ثقافة وفنون

هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الشعراء والفنانين؟

هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الشعراء والفنانين؟

هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الشعراء والفنانين؟

يتناول كثير من أفلام الخيال العلمي جوانب مختلفة من الذكاء الصناعي، مثل الروبوتات والآلات التي تعتمد على إنترنت الأشياء، فتساهم في تشكيل رأي حول هذه التقنيات قبل أن تتبلور فكرتها وتظهر بشكل جلي وواضح على أرض الواقع.
وبالرغم من فائدة الذكاء الاصطناعي على كل الأصعدة، إلا أن هناك تخوفا ورعبا يخشاه كثير، حينما يتم تطويره لدرجة قضائه على عدد كبير من الوظائف التي يشغلها البشر، ليطرح تساؤلات أيضا حول استثماره في الجانب الثقافي.

تطور لا يمكن التكهن به
يبدو أن الوقت لا يزال مبكرا للوصول إلى مرحلة الخوف من الذكاء الصناعي بشكل وجودي، لكن البشر بطبيعة الحال لا يثقون به، أو على الأقل بالنسبة للروبوتات، أحد الجوانب المهمة للذكاء، ولا يثقون بأنه يمكنها التفكير بنفسها، أو الحلول مكان الإنسان في وظائف محددة.
ورغم صعوبة التكهن بكل التطورات الممكنة للذكاء الصناعي، الذي يتطور باستمرار، إلا أنه ساهم في مجالات كنا نظن أن دخولها ضرب من المستحيلات، مثل الترجمة، فنظام الترجمة "جوجل ترانزليت" استطاع إيجاد روابط بين لغات حية لم تكن مرتبطة ببعضها داخل النظام، مثل برمجة نظام الترجمة بكيفية الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، والترجمة من الإنجليزية إلى الإسبانية، ولكن لم يقم أحد ببرمجتها بالترجمة من العربية إلى الإسبانية، لتقوم الشبكة باكتشاف الترابط غير المباشر من خلال اللغة الإنجليزية، وابتكار آلية ترجمة مباشرة دون وسيط تعتمد على ترابط منطقي للنظام من العربية إلى الإسبانية، وبكفاءة مميزة جدا.

المتاحف بتقنية التجول الافتراضي
مطلع هذا العام، تحدثت مديرة مختبر "آرت لاب" سارة كندردين عن نموذج استخدام الذكاء الصناعي في المنتج الثقافي، وتناولت في حديثها نموذج ثقافة 3.0، الذي يركز على توزيع العمل الثقافي بين منتجي ومستهلكي الثقافة، من خلال ابتكار البيانات التي تسهم في رقمنة المنتج الثقافي، ليصبح متاحا بشكل أوسع للجميع.
وعلى أرض الواقع، كانت "جوجل" سبّاقة في استخدام الذكاء لخدمة الثقافة، ولعل حديث مدير معهد جوجل الثقافي "أميت سود" كان مطمئنا إلى حد ما، حينما كشف أن محرك البحث والشركة العملاقة "جوجل" لها دور في ابتكار فرصة لتصميم حيز مشترك لاستخدام التقنيات الحديثة، ما يساهم في انتشار المنتج الثقافي، ومع إطلاق "جوجل آرت" الذي يضم أكثر من 1500 متحف حول العالم، طوّرت جوجل قاعدة بيانات كاملة عن هذه المتاحف.
وتستفيد جوجل من تقنيات الواقع الافتراضي لتتيح وصول المتاحف إلى التقنيات الحديثة، وفتح المجال أمامها للتعاون مع مهندسي جوجل، ما يجعل الفنون متعة للجميع، حتى أولئك الذين لا يفهمون الفنون والثقافة.
ولا شك أن ميزة التجول الافتراضي في المتاحف، جعلت الملايين حول العالم يطلعون على الثقافات المختلفة التي تمتد لأكثر من ستة آلاف سنة، والتجول في المتاحف دون تكلف عناء السفر، أو التعرض لمخاطر، مثلما يكون الحال حينما يتجولون في المتحف الوطني العراقي ببغداد على سبيل المثال.
المشروع الذي بدأ لأول مرة عام 2009، ساهم في تشكيل الوعي الثقافي للملايين حول العالم، وجعل المنتج الثقافي أكثر متعة من ذي قبل.

