Author

النمو ومستقبل التنمية

|
تُجمع المؤسسات الاقتصادية والتنموية العالمية على أن الاقتصاد السعودي سيشهد استمرارا للنمو، على الرغم من التقلبات الحاصلة في السوق النفطية من جهة الأسعار. والنمو في السعودية يستند أساسا إلى "رؤية المملكة 2030"، التي توفر القواعد اللازمة له، وتبني أخرى لمواجهة التطورات والاستحقاقات المستقبلية. ولذلك، فقد وفرت مشاريع داعمة للنمو، وعززت الخطوات الخاصة بتنويع مصادر الدخل. وهذه النقطة تعد الأهم بالفعل على صعيد البناء الاقتصادي في البلاد، وتحقق نتائج كثيرة من خلالها، بما في ذلك ارتفاع حجم مساهمة القطاعات غير النفطية في الموازنة العامة، بينما المتوقع أن تستمر هذه المساهمة في الارتفاع في الأعوام المقبلة، بعد أن تستكمل كل الأدوات. ومن هنا، فإن النمو في السعودية يتشكل بصورة مغايرة وتدريجية عما كان عليه طوال العقود الماضية. لا شك أن النمو في السعودية جاء بصورة رئيسة من خلال زيادة أسعار البترول، بعد أن هبطت بمستويات كبيرة عامي 2015 و2016. وحافظت الأسعار على مستواها الراهن في أعقاب الجهود المباشرة للمملكة على صعيد السوق النفطية، عن طريق التوصل إلى اتفاق خفض الإنتاج الشهير مع البلدان المصدرة للنفط داخل وخارج منظمة الأقطار المصدرة للبترول "أوبك". وهذه الأسعار أسهمت في الواقع في دعم النمو في البلدان النفطية وفي مقدمها الخليجية. فكما هو معروف، فإن دول الخليج العربية تنتج أكثر من 17 مليون برميل يوميا، ولا تزال تعتمد عليه في التنمية والتحولات الاقتصادية. علما بأن مثل هذا الاعتماد متغير بين دولة وأخرى. ولذلك، فإن النمو المتوقع في منطقة الخليج سيتواصل في ظل الحراك التنموي الراهن. بالطبع، هناك مخاوف من تأثير تراجع أسعار النفط في هذا الحراك، لكن أغلب المؤسسات الاقتصادية العالمية تضع 70 دولارا حدا معقولا لسعر البرميل في توقعاتها لمستقبل النمو في هذا البلد أو ذاك. وعلى هذا الأساس، ليس متوقعا أن تهبط أسعار النفط إلى ما دون هذا المستوى، إلا إذا حدثت تطورات خارجة عن النطاق المنطقي لأداء السوق النفطية. يضاف إلى ذلك، علينا التأكيد هنا أن السعودية التزمت بأن تقوم بالسيطرة على توازن السوق بصرف النظر عن أي مبررات. فالمملكة تضع مصلحة الاقتصاد العالمي والنمو في المقدمة، وتنطلق من مسؤولياتها في هذا المجال كدولة محورية، تتمتع بوزن سياسي واقتصادي. ويعتقد صندوق النقد الدولي، أن 70 دولارا مستوى جيد لسعر البرميل في المرحلة المقبلة. على كل حال، هناك تفاوت بين دول منطقة الخليج في عملية التحول الاقتصادي، وفق الرؤى الخاضعة للتنفيذ هنا وهناك. ففي الوقت الذي سيظل فيه النفط عاملا محوريا للنمو الاقتصادي على صعيد المنطقة كلها، يتراجع تدريجيا وبصورة منطقية على الساحة السعودية. فالمشاريع المعززة للنمو خارج نطاق القطاع النفطي تنتشر على الساحة المحلية في المملكة، كما أن هناك مشاريع جديدة تعتمدها السعودية في هذا النطاق، لتحقيق الهدف الرئيس في "رؤية المملكة"، وهو تنويع مصادر الدخل، بما لدى السعودية من إمكانات حقيقية. وسنرى في السنوات القليلة المقبلة، كيف سيفصل النمو شيئا فشيئا عن القطاع النفطي، الذي يشهد أيضا تطويرا تاريخيا كبيرا، من خلال ضخ استثمارات عالية الجودة في قطاع الطاقة كله.
إنشرها