Author

زيادة فعالية نظام رسوم الأراضي البيضاء

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
شهدت السوق العقارية المحلية طوال العامين الماضيين، استجابة بدرجة جيدة للإصلاحات الهيكلية التي تمت عليها، انعكست آثارها بشكل ملموس على انخفاض حدة الاحتكار والمضاربات على الأراضي بمساحات شاسعة، أثبتها انخفاض قيمة الصفقات العقارية بنحو 70 في المائة خلال الفترة بين 2014 - 2018، وأثبتها أيضا انخفاض الأسعار في المتوسط لمختلف الأصول العقارية، السكني تحديدا، خلال الفترة نفسها بنحو 30 في المائة، قابلها في الوقت ذاته تصاعد وتيرة النمو الاقتصادي المحلي بمعدلات جيدة، وتحسن بقية مؤشرات أداء الاقتصاد الوطني، الأمر الذي كان متوقعا، لما كانت تشكله السوق العقارية بوضعها السابق من عبء كبير على بيئة الاستثمار المحلية، تفرغت خلاله القوى الفاعلة في السوق العقارية لمجرد احتكار الأراضي، والمضاربات المحمومة على ما أتيح منها من مساحات محدودة؛ طمعا في رفع مستويات الأسعار وتضخمها، وهو ما أصبح أغلبه في طي النسيان بالنسبة لتعاملات السوق العقارية المحلية، بفضل السياسات والإصلاحات الصارمة التي تم تطبيقها على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى السوق العقارية بشكل خاص، ويؤمل أن يستمر أثرها مستقبلا حتى تكتمل نتائج الإصلاحات الهيكلية الراهنة، ونشهد جميعا خروجا من كثير من الأزمات والتحديات التنموية الكأداء، التي طالما عاناها الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، ولعل من أكبرها أزمة تملك المساكن لكثير من شرائح المجتمع السعودي. كان من أهم السياسات وبرامج الإصلاح التي تم تطبيقها على السوق العقارية المحلية - إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء؛ محاربة لاحتكار الأراضي والمضاربات عليها، وللدفع بها نحو الاستخدام والتطوير؛ تلبية لاحتياجات الاقتصاد والمجتمع، وتحريرها من قبضة الاحتكار والمضاربة والمبالغات غير المقبولة على مستويات أسعارها، التي تسببت في وجود أزمة تملك الأراضي والمساكن لأغلب شرائح المجتمع، وما تسبب على أثرها من ارتفاع مبالغ فيه لتكلفة الإيجارات، أدت إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل، وارتفاع تكلفة المعيشة دون وجود ما يبرر ذلك على أرض صلبة، إلا أن هذا الإقرار لنظام رسوم الأراضي قابله نوع من البطء غير الموافق لحالة الأزمة، التي نمر بها جميعا، ويؤمل أن يشهد مزيدا من التقدم والفعالية اللازمة، التي تتوافق مع حجم واتساع نطاق هذا التحدي التنموي الكبير. فحتى تاريخه، اكتمل 30 شهرا منذ أول إعلان عن بدء تطبيق المرحلة الأولى من نظام رسوم الأراضي البيضاء في كل من الرياض وجدة وحاضرة الدمام، وتشمل تلك المرحلة الأولى من النظام الرسوم وفقا لما حددته اللائحة التنفيذية لرسوم الأراضي البيضاء: الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، الواقعة ضمن النطاق الذي تحدده وزارة الإسكان. فيما تشمل المرحلة الثانية: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. بينما تشمل المرحلة الثالثة من مراحل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على خمسة آلاف متر مربع. أخيرا، تشمل المرحلة الرابعة: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. وحسبما ورد في النظام واللائحة التنفيذية؛ إذا لم تنطبق مرحلة معينة على أي من المدن، أو لم تكف الأراضي ضمن مرحلة معينة لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، فيجوز بقرار من وزير الإسكان تجاوز تلك المرحلة والانتقال إلى المرحلة التالية. ووفقا لأحدث البيانات المنشورة على موقع وزارة الإسكان، وصل عدد الأراضي تحت مظلة المرحلة الأولى من نظام رسوم الأراضي البيضاء حتى تاريخه في المدن الأربع المذكورة أعلاه إلى 863 أرضا، بمساحات إجمالية بلغت أعلى من 426.5 مليون متر مربع، أصدرت وزارة الإسكان تجاه ملاكها 1200 رسم، وبلغت مساحات تلك الأوامر المصدرة إلى نحو 411.5 مليون متر مربع. إن اعتراف وزارة الإسكان في تقريرها السنوي الأخير 2017، الذي تمت مناقشته أمام مجلس الشورى مطلع العام الجاري، بضعف العوائد المالية لمتحصلات الرسوم على الأراضي البيضاء، يعبر عن حقيقة ضعف نتائج ما تم تطبيقه بشكل محدود جدا لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء. ما يدعوها بالضرورة إلى سرعة مبادرتها نحو تطبيق المراحل التالية للنظام، على أقل تقدير المرحلتين الثانية والثالثة؛ نظرا لما ما زالت تشكله أزمة تملك المساكن من تحد تنموي جسيم جدا أمام الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء. إن مطالبة كثير من العقاريين خلال العام الأخير بإيقاف العمل بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، نظرا لعدم نجاحها حتى تاريخه في تحقيق الأهداف التي لأجلها وضع النظام، تعد اعترافا صريحا من الأطراف الفعلية في السوق العقارية بضعف المردود المتحقق من "التطبيق الفعلي" للنظام، وتعد أيضا قفزا على الحقائق من زاوية أخرى، ذلك أن تلك الأصوات العقارية تعلم تمام العلم أن النظام لم يتم تطبيقه بالكامل! وما استعجالهم المطالبة بوقفه قبل تطبيقه بالكامل، إلا لعلمهم يقينا أن استكمال تنفيذ بقية المراحل وتطبيقها بشكل صارم، سيحقق النتائج والأهداف التي وضعها النظام، وهو ما يتعارض جملة وتفصيلا مع مصالحهم الضيقة، التي لا تتناسب مع المصلحة العامة التي ستتحقق حين التطبيق الكامل لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء. يجب أن تدرك وزارة الإسكان على أعلى قدر من مسؤولياتها تجاه الاقتصاد الوطني والمجتمع، أن استكمال تنفيذ المراحل التالية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، يحتل مرتبة أسبق بكثير من جميع برامجها الراهنة، التي جاءت وليدة مبادرات داخلية من الوزارة ذاتها، في الوقت ذاته الذي يحظى نظام الرسوم على الأراضي البيضاء بقوة صدوره من أعلى جهات الدولة - أيدها الله -، وأن تدرك أيضا أن أول شروط نجاح أي مبادرات وبرامج منها لأجل تجاوز أزمة تملك المساكن بين المواطنين، هو مرهون بالدرجة الأولى بنجاح تطبيقها لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، التي ستكفل لها عودة الأسعار المتضخمة جدا لمختلف الأصول العقارية وإيجاراتها المتضخمة إلى المستويات العادلة، والمقبولة لدى عموم شرائح المجتمع، وأن لا مجال لتجاوز تلك الأزمة التنموية الكأداء، إلا بانخفاض تكلفة تملك المساكن والأراضي. والله ولي التوفيق.
إنشرها