default Author

ثبات النمو العالمي مع بدء تحقق المخاطر الاقتصادية «2 من 2»

|

نحن لا نعتقد أن التطورات الأخيرة تدخل في إطار تراجع عام من المستثمرين عن الاستثمار في الأسواق الصاعدة والرائدة، كما لا نتوقع أن تنتقل تداعيات الحالات الصعبة الحالية بالضرورة إلى البلدان ذات الأساسيات الاقتصادية القوية. وهناك كثير من الاقتصادات الصاعدة قادرة على تسيير أمورها بشكل جيد نسبيا – في ظل التضييق العام الذي تواجهه – وذلك باستخدام أطر راسخة للسياسة النقدية تستند إلى مرونة أسعار الصرف. ولكن لا شك في أن قابلية تعرضها للصدمات العالمية الكبيرة ارتفعت أخيرا. وأي انعكاس حاد في مسار الأوضاع في الأسواق الصاعدة سيشكل تهديدا كبيرا على الاقتصادات المتقدمة؛ نظرا لأن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تشكل نحو 40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العالم بأسعار الصرف السائدة في السوق.
ومن مخاطر التطورات السلبية الأخرى، التي تبدو أكثر بروزا في الأجل القريب، تلك المخاطر المتعلقة بحدوث مزيد من الارتباك في السياسات التجارية. فهناك اثنتان من الاتفاقيات التجارية الإقليمية الرئيسة تمران بحالة من عدم الاستقرار – وهما اتفاقية التجارة المشتركة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي تنتظر إقرارها تشريعيا، واتفاقية الاتحاد الأوروبي، في ظل تفاوض الاتحاد الأوروبي بشأن شروط خروج بريطانيا. وقد تتسبب التعريفات الجمركية الأمريكية على الصين، وبوجه أعم على واردات السيارات وقطع غيارها في إرباك سلاسل الإمداد الراسخة، خاصة إذا ما قوبلت بإجراءات انتقامية.
ونتيجة لهذه التطورات، حدثت طفرة أخيرا في مؤشرات عدم اليقين القائمة على الأخبار المتداولة بشأن السياسات، حتى إن ظلت أسواق الأصول في البلدان المتقدمة لا تلقي اهتماما كبيرا لها. ويتزايد حاليا وضوح آثار السياسة التجارية وعدم اليقين المحيط بها على مستوى الاقتصاد الكلي، بينما تتزايد الشواهد الواقعية على الضرر الواقع على الشركات من جرائها. فالسياسة التجارية انعكاس للأوضاع السياسية، ولا تزال الأوضاع السياسية غير مستقرة في عديد من البلدان، ما يهدد بمزيد من المخاطر.
ولقياس حدة المخاطر التي تحيق بالنمو، يجب أن نتساءل عن كيفية استجابة الحكومات في حالة تحقق المخاطر، ووقوع حالة من الركود واسع النطاق. والجواب غير مطمئن؛ فآليات التعاون العالمي بشأن السياسات على أساس متعدد الأطراف تتعرض للضغوط، ولا سيما في التجارة، وتحتاج إلى التعزيز. ولا تملك الحكومات الذخيرة على مستوى السياسات النقدية والمالية العامة بالقدر نفسه الذي كان لديها وقت اندلاع الأزمة المالية العالمية منذ عشر سنوات، وبالتالي فهي بحاجة إلى بناء هوامش أمان في ماليتها العامة، وتعزيز صلابتها بطرق إضافية، بما في ذلك تحديث آليات التنظيم المالي، واعتماد إصلاحات هيكلية تزيد من ديناميكية قطاع الأعمال وسوق العمل. ورغم احتمال ضيق "الحيز السياسي" المتاح في بعض البلدان، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى توافق في الآراء بشأن السياسات السليمة، فليس هناك وقت أفضل من الآن للعمل الإيجابي.

قوى طويلة الأجل
نظرا لأجواء عدم اليقين السائدة في الوقت الراهن، فمن السهل جدا أن نغفل عن القوى والتحديات الأطول أجلا، التي أوصلتنا إلى مفترق الطرق الاقتصادية والسياسية في الوقت الحالي، والتي ستشكل المستقبل في الأجل الأطول. ولعل أكبر تحد مستمر بالنسبة لكثير من الاقتصادات المتقدمة هو المعدل البطيء لنمو دخل العاملين، والتراجع المتصور في درجة الحركية الاجتماعية، إضافة إلى عدم كفاية إجراءات السياسة المتخذة في بعض البلدان لمواجهة التغير الاقتصادي الهيكلي. أما اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فهي متنوعة، وتواجه مجموعة من التحديات الأطول أجلا، تراوح بين تحسين بيئة الاستثمار، والحد من ازدواجية سوق العمل، وتطوير النظام التعليمي. وبينما تلوح مخاطر تغير المناخ بعيدا في الأفق فإنها تتفاقم بسرعة.
وبغض النظر عن مستوى الدخل، ينبغي لكل البلدان تهيئة القوى العاملة فيها للتعامل مع أشكال التغير في طبيعة العمل التي ستفرضها التكنولوجيا الجديدة. وقد أصبح ضمان تحقيق النمو الاحتوائي أهم الآن أكثر من أي وقت مضى. وما لم يكن بالإمكان جعل النمو أكثر احتوائية مما كان، فستتزايد مواطن الخطر المحيطة بالإجراءات الوسيطة ومتعددة الأطراف على المستوى السياسي والسياسات الاقتصادية، ما يلحق الضرر بالجميع.

إنشرها