Author

من التخصص إلى المهارة

|
تختلط عند كثيرين السمات الفردية التي يصنع بها الفارق المهني، وتمكن الشخص من الإنتاج والتأثير بشكل واضح. ولأن التفريق بين هذه السمات مطلوب حتى يتم ترتيبها حسب الأولوية والرغبة والأفضلية، يستعرض هذا المقال ببعض التفصيل السمات الرئيسة للإمكانات الفردية، مستهدفا التطوير المهني الناجح لأي فرد. ولا يخفى عليكم أن التداخل موجود حتى في اللغات الأخرى، خصوصا الإنجليزية، وهي المصدر الحديث لتعريف هذه المفاهيم وممارساتها. التخلص من التداخل بالكامل أمر غير ممكن وغير عملي، ولكن من الجيد أن نحظى بدرجة من التوضيح لما تختزله هذه المفردات من معان وانعكاسات. في البداية، يخرج الطفل من بطن أمه وهو يحتفظ فقط بالجينات والسمات الوراثية التي تحدد جزءا بسيطا من شخصيته المستقبلية، فمنها ما تتم تنميتها وتطويرها، ومنها ما تنكمش وتندثر مع الوقت؛ ومن جانب آخر هناك ما يكتسبه من غير وراثة، وينميه بشكل جيد ومؤثر خلال مراحل البناء المختلفة، التي لا تتوقف عمليا حتى نهاية العمر. وفي واقعنا التعليمي الحالي، تتعاظم فرصة البناء أثناء المرحلة الجامعية - بالتخصص specialization - وقبل ذلك بالانتباه والتعلم الأساسي. والتخصص اليوم هو المحطة الأساسية التي نتوقف عندها بعد مرحلة طويلة من البناء العام للمهارات الحياتية المتنوعة. وكما يعرف الجميع أن اختيار التخصص أحد أهم القرارات التي تؤثر في مستقبل الفرد وفرصه، إلا أن القرار الأول قبل اختيار التخصص هو اختيار المجال العام، ثم يتبع النجاح في التخصص اختيار التخصص الفرعي، الذي يستطيع أن يتميز به الفرد. هذه النظرة (مجال - تخصص - تخصص فرعي) تعتبر محورا أساسيا في تقييم علاقة الفرد المنتج بالاقتصاد والمجتمع، فهناك افتراض أن أفراد المجتمع يتقاسمون الأدوار الإنتاجية التكاملية بناء على التخصصات التي يعملون بها، إلا التخصص ليس كل شيء. بعد أن يختار الشاب تخصصه، وينقش، بالمعرفة الجديدة التي حصل عليها، بعض الملامح في بنائه الشخصي مهنيا وإنتاجيا، يبدأ عمليا في بلورة قدراته. القدرة ability كلمة عامة تعني استطاعة الشخص أو الشيء على القيام بشيء محدد، وفي السياق المهني يقصد بها قدرة الشخص على الأداء بطريقة أو مواصفات محددة، ولكن مصطلح القدرات يتسم بالعمومية والضبابية أحيانا، لذا يستخدم مديرو المواهب مصطلحا آخر - في نظرهم - أكثر دقة، وهو الجدارة Competency، وأحيانا يطلق عليه الكفاءة. والجدارة أو الجدارات هي اليوم أكثر ما يبحث عنه صانعو القرارات المتعلقة بالمواهب، توظيفا وترقية. ولكن ما الجدارة؟ تتنوع التعاريف وطرق تمييز الجدارة عن غيرها من السمات، فهي بسيطة جدا مثل "القدرة على القيام بشيء محدد"، إلى التعاريف المعقدة التي تصف مجموعة من العناصر المختلفة. النظر في ماهية الجدارة مهم جدا؛ لأن من لا يميز الجدارة عن التخصص أو عن المهارة فلن يستطيع معرفة مخزونه من أي منها، ولا بالطبع الفراغات التي تتطلب الملء أو المواضع التي تتطلب التطوير. بعد مراجعة سريعة وجدت أن الجدارة تقوم على خمسة عناصر: الأول، أنها تصف قدرة الفرد على القيام بشيء محدد، الثاني، أنها قابلة للمشاهدة أو الإثبات، الثالث: أنها ترتبط بسلوك محدد، وقد تجمع عددا من الإمكانات "سواء كانت مهارات محددة أو جدارات أخرى"، الرابع، أنها تقوم على قاعدة معرفية متخصصة، الخامس، أنها مسألة ترتبط بالممارسة والتجربة. العنصر الخامس يعني أن الجدارة عمليا غير موجودة إذا لم تمر بثلاث أو أربع من هذه المراحل: التعلم، التخطيط، العرض، الممارسة، الاستنتاج. وأخيرا تأتي المهارة، وهي اللفظ الأكثر استخداما والأكثر تعددا للمعاني، وأحيانا الأكثر تشويشا على الخطط المهنية. رغم تعدد تعريفات المهارة إلا أنها تعرف أثناء الممارسة بالدقة؛ إذ تعكس في العادة أدق التفاصيل في إجادة القيام بأمر ما، وبالتالي يمكن إثبات وجودها أو إنكار ذلك بسهولة. تماما مثل ردة فعلنا حين نرى منتجا حرفيا يدويا - قطعة أثاث أو تحفة مثلا - ونقول من صنعها يملك المهارة أو لا يملكها. يمكن تعريف المهارة بـ: أداء العمل بشكل يمكن وصفه بطريقة إيجابية، ويصنع نتيجة مقبولة أو أفضل. يربط كثيرون المهارة بالإتقان والبراعة والحذق والتفوق، وهي كذلك. تأتي المهارة في مسيرة البناء المهني كفعل تنفيذي يتفرع تحت الجدارة أو كداعم لها، وتلك بدورها تقوم على الإمكانات الفردية الفطرية والمكتسبة، وتدور في دائرة التخصص.
إنشرها