لن يحل محل «الشعراء»
على أرض الواقع، نجد أن الذكاء الصناعي ساهم في وجود سيارات بلا سائق على سبيل المثال، ما يعني بداية التخلص من مهنة السائق، ولو جزئيا. وفي الحقيقة، ستحل تقنية الذكاء الصناعي تدريجيا محل العمال والموظفين، مهما كانت صعوبة هذه الوظائف، فهذه التقنية قادرة على الفهرسة، والترجمة، والصناعات المختلفة، وحتى قراءة الأشعة السينية، وتتوسع لتشمل مهنا أخرى، لكن هناك وظائف لن يطالها، على الأقل ثقافيا.
فالوظائف "الإنسانية" التي تقوم على الإبداع والابتكار والأفكار النيّرة لن تحيل الشاعر والروائي إلى التقاعد؛ بل على العكس ستؤدي إلى انتشار المنتج الثقافي والتراث عبر الحدود، والحفاظ على الملكية الفكرية لكل أوعية الثقافة وأدواتها، وسيصبح لها دورا في قيم التسامح والحوار والتبادل الحر للأفكار.
وبحسب خبراء التقنية، فإن حضور الذكاء الصناعي لن يكون على حساب الثقافة، ولا سيما أن أدواته تم توظيفها لخدمة الثقافة، مثل تقنية القارئ الإلكتروني، واستخدام الذكاء في مجال بيع المنتجات الثقافية، إلى جانب التقنيات المساندة، التي ستمنع من ظهور الشائعات، والتحقق من مصادر المعلومات في شتى المجالات المعرفية.

تهديد للفن التشكيلي
آخر ما كان يتوقعه التشكيليون أن يهددهم الذكاء الصناعي، فبحسب موقع (thelocal.fr) الفرنسي، استطاع ثلاثة فرنسيين لا تتجاوز أعمارهم 25 عاما، أن يرسموا أعمالا فنية للوهلة الأولى يمكن أن تظنها قطعا رسمتها اليد الإنسانية.
إنشاء اللوحات الفنية التي يرسمها الروبوت أو التقنيات الحديثة نال شهرة عالمية، حتى بات يجمع هذه اللوحات معرض يطلق عليه اسم (RobotArt) الذي يقام سنويا، ومنها الشركة التي أسسها الفرنسيون الثلاثة باسم "أوبيديت"، وتستخدم الذكاء الصناعي لإنشاء اللوحات، وستكون الشركة الأولى في العالم التي تنظم مزادات عالمية لبيع هذه اللوحات الفنية "الآلية".
بداية هذه الشركة الفرنسية هو تحميل الفرنسيين الثلاثة نظاما تقنيا، باستخدام 15 ألف لوحة رسمت بين القرنين الـ14 والـ20، ليتمكن البرنامج لاحقا من قراءتها والبدء في إنشاء لوحات فنية.
ومما يثير الدهشة، أن "فن الإنسان الآلي" له محبون وعشاق، فهو متقن لدرجة خداع المتاحف، لقدرته على محاكاة الإبداع وتقليد اللوحات الأصلية، ليصبح هناك لوحات تعرض في المزادات بيد الإنسان، وأخرى بيد الإنسان الآلي.
إحدى اللوحات المرسومة بيد الآلة تقدّر قيمتها بعشرة آلاف دولار، ستعرض في مزاد "كريستيز" الشهير، الذي يقام في مدينة نيويورك خلال شهر أكتوبر المقبل، وهي تظهر رجلا فرنسيا شجاعا يرتدي ملابس على طراز عصر النهضة، بذلك يكون الرسامون أول ضحايا الذكاء الصناعي في المجال الثقافي والمعرفي.

اهتمام اليونسكو بالذكاء الصناعي
على الموقع الإلكتروني لمنظمة اليونسكو، تقول أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو أن "الذكاء الاصطناعي" يُغيّر وجودنا بشكل أعمق مما نتخيله، ففي مجال الثقافة، أصبح الذكاء الصناعي مطلوبا جدا، كما هو الحال بالنسبة للتصوير بثلاثة أبعاد في إعادة بناء التراث، وسنطبقه في مدينة الموصل العتيقة في العراق".
لكن أزولاي تستدرك قائلة "لكنه يشكّل أيضا تهديدا، لأن تعميم الآلية والرقمنة يحدثان اختلالات جديدة، وقد يتسببان في الحد من التنوع في الصناعات الثقافية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون