Author

منتدى «أسبار» ما بين الابتكار والاندثار

|
تميز منتدى "أسبار" لعام 2018 بتنظيم رائع وجلسات متنوعة، وعدد كبير من المشاركين من خلفيات علمية وعملية مختلفة. ومن ضمن الجلسات التي جذبتني بقوة، من منطلق اهتمامي العلمي، ومجال عملي كعميد سابق للبحث العلمي بالجامعة تلك الجلسة الموسومة بجلسة مناقشة حول التقرير العاشر للتنمية الثقافية، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، بعنوان "الابتكار أو الاندثار.. البحث العلمي العربي"، وكم تمنيت أن يكون المشاركون في الجلسة من ذوي الخبرة والاختصاص والاهتمام بشؤون البحث العلمي في الوطن العربي. وفي الحقيقة، عندما يأتي ذكر مؤسسة الفكر العربي، يبرز في الذهن مؤسسها المبدع الأمير خالد الفيصل الذي تميز بمبادراته الثقافية الإبداعية مثل سوق عكاظ ومؤسسة الفكر العربي وغيرها، علاوة على إسهاماته الشعرية المميزة والرائعة التي تستحق الثناء. وعودا على التقرير، فقد وفقت مؤسسة الفكر العربي في اختيار موضوع تقرير هذا العام. فلا أحد يشك أن البحث العلمي هو السبيل الوحيد للتقدم والنمو الاقتصادي والإسهام في الحضارة الإنسانية. وقد جاء عنوان التقرير صادما للقارئ لأول وهلة، ولكن الصدمة أحيانا ضرورية للتنبيه وقرع جرس الإنذار. فتشكر مؤسسة الفكر العربي على تخصيصها تقرير عام 2018 للبحث العلمي، وهذا يعكس نجاح هذه المؤسسة في توجيه الاهتمام العربي نحو الموضوعات المصيرية المهمة. والصدمة الأولى التي تبرر اختيار عنوان التقرير أن مجموع براءات الاختراع الممنوحة لجميع الدول العربية من قبل مكتب البراءات الأمريكي لا تتجاوز 2890 براءة اختراع إلى 2015، وهو ما يمثل 0.05 في المائة من إجمالي براءات الاختراع الممنوحة في جميع أنحاء العالم. ولكن مما يبعث الأمل أن هناك دولا عربية حققت إنجازات علمية مميزة، فعلى سبيل المثال، تمثل براءات الاختراع الممنوحة للباحثين في المملكة نحو 64 في المائة من جميع براءات الاختراع الممنوحة للدول العربية مجتمعة، مع أنني كنت أتمنى الاعتماد على إحصاءات منظمة الملكية الفكرية الدولية، وليس مكتب البراءات الأمريكي وحده. وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي تضمنها التقرير، فقد كان فقيرا للإحصاءات الشاملة والحديثة. وقد نتج ذلك بسبب غياب منهجية موحدة لإعداد الدراسات التي اشتمل عليها التقرير، فعلى سبيل المثال، جاء استعراض إحصاءات الدول العربية ناقصا، فكل كاتب فصل من فصول التقرير يتناول الموضوع بطريقته الخاصة دون الالتزام بإطار إجرائي موحد. علاوة على ذلك، فإن إحصاءات الإنفاق على البحث العلمي تبدو فقيرة وغير دقيقة، فمعظم البيانات مفقودة لكثير من الدول العربية، ولم يظهر التقرير حجم الإنفاق النقدي على البحث العلمي، وإنما اكتفى بنسبة الإنفاق من الناتج المحلي الإجمالي. ومن أمثلة عدم الدقة أن التقرير يشير إلى أن نسبة الإنفاق على البحث العلمي في المملكة تقدر بنحو 0.07 في المائة من الناتج المحلي خلال الفترة "2003 ــ 2009". كما افتقر التقرير إلى إحصاءات تفصيلية عن أداء جميع الدول العربية في مؤشر الابتكار العالمي، مقارنة بدول مرجعية تتماثل مع الدول العربية في المستويات التنموية، يتم اختيارها وفق معايير واضحة دون الاقتصار على إسرائيل فقط. كما أن التقرير لم يول اهتماما كافيا للإحصاءات المتوافرة في قاعدة تومسون رويتر "شبكة العلوم". كنت أتمنى تخصيص جزء مناسب لمناقشة أولويات البحث العلمي في الدول العربية بتفصيل أكثر مما ورد في التقرير، وذلك بناء على المستويات التنموية والإمكانات البشرية والطبيعية المتوافرة في الدول العربية. كما كنت أتمنى أن ينادي التقرير لإطلاق مؤشر الاستشهاد العربي Arab Citation Index الذي سبق أن اقترحته ــ وغيري ــ مرارا عديدة خلال السنوات الماضية، ليرصد النشر في الدول العربية، ويوفر تقييما دقيقا لمستوى جودة البحث العلمي من خلال حساب عدد الاستشهادات لكل بحث، ولكل باحث، ولكل دورية علمية على حد سواء. ولا شك أن عملا عظيما كهذا يتطلب شراكات بين المؤسسات المعنية بالفكر والبحث العلمي مثل مؤسسة الفكر العربي وجامعة الدول العربية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وأخيرا آمل أن يكون هذا التقرير انطلاقة لمبادرات "نوعية" تشمل الدول العربية وتستفيد من الإمكانات والكفاءات البشرية في الجامعات العربية.
إنشرها