظم البلدان في الشرق الأقصى تفضل عدم اختيار معسكر مُعيَّن بين هذين المُعسكرين علنا. لكن إذا كانت الولايات المتحدة والصين ستشتركان في صراع تجاري ـ اقتصادي ـ استراتيجي مباشر -وهو منظورٌ متزايد الاحتمالية - فإن الولايات المتحدة ستحصل على أكبر قدر من الدعم، خاصة من حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام. ومن المُحتمل أن تُدعم ماليزيا وسنغافورة الولايات المتحدة أيضا.
إذا أرادت الصين أن تكونَ صديقة موثوقا بها في المنطقة المجاورة لها، فسيتعين عليها تقديم مزيد من التنازلات بشأن القضايا الأمنية، خاصة ما يتعلق بنزاعاتها الإقليمية. فعلى سبيل المثال، من شأن التسوية الدائمة للمطالبات المتعلقة بجزر سينكاكو/ديايو أن تُسهم إسهاما كبيرا في إقناع اليابان بأن الصين لا تُمثل تهديدا خطيرا. وبالمثل أيضا، فإن قبول الصين التحكيم الدولي بمطالبها في بحر الصين الجنوبي سيخفِّف من مخاوف جيرانها في جنوب شرق آسيا.
تختتم الدراسة بالقول "إنه إذا ما تم النظر إلى الأمور مثلما هي عليها الآن، فليس هناك ما يشير إلى أن الرئيس الصيني، شي، الذي التزم أن يُعيد الصين إلى عظمتها، لديه أدنى نية لتصور تقديم تنازلات". لكن طالما أن الصين تتبع نهجا تكتيكيا بحتا، فإنها ستجني مكاسب تكتيكية بحتة. أمَّا ما يتعلق بإقامة صداقات فيمكن أن تصمد أمام صراع اقتصادي ـ تجاري ـ استراتيجي مع الولايات المتحدة، فإن هذه المكاسب لن تكون كافية لدعم صراعها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية