FINANCIAL TIMES

رؤساء أمريكا في زمن الحرب .. ما لهم وما عليهم

رؤساء أمريكا في زمن الحرب .. ما لهم وما عليهم

الحاشية، ومواكب السيارات، والطائرة الرئاسية، ومارين ون (المروحية الرئاسية)، والسيدة الأولى، والابنة الأولى. قبل أن نفقد وعينا جميعا، لننتبه: لم يكن حال الرئاسة الأمريكية على هذا النحو دائما.
هرب جيمس ماديسون من واشنطن خلال حرب عام 1812، مختبئا من الجنود البريطانيين الغزاة الذين دمروا البيت الأبيض. الصحافة الصفراء أطلقت عليه وصف "الرجل الضعيف". بعد نصف قرن دخل الرئيس المنتخب، إبراهام لينكولن، إلى العاصمة مقنعا وبرفقة اثنين من حراسه الشخصيين، خوفا من أن يغتاله الكونفيدراليون. صحيفة "سينسيناتي إنكويرار" وصفته بأنه "أكثر من جبان".
الشعور بالضعف الذي كان مألوفا في الأيام الأولى للجمهورية، سرعان ما تلاشى في مواجهة "القدر المحتوم" (عقيدة أمريكية في القرن التاسع عشر تتحدث عن حق الولايات المتحدة في التوسع في الأمريكتين). في نهاية القرن التاسع عشر أصبحت أمريكا قوة قارية أكثر انخراطا في الشؤون العالمية. الصراع والحرب لعبا دورا أساسيا في تراكم السلطة الرئاسية، حسبما يشرح مايكل بيشلوس في كتابه القيم "رؤساء الحرب" Presidents of War. كتب بيشلوس بكثافة عن الرئاسة، منذ دور فرانكلين دي روزفلت بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة في الحرب العالمية الثانية إلى أزمة الصواريخ الكوبية في عهد جون إف كينيدي. "رؤساء الحرب" الذي استغرق تأليفه عشر سنوات، يُصنف على أنه كتاب ذو نطاق ملحمي. فهو ينظر إلى القيادة من كل زاوية: التواصل، والعلاقة الحرجة مع الكونجرس، ومعاملة الحريات المدنية، ودور زوجة الرئيس (الذي غالبا ما يكون هائلا).
من غير المستغرب أن يأتي كل من روزفلت ولينكولن في الصدارة. كلاهما كان ضليعا في فن الخطابة، وقادرا على التعبير عن المهمة، وفي الوقت نفسه إدارة الكونجرس وتشكيل الرأي العام. يمكن القول إن مهمة لينكولن كانت أكبر لأنه ترأس مجلسا منقسما على حافة حرب أهلية. كان لينكولن مفكرا، وكاتبا، ويتمتع بخلفية قانونية، وتقدير سليم للكتاب المقدس والدستور الأمريكي، وكان قادرا على إقناع الأمريكيين بعدالة القضية ـ بما في ذلك إلغاء العبودية في نهاية المطاف.
يذكرنا بيشلوس بمدى صعوبة إدارة الرؤساء للعلاقات الدولية عندما يكون المزاج العام مقاوما. كان هذا صحيحا بالتأكيد مع وودرو ويلسون الذي انتظر حتى نيسان (أبريل) 1917 للدخول في الحرب العالمية الأولى. وتردد روزفلت حتى وقعت كارثة بيرل هاربر أخيرا لتجعل الحرب مع اليابان حتمية في عام 1941.
بيشلوس كان سخيا في مديح روزفلت. "من الصعب تخيل أي زعيم أمريكي آخر من ذلك الجيل يتولى زمام الأمور ويقود، بمثل هذا النجاح، دولة مقاوِمة للتدخل وتحقيق النصر النهائي في هذه الحرب الأكثر أهمية من بين حروب التاريخ. أضف إلى ذلك إدخاله الأمريكيين إلى مجلس ما بعد الحرب الذي يسعى جاهدا لتحقيق السلام". هذا صحيح، على الرغم من أنه يتغاضى إلى حد ما عن أداء روزفلت الضعيف في مؤتمر يالطا عام 1945، عندما وافق على اقتسام أوروبا مع ستالين، بينما وقف تشرشل مكتوف الأيدي.
في بعض الأحيان، يبدو المؤلف ذا نزعة تقليدية نوعا ما. فهو يندد بجيمس كيه بولك لشنه حربا على المكسيك لانتزاع وسرقة أرض ضخمة تغطي ولايات تكساس ونيو مكسيكو وكاليفورنيا.
قد يكون بولك، الرئيس في الفترة من 1845 إلى 1949، كاذبا ومخادعا، لكن في فترة ولايته الوحيدة ساعد على جعل الولايات المتحدة دولة قارية حقا. إذا لم يكن بولك الملقب بـ "المخيف مثل نابليون" قد تصرف، فإن خلفاءه جدليا يمكن أن يفعلوا، بدافع من تصميم الولايات التي تسمح بالعبودية على التوسع غربا في صراعها مع الشمال الذي ألغى الرق. هاري ترومان حظي باهتمام قليل بصفته رئيسا محاربا، فهو لم يعرف كيف يربح الحرب الكورية ولا كيف ينهيها.
ويمكن القول إن إرث ترومان الأوسع - إنهاء الحرب ضد اليابان بالقنبلة الذرية؛ وإنشاء مؤسسة أمن قومي وعقيدة احتواء للتعامل مع الاتحاد السوفياتي؛ وطرده للجنرال دوجلاس ماك آرثر، وبالتالي تأكيد السيطرة المدنية على الجيش - لم يُعط تقديرا كافيا.
أكبر خطيئة صدرت من ترومان - في نظر بيشلوس - تكمن في فشله الطلب من الكونجرس إعلان الحرب، على النحو المنصوص عليه في الدستور. دافع ترومان عن نفسه بأنه كان يتصرف بموجب سلطة الأمم المتحدة التي أنشئت حديثا. لكن بيشلوس يجادل بأن رفضه - واستعداد الكونجرس والمحاكم لتقبله - أرسى سابقة خطيرة لكل رئيس لاحق لتجاهل السعي للحصول على دعم الكونجرس فيما يخص إعلان الحرب.
هذه الحجة تنطبق بالتأكيد على ليندون جونسون المراوغ، الذي اختلق ذريعة من حادثة خليج تونكين عام 1964، وحصل على دعم مطلق من الكونجرس من أجل زيادة كبيرة في عدد القوات الأمريكية في فيتنام. لقد شوهت تلك التجربة سمعة الأمريكيين لجيل كامل. لكن جورج بوش الأب بالتأكيد التزم بالقانون بحذافيره عندما سعى إلى دعم مجلسي النواب والشيوخ ـ وفاز به ـ لشن حملة عسكرية ضد صدام حسين لغزوه الكويت، وحصل في الوقت نفسه على دعم من مجلس الأمن الدولي. في المقابل، لم ينجح جورج دبليو بوش في "حربه الاختيارية" ضد صدام بعد 12 سنة من ذلك.
في النهاية، كل ذلك يعود إلى الدستور. هذا العمل العبقري يضع عبء السلطة التنفيذية على الرئيس، الذي يمنح أيضا دور القائد الأعلى للقوات المسلحة. بينما يحتفظ الكونجرس بالسلطة الوحيدة لإعلان الحرب.
أولئك الذين يحتجون على أن هذه الضوابط والتوازنات هي وصفة للقصور الذاتي ليسوا مخطئين.
الدستور، الذي ينظر إليه على أنه ترياق في وجه إساءة استخدام السلطة، يجعل من الصعب عمدا الموافقة النهائية على الحرب. هذا يفسر الحركات البهلوانية التي مر بها الرؤساء المتعاقبون من وليام ماكينلي (الحرب ضد الإمبراطورية الإسبانية) إلى ويلسون (الحرب ضد ألمانيا في عهد فيلهلم) وفرانكلن روزفلت (الحرب ضد ألمانيا النازية واليابان) بحثا عن السبيل الشرعي لاتخاذ إجراء عسكري.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES