Author

في لقاء وزير العمل

|
كاتب ومستشار اقتصادي
بعد نحو أربعة أشهر من تسلمه حقيبة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، خرج الوزير أحمد الراجحي في لقاء صريح وشفاف وواثق يوم الإثنين الماضي مع عبدالله المديفر في الحلقة الأولى من برنامجه الجديد "في الصورة". وكرجل جاء من خلفية الأعمال التي تتسم بالعملية بدلا من الوعود، فقد استبق الوزير الراجحي خروجه للعلن في اللقاء الأول له بإطلاق وزارته يوم الأحد لـ68 مبادرة جديدة لدعم التوظيف والتوطين والتدريب وتحسين بيئة الأعمال بحضور عدد من المسؤولين والكتاب والاقتصاديين ورجال الأعمال. قال وزير العمل في حديثه إن وزارته لن تبحث اليوم عن سعودة الأرقام، وهذا توجه جيد من الوزارة، فسعودة الأرقام والسعودة الوهمية وسعودة "الفود ترك" ليست سعودة حقيقية، وكانت إفرازاتها سيئة خلال السنوات العشر الماضية، بل إن علاج آثارها أشغل الوزارة وأربك عملها وأساء لصورتها كمشرع ومراقب وضابط لسوق العمل في المملكة. الراجحي تحدث أيضا عن أن التوظيف أو حل مشكلة البطالة البالغة نحو 13 في المائة ليست مشكلة وزارة العمل فقط، بل هي مشكلة الحكومة كلها، لأن كل الوزارات والقطاعات الحكومية معنية بالبطالة، وهذا كلام صحيح، فوزارة العمل ليست معنية بإيجاد الوظائف، إلا أنها بالتأكيد مسؤولة عن توطين الوظائف الجديدة في السوق أو تلك المشغولة بغير مواطنين. الوزير استبعد أيضا وضع حد أدنى للأجور حاليا، وهو أمر جيد، فلا يمكن في معمعة التوطين وفرض السعودة كليا أو جزئيا حاليا في القطاع الخاص الحديث عن تحديد حد أدنى للأجور، لأنه سيكون عائقا أو مانعا لعملية التوطين التي تفرضها الوزارة حاليا بتدرج وحسب جدول زمني معلن. الراجحي تحدث كذلك عن الدليل المفصل لتوظيف المرأة للقضاء على اختلاف الشروط المتعلقة بتوظيف المرأة بين الجهات الحكومية والخاصة، وهذا تنسيق جيد وداعم لتوظيف المرأة التي تشكل بطالتها الجزء الأكبر من أرقام البطالة، كما تحدث عن إعادة تأهيل التخصصات التي لا تتناسب مع سوق العمل حاليا. النقطة التي أثارها الكاتب القدير خالد السليمان في البرنامج، وهي تخفيض نسبة التوطين الموجه من 100 في المائة إلى 70 في المائة، هي ما نختلف عليه مع وزير العمل، ولم يكن تبريره لتخفيض النسبة موفقا، لأن التخفيض تشجيع للتستر، فالأجنبي باق ويملك والسعودي سيكون واجهة فقط، كما أعادت هذه الخطوة أو نقلت برنامج التوطين الموجه إلى أن يكون جزءا من برنامج نطاقات، وهو ما يعيدنا لمربع السعودة الوهمية من جديد. هناك أيضا موضوع مهم لم يتطرق له الوزير في لقائه، وهو لجوء الشركات ومؤسسات القطاع الخاص الكبرى لتنفيذ أعمالها كلها أو جلها عن طريق "عقود الباطن Outsourcing"، وبالتأكيد، فإن طموح الشباب هو التوظف في الشركات الكبرى وليس الشركات الصغيرة التي تسند لها الشركات الكبيرة أعمالها عن طريق "عقود الباطن"، فهذه الشركات الصغيرة ليست طموح الشباب ولا تدربهم ولا تعطيهم شيئا، إنما وظفتهم فقط لمقابلة نسبة السعودة في "نطاقات" لا أكثر. وباستعراض جهود الإصلاح لتشوهات سوق العمل في المملكة، يتضح أنها مرت بمراحل كثيرة، وللأسف لم تنجح هذه الجهود ولو في تعديل القليل من التشوه، ومنذ القرار الشهير رقم 50 في 1415هـ الذي أجهض تطبيقه سريعا، مرورا بإجهاض سعودة سيارات الأجرة العامة الذي كان مقررا في سنة 1425هـ، وكذلك إجهاض سعودة سوق الذهب ثم سعودة سوق الخضار المعطل بدوره منذ 15 عاما، وغيرها وغيرها كثير، يتضح أن سوق العمل تحتاج إلى كثير من التشريعات والحزم في التطبيق. والخلاصة، إن حديث وزير العمل الجديد في لقائه الأول جاء مشجعا ومتفائلا وشفافا، أوضح نقاطا وتجاوز أخرى، إلا أن تخفيض أرقام البطالة تدريجيا حتى تصل إلى 7 في المائة كما وعدت به "رؤية المملكة 2030"، سيكون هو الحكم الأكيد على نجاح وبراعة الوزير الراجحي وفريقه، مع خالص الدعاء والأماني لهم بالتوفيق.
إنشرها