FINANCIAL TIMES

باستراتيجية القهوة .. «كوكا» تخسر «الحرب الباردة» لأجل «السلام الساخن»

 باستراتيجية القهوة .. «كوكا» تخسر «الحرب الباردة» لأجل «السلام الساخن»

لسوء حظنا الكبير، فإن ملذات المدينة تقلصت إلى حد كبير لتتخذ شكل النزعة الاستهلاكية. "نحن لا نستمتع كثيرا بمدننا لأنها ليست ممتعة للغاية"، كما كتب راي أولدنبورج في كتاب "المكان الجيد الرائع"، الذي يمثل مرثيته لعدم وجود أماكن تجمع تشبه المقاهي الفرنسية أوالإنجليزية في القرن الثامن عشر.
أنشودة أولدنبورج لهذه "الأماكن الثالثة" بين المنزل والعمل حتى يتناول فيها المواطنون المشروبات، ويختلطون فيما بينهم، انبثقت في سياق غريب الأسبوع الماضي.
بعد ثلاثة عقود من نشر كتابه المؤثر، استشهدت شركة كوكا كولا بالعبارة في العرض التحضيري للمستثمرين، من أجل شرائها لعلامة قهوة كوستا كوفي من شركة وايتبريد مقابل 3.9 مليار جنيه استرليني.
عندما تعترف شركة كوكا كولا بمشكلة تتعلق بالنزعة الاستهلاكية، فإن هناك خطأ ما. هذا ربما يُفسر اللهجة الدفاعية لجيمس كوينسي، الرئيس التنفيذي للشركة، بشأن الاستحواذ على سلسلة من المتاجر بدلا من نسخة أخرى من سائل ذي نكهة مميزة. استمر كوينسي في الإصرار أمام المحللين قائلا: "هذه استراتيجية قهوة، وليست استراتيجية تجارة تجزئة".
سوف يكون من الأفضل له الاعتراف بالتحول بفخر. بدأ مشروب الكوكا بتقديم نكهة شراب في آلات صب الصودا، التي يذكرها أولدنبورج بنغمة إيجابية باعتبارها الأماكن الثالثة للشوارع الرئيسة في الولايات المتحدة، في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
كانت الصودا تخلط من قبل "بائعي المشروبات" الذين يرتدون ربطة عنق سوداء، خلف طاولات رخامية – المختصون بتقديم القهوة في المقاهي في تلك الأيام.
من آلات صب الصودا جاءت شركة كوكا كولا، وإلى المقاهي تعود. إنها الشيء الحقيقي الأكثر واقعية من وصفة سرية لشراب حلو المذاق، يسوق عبر شاشات التلفزيون واللوحات الإعلانية، وتوزعه شركات التعبئة وتبيعه المتاجر الكبيرة.
ازدهرت شركة كوكا كولا بدون اتصال مباشر مع الزبائن لعقود من الزمن، لكنها فقدت تألقها.
القهوة هي الهوس الجديد بين شركات الطعام والشراب. دفعت شركة نستله 7.2 مليار دولار في أيار (مايو) الماضي، مقابل حقوق بيع قهوة ستاربكس خارج مقاهي الشركة. كما اشترت المجموعة السويسرية سلسلة بلو بوتل، سلسلة متاجر القهوة الأمريكية الراقية. وتملك جاب هولدينجز، المجموعة الأوروبية، علامات تجارية مثل كيوريج ستامبتاون، فضلا عن سلسلة بيتس.
القهوة ليست مجرد مشروب منشط آخر، فغالبا ما تُقدم ساخنة وطازجة، ما يعني إيجاد نادل مختص بالقهوة لتحضيرها أو القيام بذلك بنفسك، ربما في آلة نيسبريسو أو كيوريج. بعض أنواع القهوة تُوزع من خلال آلات بيع أو تكون معبأة في زجاجات للبيع في المتاجر، لكن عادة ما يتضمن الأمر مشاركة الناس في التحضير والتقديم.
القهوة معروفة أيضا في المجتمع، مثل غيرها من المشروبات، ومشروب الكوكا بدأ من آلات صب الصودا في المقاهي، قبل أن تهيمن الزجاجات على بيعها في العشرينيات.
أشاد جوزيف أديسون، الكاتب الإنجليزي من القرن الثامن عشر، بالمقاهي والنوادي لأنها تشجع الناس على اللقاء "من أجل تحسين أنفسهم، أو لخير الآخرين، أو على الأقل للاسترخاء من عمل اليوم".
هذه تجربة غير مألوفة بالنسبة لشركة كوكا كولا المعاصرة، التي احتفظت بمسافة كبيرة بينها وبين مستهلكيها، وتتواصل معهم بشكل أساسي بكونها واحدة من أكبر المعلنين في العالم.
إنها ثورة بالنسبة لموظفي شركة كوكا كولا، كما يُصبح الأشخاص الذين يحضرون القهوة في شركة كوستا، من خلال تلقي الطلبات مباشرة من الزبائن وخلط مشروبهم المفضل وفقا لأهوائهم الفردية.
أصبحت شركة كوكا كولا بعيدة حتى عن متاجر التجزئة من خلال التخلص من عمليات التعبئة بدفعها إلى شركات مستقلة. لقد غيرت رأيها عدة مرات على مدار العقود الماضية حول كيفية التحكم الصارم بتوزيع مشروب كوكا كولا، لكن كوينسي راهن على أن يروج لفكرة الرجوع إلى جوهر "الأصول الخفيفة"، فقد باع أقسام التعبئة الأمريكية التابعة لها وخفض عدد الموظفين من 123 ألفا قبل ثلاثة أعوام إلى 39 ألفا هذا العام.
بالتالي هذا بمثابة تغيير كامل بالنسبة لشركة كوكا كولا حين تنغمس في امتلاك المقاهي، فقد استحوذت على 3800 متجر لشركة كوستا و20 ألف موظف إضافي. جعل كوينسي الأمر يبدو كما لو أن الحصول على الأصول المادية هو الثمن الضروري الذي يجب أن تدفعه الشركة، مقابل الاحتفاظ بعلامة كوستا التجارية ونقل عادة شرب القهوة إلى البلدان الآسيوية.
وقد أظهر مزيدا من الحماس لآلات البيع التابعة لشركة كوستا والبالغة ثمانية آلاف وحدة، واحتمال نمو مبيعات القهوة التي تحمل تلك العلامة التجارية.
لا يحتاج أن يكون في موقف دفاعي، فعدم وجود خبرة لدى شركة كوكا كولا في تجارة التجزئة يعني أن هناك خطر حدوث خلل نتيجة عملية الاستحواذ، لكن من أحد الجوانب، هي تعود إلى جذورها– الشركة لم تكن تملك آلات صب الصودا عندما بدأت العمل ضمن ذلك النشاط، فقد تم تأسيس شركة كوكا كولا على أساس تجارب الناس الذين يشربونها اجتماعيا. كذلك لن ينجح الالتزام بمعادلة القرن الـ20: مثل الشركات الاستهلاكية العملاقة الأخرى، فقد دأبت على أن تخسر المبيعات.
الشركات الأخرى التي كانت تتجنب امتلاك منافذ بيع مادية والاختلاط بالزبائن غيرت مسارها. متاجر التجزئة التابعة لشركة أبل تحولت إلى واحدة من قنواتها الأكثر تأثيرا لبناء العلامة التجارية، وإضفاء الطابع الإنساني على صورتها.
شركة أمازون لم تفتتح متاجر للكتب فحسب، بل واشترت أيضا سلسلة المتاجر الكبيرة هول فودز وجربت متاجر البقالة أمازون جو.
يرغب كثير من المستهلكين في تجربة العلامات التجارية بأنفسهم، وليس أن يقال لهم إنهم بشر فحسب، في الإعلانات.
تستطيع شركة كوكا كولا الاستحواذ على كثير من المشروبات الجديدة الصحية، والعضوية، والحرفية والأصيلة بقدر ما تشاء وبيعها بطريقتها التقليدية، لكن أعمال القهوة غير قابلة للانفصال عن الاتصال البشري.
هذه هي الطريقة التي تزدهر بها العلامات التجارية مثل شركة ستاربكس، وكيف تتعلم ما يريده الزبائن بعد ذلك.
شركة كوكا كولا نضجت وتوسعت وابتعدت عن آلات صب الصودا في القرن الـ20، وتوصلت إلى معادلة ملائمة وناجعة لبيع المشروبات الغازية إلى العالم، لكن لكل شيء عصره، ولا ينبغي أن يكون كوينسي خجولا بشأن الحلول في "المركز الثالث".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES