خدمات اعلامية

«أعمارنا يا السليم عواري»

«أعمارنا يا السليم عواري»

بين فينة وأخرى يباغتنا البعض برحيل أبدي، يغيب فيها عن أعيننا، بينما يبقى حضوره طيفا لا يراوح تفاصيلنا، ذهنا وعقلا وقلبا وذاكرة، بل وسندا نلجأ إلى وهج رشده الباقي كلما اشتد بنا الحال وضاقت بنا الآفاق. 
وإذا كان السلوان عزاء لازم الإنسان ليحرره من براثن الحزن على من فقد؛ فإن بعض القامات تبقى حية في النفوس لا يطول هامتها النسيان مهما تسابقت الأيام، وليس هناك من هو أولى من تصدّر تلك القامات أكثر من أبي باسل “سليمان بن عبدالعزيز السليم”، الراسخ اسمه في ذاكرة الوطن، المتربع في أذهاننا بفضائله التي يعجز عن حصرها مداد الكلمات. 
كان راحلنا- رحمه الله وغفر له- ومذ عرفته نبراسا ومعينا لا ينضب من النشاط والحيوية، الشغوف بالتميز، المعتز بهويته، الجسور في الحق، وفوق ذلك كله الثري بخبرته ومعرفته العريضة وسعة أفقه، وغنى تجربته، وانفتاحه نحو الآخر، ما جعل منه مرجعا إنسانيا ومهنيا وقدوة يتخذ من أثرها الجميع مسلكا لبلوغ المجد. 
وإذا كان “المرء على دين خليله” فكيف بمن كان خليله الوزير الفذ “غازي القصيبي” الذي رافق راحلنا الكبير منذ الصبا، وكانا كظل الجسد الواحد، خلقا ومعرفة ومسلكا ومهنية وذائقة، وتكاتفا سويا في مسيرة البناء والتنمية الأولى التي شهدتها المملكة خلال سنوات “الطفرة”، وكونا فيما بينهما “طفرة” بشرية حقيقية بفضل نبوغهما وما تركاه من بصمة راسخة في كل موضع وكل منصب ارتقى بهما. 
إن من عرف راحلنا “سليمان السليم” عن قرب، يدرك وبعد مرور عامين على رحيله، بعد أن أدى الأمانة ووفى بعهده، أي جرح غائر وأي وجع دام، تركه ترجله عن رفاقه ومريديه وأحبته على نحو مفاجئ، بعد رحلة طويلة من الرفقة والبهجة والإيثار التي طالما تحلى بها، ولطالما بقيت قيمه المعنوية والأخلاقية والإنسانية حية في نفسه الطيبة المطمئنة، ينثر بها على كل من حوله، ونراها وقد تسربت إلى أبنائه وبناته الأفاضل “لينا، باسل، لميس، سارة، ماجد وعبدالعزيز”، الذين كانوا بحق خير خلف لخير سلف. 
في الختام؛ فإنني أخاطب “أبا باسل” بما خاطب به الراحل رفيق دربه “غازي القصيبي” عند رحيله مستلهما من ذاكرته الشعبية، فأقول: “أعمارنا يا السليم عواري”. 
وقد أصاب الفيلسوف الكبير أبو العلاء المعري عندما قال: 
تعب كلها الحياة فما
                  أعجب إلا من راغب في ازدياد
ضجعة الموت رقدة يستريح
                 الجسم فيها والعيش مثل السهاد
 رحم الله أبا باسل وأسكنه فسيح جنانه.

رئيس مجلس إدارة مجموعة «سامبا» المالية    
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من خدمات اعلامية