ثقافة وفنون

بنات الرياض.. أبيزودات غرامية ( 1 من 2 )

بنات الرياض.. أبيزودات غرامية   ( 1 من 2 )

للمرأة علاقة خاصة بالرواية، فهي تصغي - كقارئة - لكل ما تقوله الروايات وكأنها بطلة روائية تبحث داخل سياقاتها عن نموذج إنساني يؤكد قناعاتها، أو يستجيب لشيء من تطلعاتها، سواء كانت البطلة متطرفة أو محافظة. وعندما تقرر الإقدام على مغامرة السرد تحشّد كل ذلك الإنصات في ذات أو نموذج تختبر بموجبه جنوستها، وربما لهذا السبب بالتحديد وصفت فرجينيا وولف ذلك الشكل من الكتابة الروائية، والمقروئية الأنثوية على حد سواء بفن اختيار الشخص الذي يمكن العيش معه بنجاح. ذلك بالتحديد ما حاولته رجاء الصانع في رواية تتمحور حول القرين كأمثولة بشرية، لأن المرأة عندما ترضى بمن هو أقل منها يعتبر ذلك في قاموس الأنوثة وضاعة وانحرافا، وهو ما بدا واضحا في تساقط بطلاتها في ''بنات الرياض'' واحدة بعد أخرى وبقاء ميشيل على صمودها الصوري إزاء أشباه الرجال، أو عدم قبولها ''بالفتافيت'' من خلال وهم تعلقها الضمني بتمثال حبيب معطوب اسمه فيصل تقيس عليه الآخرين. إنها سيرة الوعي بالحب كما تعلنه ذات ارستقراطية قررت أن تنروي في ''أبيزودات غرامية'' داخل مجتمع يعيش واقعيا فوق العواطف، وإبداعيا مرحلة ما قبل الرواية، على اعتبار أن الرواية العاطفية بما تحمله من قيم الرومانس، هي رافعة اجتماعية تعكس بالضرورة شيئا من حداثة الحياة، حيث يتحقق فيها الصدام بين الروح الفردانية وسطوة النظام الأبوي بكل مفاعيله السلطوية، وهو الأمر الذي كان يتطلب استخدام التاريخ الاجتماعي لتفكيك مراودات ''بنات الرياض'' للفرار من أقدارهن، لكن رجاء الصانع جادلت تلك العوالم بخفة شعورية محتمّة ربما بطقس اللحظة النتيّة التي قادت السرد، تحت عنوان لا يخلو من الكشف ''سيرة وانفضحت'' ومن خلال ''منهج رسائلي'' إلكتروني هذه المرة، يراه رتشاردسن كتقنية سردية دراميا أكثر منه تأريخا. ويبدو أن روح الرواية أو لا وعيها ربما، يعكس جانبا من الحداثة الاجتماعية، والرغبة الأكيدة في تحطيم مفهوم البيوريتانية التي يتبناها الرجل كمعتقد لتأثيم كل علاقة خارج أطر المؤسسة والأعراف الاجتماعية، رغم تورطه في تحديها الصوري، وهكذا تتكئ الرواية على ''قيم الحب'' لتوسيع المقياس الأخلاقي، وإعادة تعريف العلاقة بين الرجل والمرأة، ولو من خلال بطلات عاجزات عن إعلان تحررهن الفردي وتحدي صرامة النظام البطركي، وهو ما يعني انتصار الأخلاق الطبقية، وانسحاق الفرد تحت طقس المعتقدات القبلية، المغلفة بمظاهر تحررية باذخة، لأن عجز المرأة عن الاقتران بمن تحب هزيمة قاسية تنال من كينونتها، وتبقي على تعقيدات وضع النساء الاجتماعي، واستمرارها في الانخداع بمن وما تعتقده حباً يمكن بموجبه تغيير الواقع والذهنيات. ذلك ما تؤكده رجاء الصانع من خلال التصميم البنائي الخارجي للرواية، فأغلب استهلالات الفصول هي مقولات حول علاقة ووعي المرأة بالرجل أو العكس، ومن خلال تدخلاتها الشارحة للسرد أيضا، كإقحام مسلسل ''سكس آند ذا سيتي'' مثلا الذي يناقش العلاقة بين الجنسين، أو بما ألصقته من ألفاظ على ألسنة شخصياتها، حين أعلنت ميشيل مثلا ''إن كثيرا من هؤلاء الأزواج يخفون تحت ابتساماتهم قلوبا دامية ونفوسا مغبون حقها في اختيار شريك الحياة''. أو هكذا تبدو العلاقة مختصرة باعتقاد أم قمرة بنظرية ''المرأة الزبدة والرجل الشمس'' أو فيما تكرره المستشارة العاطفية للبنات المعادل الشعبي لفرويد ''أم نويّر'' باستحالة الحب في هذا البلد، فيما يبدو إخضاعا نسويا لمجتمع ميؤوس من احتمالاته العاطفية تحت طائلة النقد. إنها كتابة تعود بالمرأة إلى مرجعياتها التقليدية مهما حاولت الرواية إثارة الفضول لدى المروي والمسرود لهم، وإيهامهم بإمكانية التعريض بشكل معاشي مزيف، من خلال إطلالة تلصصية على مواصفات مادية ونفسية للذوات الارستقراطية في أقصى انفصاماتها النفسية والاجتماعية، فعنوان الرواية - مثلا - لا يخلو من إيحاء بمركزية نسوية، ولو في طورها البدائي، حتى وإن حاولت الكاتبة تغليب الهاجس الأنثوي باستعراض مفردات المرأة الحياتية وإكسسواراتها اليومية، فوجود مفردة ''بنات'' كبنية عنوانية، يعني رفع لافتة احتجاج نسوية ولو بشكل جمالي، يستبطن الكثير من حس التظاهر، ويفترض وجود مقابل ضدي وهو الرجل، الذي بالغت رجاء في التنكيل به كقيمة مضادة، ابتداء من دلالات أسماء الرجال القدحية، وهو ما يخالف افتراضات منسوب قيم الشر في الفعل الروائي، فكل الشخصيات الذكورية ارتكاسية، محقونة بقيم سلبية، مصابة بالخرس، مقابل فصيل من النساء الجريئات المتوثبات المبجلات بأنوثة لا تقاوم، هي رأسمالهن الرمزي ومشروع خيباتهن على حافة الحب أو في المصحات النفسية. هكذا تنسرد حكاية أربع صديقات بمرجعيات مناطقية: قمرة القصمنجي، وسديم الحريملي، ولميس الجداوي، وميشيل العبدالرحمن، في مواجهة غدر ذكوري يستمد سطوته من مظلة اجتماعية يتواطأ فيها الجميع على قتل أحلام النساء، فوليد الشاري، وراشد التنبل، وفراس الشرقاوي، وفيصل، وأبو مساعد، وأبو فهد، ووالد ميشيل الذي أسفر عن تناقضاته ورفض علاقتها بابن خالها ماتي إلى آخر الطابور الذكوري أدوات صغيرة ولكنها فاعلة داخل مفرمة اجتماعية على درجة من القسوة، لا تنتج إلا رجلا غادرا وجبانا، أو نساء مدعيات ولاهيات، وهو ما يستولد بالضرورة رجلا متأنثاً مطعونا في رجولته، كما حدث مع نوري ''نويّر'' مقابل ''أروى'' المرأة المسترجلة المتنازلة عن أنوثتها. بتلقائية سردية تمركز رجاء الصانع كل ذلك الصراع في الرياض كبوتقة إجتماعية صاهرة، وبآلية فرز تبسيطية وهجائية للنموذج النجدي ورديفه الشرقاوي مع بعض التسامح حيال النموذج الحجازي، فيما يبدو امتصاصا مباشرا من وقائع شخصية وفردية وليس من الواقع كمرجعية، فبنات الرياض، قصة ترويها الراوية كما حدثت، بحس تفضيحي، أو هي محاولة لاختبار ووعي سيكولوجية الشاب السعودي داخل مكمن إنساني هائل وهو الحب، وعلى تخوم امرأة مختلفة تتمثل في مربع أنثوي يعيش انجراحاته العاطفية بإباء مصطنع، ففراس مثلا بالنسبة لسديم بعد أن تخلى عن حبه لها ليتزوج بامرأة لا يكاد يعرفها مجرد ''صبي'' موهوم باستعراض عضلات عاطفية ضامرة أو غير موجودة أصلا، وقد تحول نتيجة خنوعة إلى ''طبل في يدي أبويه.. يعزفان عليه نشيد القبيلة''.... يتبع [email protected]
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون