FINANCIAL TIMES

تركيا لا تلقى ترحيب الأوروبيين لأنها تمثل كل ما هو مسلم وعربي

تركيا لا تلقى ترحيب الأوروبيين لأنها تمثل كل ما هو مسلم وعربي

في وقت مبكرٍ هذا العام، فكّر بعض المسؤولين الأتراك في وسيلة لزيادة معرفة الأوروبيين العاديين بدولتهم وثقافتها. وخططوا للبناء على نجاح ''الأتراك''، وهو معرض لندني لثروة ألف عام من النتاج التركي، والذهاب بالمعرض إلى فرنسا، لكن ذلك لم ينجح. وأوضح استطلاع للرأي العام أنه في الوقت الذي كانت فيه عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي على جدول الأعمال، كان للجمهور الفرنسي اهتمام قليل بروائع نتاج تلك الدولة. لم يقتصر الأمر على فرنسا، بل أيضا في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ألهمت عظمة تركيا القليل من الحماس، والكثير من المعارضة المباشرة بين الناخبين. والسؤال الملح هو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي جاداً بشأن خططه لانضمام أنقرة. وأزالت دفعة دبلوماسية في الدقيقة الأخيرة من جانب بريطانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، الكثير من العوائق أمام بدء المحادثات في الوقت المحدد، مع بقاء التحفظات النمساوية العائق الرئيسي المتبقي. وإذا نجحت المفاوضات، فإن أحداً لا يشك في أن كلاً من تركيا والاتحاد الأوروبي سيشهد نوعا من التحولات. لكن المخاطر كبيرة فيما يتعلق بحدوث خطأ ما خلال السنوات العشر من المفاوضات المستقبلية - خصوصا أن لفرنسا الكلمة الأخيرة في انضمام أنقرة. ويعني التعديل الأخير على الدستور الفرنسي أنه يجب إجراء استفتاء شعبي على جميع صفقات عضوية الاتحاد الأوروبي بعد عام .2007 والمؤشرات حول ذلك غير جيدة، إذ أظهر استطلاع أجراه ''صندوق مارشال الألماني'' الشهر الماضي أن نسبة تأييد عضوية تركيا بلغت11 في المائة في فرنسا، 15 في المائة في ألمانيا، و32 في المائة في المملكة المتحدة، في حين بلغت نسبة المترددين أكثر من 40 في المائة في البلدان الثلاثة كافة. ووفقا لفرانسوا هيزبورغ مدير مؤسسة البحث الاستراتيجي ـ مقرها باريس: ''سبب عدم شعبية تركيا في فرنسا هو حقيقة أن تركيا ينظر إليها على أنها دولة غير أوروبية، ولا تتطلع إلى الغرب، وتغير طبيعة وهوية المشروع الأوروبي بأكمله. وهي تخدم وكيلا عن كل ما هو عربي ومسلم، رغم أن تركيا دولة غير عربية بالطبع، مع وجود فصل عميق راسخ بين الدين والدولة''. وزادت المعارضة للعضوية التركية في الوقت الذي كان فيه الاتحاد الأوروبي نفسه يعاني من أزمة بعد فشل الدستور الأوروبي في استفتاءين شعبيين في كل من فرنسا وهولندا، وتعنت زعماء الدول بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي. وفي مثل هذه الظروف يميل السياسيون إلى تجاهل أفضليات ناخبيهم. وتعزز ذلك الشعور بعدم الراحة، بالمخاوف الناشئة عن بعض الأخبار الواردة من تركيا هذا العام، مثل المحاكمة وشيكة الحدوث للروائي أورهان باموك لتشويهه سمعة الدولة. وبعد سلسلة من الإصلاحات المكثفة خلال عامي 2003 و2004، تباطأت سرعة التغيير في التشريعات في تركيا بشكل جذري هذا العام. ويقول أوللي ريهان، مفوض توسعة الاتحاد الأوروبي وبطل إعادة فتح باب المباحثات: ''لدينا دورة رديئة في الوقت الراهن، بحيث أن للرأي السلبي للجمهور في أوروبا تأثيراً على الزعماء السياسيين. وهذا بدوره يعمل على تآكل صدقية التصور الخاص بالانضمام في عيون الأتراك، وله تأثير سلبي على عملية الإصلاح. ومن أجل كسر طوق هذه الدائرة، يجب على السياسيين البارزين إثبات سبب أهمية المفاوضات لأمن واستقرار أوروبا''. وخلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أيد زعماء أقوى ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي (جيرهارد شرودر، وجاك شيراك، وتوني بلير) قضية تركيا في قمة بروكسل التي ثبتت الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) ـ أمس ـ موعدا لبدء المحادثات. وفي الوقت الحاضر، يصارع شرودر للاحتفاظ بالسلطة في ألمانيا بعد خسارته في الانتخابات، بينما شيراك مشغول الذهن بظهور نيكولا ساركوزي، المفعم بأمل الرئاسة الفرنسية، الذي يعارض عضوية تركيا، ما يترك حكومة بلير وحدها تؤيد فعلياً دخول تركيا. وجادل جاك سترو وزير خارجية المملكة المتحدة، في خطابٍ الشهر الماضي، قائلا ''بالترحيب بتركيا نثبت أن الثقافات الغربية والإسلامية يمكن تزدهر معاً كشركاء في العالم المعاصر''. وأضاف أن التوسع المستمر في الاتحاد الأوروبي ساعده على صعيد كل من التحديات الاقتصادية من الهند والصين، والقضايا الدولية مثل الإرهاب، والجريمة، وتغير المناخ. وقال: ''موقع تركيا الجغرافي يجعلها ذات أهمية استراتيجية حيوية من النواحي كافة ''.وعلى أية حال، مثل تلك المناقشات لا تكون صحيحة في بعض الأحيان. وكانت تركيا الأهم استراتيجياً للغرب خلال الـ 150 عاماً الماضية قبل سقوط جدار برلين، عندما لعبت دور الضابط لأهداف روسيا التوسعية. وبالفعل، عندما اتخذ زعماء الاتحاد الأوروبي قرارهم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ببدء المحادثات، كان دافعهم المتعلق بالاعتبارات الاستراتيجية أضعف من رغبتهم في عدم التراجع عن أربعة عقود من الوعود بإقامة روابط أوثق مع أنقرة. ويمكن أن تفشل عضوية الاتحاد الأوروبي في ترسيخ العلاقات مع العالم الإسلامي الأوسع نطاقاً، إذ إن تركيا ليست دولة عربية، وهي متقاربة مع إسرائيل، ولديها علاقات صعبة مع العديد من دول الشرق الأوسط، بسبب علمانيتها وتاريخها الإمبراطوري. والدبلوماسيون الأتراك يصرون على أنه حتى لو فشلت تركيا في أن تصبح عضواً، فإنها رغم ذلك ستتوجه صوب الغرب. ويوافق ريهان قائلاً: ''الحجة الاستراتيجية هي أكثر تعقيداً في الوقت الحاضر، لأنه لا يوجد جيش أحمر على حدود تركيا. لكنني لا أرغب في مجرد التفكير في عواقب إغلاق الباب أمام تركيا لاعتبارات التطورات السياسية في تركيا والعلاقات بين أوروبا والإسلام''. وعلى أية حال، تقول إحدى المدارس الفكرية إن فتح باب المفاوضات كما يتم تخيلها، يزيد من مخاطر الفشل إلى حد كبير. أما النمسا، الدولة التي تخلف عائلة هابزبورغ؛ الخصم التاريخي للأتراك، فهي الوحيدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 25 دولة التي تصر على أن مفاوضات التفكير في ''شراكة'' بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، هي بديل واضح للعضوية. وقالت أورسولا بلاسنيك وزيرة خارجية النمسا، في مقابلة أجريت معها: ''منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أكدت المواقف والتطورات في أوروبا وجهة نظرنا. علينا اتخاذ كل خطوة على حدة، وأن نحاول أن نكون واقعيين. أعتقد أن ذلك أكثر نزاهة من تحويل الاستفتاء الأول على عضوية تركيا إلى اختبار للقدرة على الاستيعاب من جانب الاتحاد الأوروبي''. واقترحت أنجيلا ميركل، المستشار الألماني المحتمل من الحزب الديمقراطي المسيحي، فكرة مماثلة: ''شراكة مميزة'' بين تركيا والاتحاد الأوروبي، رغم أن فشل تحالفها في تسجيل نصرٍ واضحٍ في انتخابات الشهر الماضي يعيق مقدرتها على التأثير في الجدل. ورفضت تركيا أياً من تلك المخططات، مجادلة بالقول إنها معنية بالعضوية فقط. ولدى الدولة حاليا اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وتدعم قرارات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كأمر مفروغ منه، وتتمركز قواتها في البوسنة في إطار مهمة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمحافظة على السلام. لكن بلاسنيك تجادل بأن الطرفين لايزال بإمكانهما فعل الكثير لزيادة التقارب بينهما. وتقول مشيرة إلى قائمة تراوح من حرية حركة السلع إلى الحقوق الأساسية والقضائية: ''أنظر إلى إطار المفاوضات المقترح، وإلى الفصول البالغ عددها 35 فصلاً التي يجب علينا دراستها كل على حدة خلال المفاوضات. هذا يثبت النطاق العريض من القضايا التي يمكن تعزيز التعاون من خلالها''. وتأمل حكوماتٌ أخرى في الاتحاد الأوروبي في التغلب على اعتراضات النمسا. وتجادل بريطانيا بالقول إنها لن تكشف عن التسوية التي تم تنفيذها ببراعة خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حتى لا توقف المفاوضات قبل أن تبدأ. لكن على أية حال، من غير المحتمل أن تعرض على تركيا صفقة العضوية نفسها التي عرضت على الذين دخلوا العام الماضي من دول مجموعة الاتحاد السوفياتي السابق. ويتضمن إطار المفاوضات المقترح من المفوضية أفكاراً حول ''فترات انتقالية طويلة، وتشريعات، وفقرات لترتيبات معينة دائمة'' بشأن قضايا مثل حرية تنقل العمال، وإعانات الاتحاد الأوروبي، والزراعة.ويقول أحد السفراء من مقره في بروكسل: ''يبدو الأمر إلى حد ما وكأنه شراكة مميزة، أليس كذلك؟'' وهو يعتقد أن تركيا ستكون محظوظة حتى بمجرد الحصول على عضوية محدودة نسبياً في الاتحاد الأوروبي. وتخشى أوروبا من العمال المهاجرين، كما أن الحالة الذهنية الحالية داخل الاتحاد الأوروبي تعني أن عرض عضوية أنقرة يمكن أن ينهار جزئياً، أو على نحو أكثر خطورة، يمكن رفضه من قبل الناخبين الأوروبيين في النهاية. وخلف مثل تلك الستارة، تلكأ الزعماء الأوروبيون، مقتنعين باجتياز عام صعب، دون التراجع عن التزامات الاتحاد الأوروبي للبدء في المحادثات في الوقت المحدد. لكن مع بدأ المفاوضات يتعين على السياسيين من الجانبين لعب دور أكثر فاعلية، إذا كان لتركيا أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES