Author

تنمية الادخار الوطني وبرنامج «زود»

|
كاتب ومستشار اقتصادي
بالتزامن مع اليوم العالمي للادخار الذي يوافق اليوم الأخير من شهر أكتوبر كل عام؛ أطلق بنك التنمية الاجتماعية "بنك التسليف والادخار سابقا" أخيرا برنامج الادخار الوطني الأول تحت مسمى برنامج "زود". ويهدف البرنامج إلى تنمية سلوك الادخار وزيادة وعي المستهدفين في البرنامج، لاتخاذ القرارات المالية الصحيحة ودعمهم في بناء خططهم المالية الشخصية. اجتماعيا، الادخار ثقيل على النفس، وليس أثقل منه سوى الحديث عن أهميته للناس الذين اعتادوا على الاستهلاك المفرط والكبير، عملا بمبدأ "اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب"، فما أن تبدأ بالحديث لأحدهم عن أهمية وضرورة الادخار إلا وتسمع عبارات "وهل يكفي الراتب للاحتياج حتى أدخر"؛ و" كيف أدخر والإيجار يقتص 30 في المائة من الراتب"؛ و"كيف أدخر مع ارتفاع فاتورة البنزين وارتفاع الكهرباء... إلخ". ورغم أن المبررات التي يسوقها الناس للتملص من الادخار حقيقية ولها وجاهتها، إلا أن الادخار كسلوك لدى السعوديين شبه مفقود، فحسب بدر الجارد مدير إدارة الادخار في بنك التنمية الاجتماعية، فإن معدل الادخار لدى السعوديين لا يتجاوز 16 في المائة من إجمالي الدخل، بينما تصل النسبة المتوسطة في دول الخليج إلى 29 في المائة، وفي الدول المتقدمة إلى 52 في المائة. اقتصاديا، يمكن النظر إلى الادخار من جانبين، الأثر الجزئي في الشخص المدخر، والأثر الكلي في الاقتصاد، من ناحية الشخص المدخر فإن فالادخار اليوم ما هو إلا تعظيم للاستهلاك غدا "لاحظ أننا نتحدث عن الادخار لا الاكتناز"، وللمثال لو أن الشخص الذي دخله خمسة آلاف ريال ادخر 1000 ريال هذا الشهر فإنه يستطيع استهلاك 6 آلاف في الشهر المقبل أو الذي يليه عند حاجته، أو ربما استثمر هذه المدخرات لتحقق له عوائد أفضل في المستقبل يستهلكها عند تقاعده. وعلى العكس فإن الاقتراض ما هو إلا ادخار بالسالب، فالشخص الذي راتبه خمسة آلاف ريال واقترض اليوم فهذا يعني تنازله عن جزء من استهلاكه غدا بما يساوي القسط الذي يخصم عليه بسبب تعظيمه لاستهلاكه اليوم في مقابل التضحية بجزء من استهلاكه غدا. من المثال السابق يتضح أن الإفراط في القروض الاستهلاكية هو نقيض لسلوك الادخار، والحقيقة أن الشخص يستغرب أن يتقاعد بعض الموظفين بعد خدمة 35 سنة وليس عنده ولا ريال واحد من الادخار، بل إن بعضهم يتقاعد ويستمر في سداد قروضه الاستهلاكية من راتبه التقاعدي الذي لولا إلزاميته من قبل الحكومة لخرج بعض الناس مدينا يتسول الناس بعد خدمة تزيد على ثلث قرن من عمره المنتج "وأتحدث هنا عن القروض الاستهلاكية لا عن القروض الاستثمارية أو القروض لشراء أصول مادية كالسكن وغيره". على المستوى الكلي، يعتبر الادخار هو الوسيلة الأمثل والأهم لزيادة المشاريع الإنتاجية في الاقتصاد، فالادخارات الصغيرة من الموظفين والعمال في المصارف ستقرض للمستثمرين، بما يزيد عدد المشاريع المنتجة ويقود إلى زيادة الإنتاج الذي بدوره يزيد التوظيف الذي بدوره يزيد الدخول في المجتمع، في تسلسل منطقي تقوده مصالح الأفراد وتحركه "اليد الخفية" بحسب آدم سميث الذي يسمى أبو الاقتصاد. وبالعودة إلى برنامج "زود"، فرغم أنه جيد كفكرة وحوافز، إلا أن شرطه الأول هو أن يكون المشترك المؤهل لدخول البرنامج مستحقا لقرض بنك التنمية الاجتماعي سيجعل الاستفادة منه ضئيلة جدا، فالشريحة التي يستهدفها البرنامج ليس لديها ما تدخره ولن تستطيع الادخار وهي تدفع أقساطا مقابل قرض البنك الاجتماعي. والمأمول أن يعيد برنامج "زود" النظر في شروطه وأن يوسع دائرة المؤهلين للدخول فيه لتشمل طلاب الجامعات والشباب الذين بدأوا للتو عملهم الذاتي الخاص والأسر التي يقل دخلها السنوي عن حد معين. كما يؤمل من البرنامج أن يوسع دائرة شراكاته مع المصارف لإيجاد أوعية ادخارية متنوعة تناسب مختلف الشرائح، ولا يقتصر على مصرف واحد فقط كما أعلن أمس الأول مع إطلاق البرنامج. وأختم بأن على البرنامج والقائمين عليه السعي لنشر ثقافة الادخار وتبيان أهميته وغرس سلوك الادخار لدى الناشئة في المدارس والجامعات والكليات؛ ومتى وجد السلوك لدى البعض فسينتقل تدريجيا إلى البقية، وسأعتبر شخصيا أن البرنامج نجح بدرجة كبيرة لو نجح ولو جزئيا في غرس سلوك الادخار، وأرجو أيضا ألا يحبط موظفو بنك التنمية ولا يملوا لو لم يجدوا استجابة مباشرة من الناس، لأن تغيير السلوك ليس بالأمر الهين ولا اليسير، الذي يتوقع حدوثه بين يوم وليلة.
إنشرها