أخبار

سوق الأسهم جامحة - جامحة.. فمن يعقلها؟ (2 من 2)

سوق الأسهم جامحة - جامحة.. فمن يعقلها؟ (2 من 2)

تواصلاً مع ما كتبته في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي حول وضع سوق الأسهم واستعرضت فيه ما بدا لي أنه تشخيص للوضع، وتركيز على العوامل السلبية التي تحاصر السوق، وتؤثر في عمقها واستقرارها وشفافيتها، وتقلل من اطمئنان المتعاملين، وتوفير عوامل الثقة والأمان لاستثماراتهم، بدءاً من تضخم القيمة السوقية مقارنة بما تساويه الأصول المقابلة لها، ولا سيما بالنسبة للشركات الخاسرة، أو التي تآكلت رؤوس أموالها، أو العاجزة عن تحقيق الأرباح، وهي الشركات التي لا يوجد أي مبرر لتحليق أسهمها سعرياً، عدا الشائعات والأوهام التي يسوقها البعض لخدمة أهدافهم الشخصية، ومروراً بالدور المثبط للنمو الاقتصادي الذي تلعبه السوق باستقطابها السيولة وحجبها عن مجالات الاستثمار الأخرى، وإسهامها في بروز مشكلة البطالة من حيث كونها لا توفر منتجاً ولا فرص عمل، وانتهاءً بالدور السلبي لبعض وسائل الإعلام، وبخاصة الصحافة والتلفاز، المتمثل في إثارة مشاعر الناس تجاه الأسهم، والمبالغة في التحليلات والطروحات المتعلقة بها. واستكمالاً لما سبق أن وعدت به، وهو البحث عما يمكن أن يساعد على تهدئة جموح السوق، والتخفيف من حدة الانفعالات المصاحبة لأي حوار أو نشاط يتعلق بها، أود التنويه ابتداءً إلى أنه لا يوجد حل واحد ناجح يمكن تبنيه لعلاج المشكلة دفعة واحدة، وخلال مدة قصيرة، ولعل هذا الشعور، أي الشعور بصعوبة الحل، هو ما يفسر الصمت الحاصل من قبل الجهات التي يعنيها الأمر، رغم أنها تعرف أنه سيوجه لها اللوم والمسؤولية عما قد يصيب السوق من نكسات لا سمح الله. ومع ذلك أرى أن مرور المزيد من الوقت دون اتخاذ عدد من الخطوات والإجراءات المتزامنة سيزيد المشكلة تعقيداً والحل صعوبة! إنني أشبه السوق ''في وضعها'' بالمهرة من الخيل التي انفلت زمامها من قوة الحركة والشد، فاندفعت تقفز وتجمح في كل اتجاه رغم محاولة السايس ''هيئة السوق'' الإمساك بها وترويضها. الإسراع في استكمال هياكل السوق رغم صدور العديد من اللوائح من هيئة السوق في إطار سعيها لاستكمال التنظيمات والقواعد المتعلقة بالسوق، إلا أنه لا يزال أمامها بقية الطريق الطويل قبل إكمال بناء الهياكل التي نص عليها نظام السوق، مثل تكوين كيان السوق نفسه، وتشكيل مجلس إدارته، وما يتعلق به من شركات الوساطة، ووكلاء الوساطة، واستكمال بناء اللوائح، وإنشاء الصالة الموحدة للتداول ''البورصة''. إن الإسراع في استكمال ذلك كله سيضفي على السوق عوامل النضج والرشد، وسيحيطها بسياج قوي من الحماية يصعب اختراقه من قبل المنتفعين سيئي النية، فتوفير صالة التداول، على سبيل المثال، سيحدّ من انتشار الشائعات التي تطلق وتسري بسرعة عبر غرف التداول الصغيرة في البنوك، وسيجعل الوضع مكشوفاً للعيان، كما أن فيه توفيرا للفرصة مراقبة الوضع، وما يجري، والاستفادة منه، من قبل صغار المتداولين الذين ستتاح لهم الفرصة للاحتكاك وبناء الخبرة والمعرفة. إن استكمال تطبيق نظام السوق من حيث العناصر والهياكل والكيانات واللوائح والتنظيمات، سيضفي على السوق مصادر القوة والعمق والشفافية، وهو ما نحسب ونأمل أن الهيئة مهتمة به وساعية إلى تحقيقه. إعادة النظر في نسبة ما يخصص للاكتتاب العام الملاحظ حول الشركات التي تأسست أو تحولت خلال الثلاث أو الأربع سنوات الأخيرة أن المؤسسين يستحوذون على النسبة الكبرى من رؤوس أموال تلك الشركات، ولا يخصص للاكتتاب العام سوى نسبة ضئيلة لا تزيد على 20 أو 30 في المائة. يجرى الاقتتال عليها أثناء الاكتتاب، ولا يحصل المكتتب على أكثر من ثلاثة أو أربعة أسهم يجد المواطن أنها لا تستأهل التعب والمعاناة التي تعرض لها أثناء عملية الاكتتاب، ولا تمثل استثماراً يمكن الاحتفاظ به، فيندفع المواطنون، فور تحرك السعر، إلى بيع ما خصص لهم وجني الحد الأدنى من الربح لكي تتجمع الأسهم بالتالي في أيدي الكبار. وعوداً إلى مسألة المؤسسين، وبالتأمل في الأسماء التي تطرح غالباً عند التأسيس يلاحظ أنه لا يجمع بينها عامل أو رابطة مشتركة تلتصق بأهداف الشركة وتخصصها، فيما عدا توفير المال، والرغبة في مضاعفته سريعاً، وعند الرجوع إلى وضع الشركات التي تأسست أو تحولت نجد أن حصص المؤسسين فيها قد تضاعفت أكثر من عشر مرات في غضون فترة وجيزة وهم متكئون على الوسائد، ومن يريد الدليل، ودون استعراض أسماء، عليه أن يأخذ شركة واحدة ويرجع إلى تاريخ طرحها وحصص المؤسسين فيها، ويرى كم مرة تضاعفت تلك الأموال، رغم أن بعضها لم يبدأ العمل بعد؟ والحل الذي يحد من استمرار هذا الوضع، ويحقق نوعاً من العدالة في التوزيع هو اشتراط أن لا يقل ما يخصص للاكتتاب العام عن 50 في المائة من رأس المال، ففضلاً عن أن ذلك يوفر العدالة، فإنه سيزيد من حجم الأسهم المتداولة، ويوسع قاعدة الملاك، ويعيد الثقة المفقودة من جراء تواضع ما يخصص للمكتتب، إلى جانب كونه يحفز مالك الأسهم على الاحتفاظ بها. هل تساهم التجزئة في الحل؟ يطرح كثير من الكتاب والمحللين مسألة تجزئة قيمة السهم كحل يرون أنه يزيد من قاعدة الملاك، ومن مساحة انتشار الأسهم، والمقصود منه أن تحول قيمة السهم الاسمية من خمسين ريالاً إلى عشرة ريالات، أو حتى ريال واحد، أسوة ببعض الأسواق المجاورة، وذلك لكي تنخفض تلقائياً القيمة السوقية للسهم، ويزول عنها شبح التضخم، كما أن من شأنه أن يسهل، ولو نظرياً، على ذوي الإمكانات المحدودة امتلاك كمية من الأسهم تشعرهم بالمشاركة في السوق، ولو من الناحية النفسية. هكذا يرى البعض من مؤيدي التجزئة، وفي الواقع أنه لا يوجد ميزة يمكن أن تحققها التجزئة في الوقت الحاضر، اللهم إلا إيهام المكتتب أو مالك الأسهم بزيادة حجم ما يمتلكه، أو رفع الحرج المصاحب لنتائج الاكتتاب المتمثل في تواضع ما يخصص، إذ إن الأربعة أسهم مثلاً ستكون عند التجزئة عشرين أو مائتين، تبعاً لقيمة السهم عند التجزئة. ولكن التجزئة في الجانب الآخر ستسرع من وتيرة التصاعد الذي تشهده السوق، إذ سيكون من السهل جدا صعود السهم عشر هللات يومياً في حالة كون السعر ريالا، أو ريال واحد في حالة العشرة ريالات، ومع أن هذه الزيادة لا تعد كبيرة من الناحية المادية، إلا أنها تعادل 10 في المائة من قيمة السهم. ومن هذا المنطلق أرى أن التجزئة لن تكون في صالح الوضع الذي نتوخاه جميعاً للسوق، ولنا في وضع الأسواق المجاورة التي اعتمدت هذا الأسلوب عظة وعبرة. بيع أسهم الدولة ينادي كثير من المهتمين بوضع السوق بقيام الدولة بطرح ما تملكه من أسهم للاكتتاب، تنفيذاً لأهداف خطط التنمية، وتوجه الدولة للتخصيص، وما وعدت به الحكومة، خاصة وأنه سيرفع من كمية الأسهم المتداولة، ويلغي بالتالي عامل الاحتكار والسيطرة على بعض الشركات، والتطاحن الموجود، والسيولة التي تزحف إلى السوق، والتي بدأت تأخذ طريقها للتدفق خارج المملكة، في هجرة معاكسة لما كان يأمله الجميع. ولا يختلف أحد من هذا المطلب، حتى الحكومة نفسها، سبق أن أقرته، وشكلت لجنة وزارية لدراسته، ولكن عاملي الروتين والبيروقراطية لابد أنهما أسهما في تأخير إعلان النتائج. والمؤمل هو الإسراع في إنزال أسهم الحكومة إلى السوق، وفي برنامج واضح يأخذ في الاعتبار أن يتم بشكل تدريجي لا يؤثر على وضع السوق، ويعرف المواطنون من خلاله موعد إنزال أسهم كل شركة، كما أن من المؤمل أن يُحدد حّدا أعلى للاكتتاب، بحيث يراعي وضع صغار المكتتبين، كأن يكون الحد الأعلى خمسمائة سهم، مع منع التوكيل، وذلك لضمان التوزيع العادل على كافة المواطنين. خفض حد الصعود والنزول اليومي إن معامل الحركة اليومية لأسعار الأسهم المتمثل في نسبة أقصاها 10 في المائة صعوداً ونزولاً يعد من العوامل التي أسهمت في الصعود القوي والمستمر لمؤشر السوق، وهو ذاته العامل الذي سيسهم في التراجع فيما لو أصيبت السوق بأي عارض مفاجئ. وبما أن الناس قد ألفوا الصعود المستمر، فإن وقع أي نزول حاد للمؤشر وتأثيره النفسي سيكون مؤلماً في حال التراجع، وقد رأينا ذلك ماثلاً للعيان في حالات متعددة. وبما أن الكل يرى ويعترف بأن قيمة الأسهم قد وصلت إلى حد يبتعد كثيراً عن المعايير المعّول عليها اقتصاديا، نظراً لأن المؤشر يسمح بنسبة تصل إلى 60 في المائة صعوداً أو نزولاً في الأسبوع، فإن خفض الحد الأقصى للحركة اليومية إلى أقل من المعدل الحالي هو إجراء يتصف بالحكمة والعقلانية، وسيساعد على التهدئة والترشيد، فضلاً عن أنه لن يضارّ منه أحد. إعادة النظر في فترة التداول هناك من يقترح توحيد فترتي التداول أسوة ببعض الأسواق المجاورة، ولكن الصعوبة تكمن في أي الفترتين يتم إلغاؤها لو تقرر ذلك. فمؤيدو فترة الصباح من المتفرغين ورجال الأعمال والمتقاعدين، يرون أنها هي الفترة المثلى للتداول، بحكم الارتباط بالأسواق الأخرى، وغيرهم من موظفي الحكومة، ومنسوبي القطاع الخاص يرون أن الفترة المناسبة هي المساء، وبين هذا وذاك ينبغي أن ندرك أن وجود الفترتين، واستمرار التداول ستة أيام في الأسبوع، قد أسهم في إغراء فئات كثيرة بالولوج إلى السوق، وينسب إليه بعض أسباب التطاحن الموجود، وبما أن السوق مرتبطة، وسترتبط أكثر، بالأسواق الخارجية التي غالباً تعتمد الفترة الصباحية، وبما أن الاستغناء عن الفترة المسائية يفترض أن يقلل من التعامل المباشر في الأسهم، وفي ذلك توجه إيجابي نحو اختفاء المزيد من النضج والعمق على السوق، فإن الوضع الأمثل، والأكثر ملاءمة، هو الاكتفاء بفترة صباحية، مع إلغاء فترة يوم الخميس. النظر في وضع الشركات الخاسرة تسيطر على السوق ظاهرة شاذة لا تتماشى مع العرف والمنطق والقواعد الاقتصادية، تلك هي تضخم أسعار أسهم الشركات الخاسرة ذات رؤوس الأموال الصغيرة، الآخذة في التآكل، أو ما أصبح يطلق عليه شركات المضاربة، بشكل يفوق غيرها من الشركات المدعومة بمراكز مالية قوية. وقد تناول الكثير من المحللين وضع هذه الشركات، فمنهم من طالب بحلها، أو إخراجها من السوق، أو وضع قيود على تداول أسهمها، والحقيقة أن هذه الشركات، وما تتعرض له من تأثير واختراق من قبل المضاربين أضحت سمة سلبية لسوق الأسهم، ولم يستطع أحد تفسير ما يحدث لها، أو ربطه بأي عامل منطقي، إذ كيف يتسنىّ لشركة تتعرض للمزيد من الخسائر، ويستمر رأس مالها في التآكل أن تستمر أسهمها في القفز دون حواجز، رغم أنه لا يوجد أي رابطة بين قيمة سهمها في السوق وما تساويه الأصول المقابلة له. وإذا استعرضنا الحلول المطروحة نجد أنها لا تخلو من الواقعية والمنطق، غير أن اتخاذها دون مقدمات، قد يؤثر سلباً على وضع السوق وصغار المستثمرين الذين انجروا وراء الكبار للاستثمار فيها، وقد يكون الحل المتزن هو منحها مهلة سنتين أو نحوها لتصحيح مسارها وتعديل وضعها في اتجاه تحقيق أهدافها، والبدء في تحقيق الأرباح وتوزيعها، فإن استطاعت الوفاء بذلك و إلا يجري وقف التداول فيها مؤقتاً حتى تستطيع الوفاء بالشرط المشار إليه. إنني أعتقد أن مثل هذا الحل سيكون كفيلاً بتصحيح الوضع، وسيجعل التداول منصباً على الشركات التي تعد من أعمدة السوق. منع الشركات من المضاربة في الأسهم يلاحظ في السنوات الأخيرة أن بعض الشركات المساهمة اتجهت إلى الاستثمار في سوق الأسهم سعياً لتعزيز مراكزها الربحية، وتحسين صورتها أمام مساهميها، وحققت من وراء ذلك أرباحاً كبيرة، وذلك رغم أن هذا النشاط لا يدخل أصلاً ضمن الأنشطة والأهداف التي أنشئت من أجلها. وخوفاً من أن تنشغل الشركات بهذا النشاط، وتحول إليه كافة مدخراتها أمام إغراءات جني الأرباح السريعة من خلاله، وذلك على حساب الأهداف والنشاط الأساسي لها، فإنه لا بد من مراجعة الوضع، وضع أي شركة لا يدخل الاستثمار في الأسهم ضمن أهدافها، من الاستثمار فيها، والتأكيد عليها بتوجيه اهتمامها إلى تحقيق الأهداف الأساسية لها، خاصة وأن مثل هذا التوجه سيخفف من الضغوط التي تواجهها السوق. هذا ما تراءى لي من حلول ومقترحات آمل أن تعدّل، في حالة تبنّيها، من الوضع المائل للسوق. والله من وراء القصد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار