Author

قمة عرفة .. رسالة السلام

|
عرفات يوم من أيام الإسلام العظيمة، يوم يشهد على اكتمال الدين، يوم يعرفه البشر كافة، ويتابعون أحداثه وأعماله باهتمام، سواء كانوا مسلمين أم غير ذلك. ونستشهد هنا بالحديث المشهور رُوِيَ أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا "أمير المؤمنين" آية في كتابكم تقرأونها، لو كان علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: "وأية آية؟" قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، فقال عمر "إني لأعلم المكان الذي نزلت فيه، واليوم الذي أنزلت. نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرفات يوم جمعة". وهذا الحديث المهم الذي جاء بين رجلين كل منهما على دين مختلف عن هذا اليوم العظيم، يشير إلى سماحة الإسلام، وأنه دين الحوار والانفتاح على الآخر. فإذا كان الرجل اليهودي يقول لعمر بن الخطاب - رضى الله عنه - وهو أمير المؤمنين يومئذ - إنه يعرف آية في القرآن لو نزلت على اليهود لاتخذوا يوم نزولها عيدا، ويرد عليه ابن الخطاب باهتمام بالغ ويسأله عنها، فأي حوار عظيم بين أمير المؤمنين ورجل من رعيته على غير دينه. أي تسامح هذا الذي يجعل رجلا من دين آخر يعلم أمير المؤمنين عن بعض أمور دين الأمير، لكنه كمال الإسلام وعظمته قد قطعتا الطريق على اليهودي، فلا يرى في دين الله نقصا، فقد كان يوم نزلت فيه الآية العظيمة يوما عظيما إلى يوم القيامة. يوم عرفة، يوم رسالة السلام، يوم يجتمع فيه جميع أبناء الإسلام على قلب واحد، سواء من حج منهم أو من لم يحج، فأين أولئك الذين يستحلون الدماء المعصومة، ويأملون أن يفروا من يد العدالة منهم؟ يقتلون المسلمين وأبناء المسلمين، ويحابون البشرية بدعوى جاهلية، والله يقول في يوم عرفات إنه أكمل الدين، ورضي الإسلام لنا دينا يجتمع عليه المسلمون كافة، طائعين لله رغم معاصيهم وذنوبهم، كلهم مسلمون، على اختلاف ألوانهم، وطبائعهم، وعاداتهم حتى مذاهبهم، مسلمون يقولون: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك"، كلهم مسلمون لا يشركون به شيئا وإن اختلفت آراؤهم أو تفسيراتهم. فالإسلام بهذا اليوم يعلنها أنه دين سلام، لا يحل فيه دم امرئ ولا ماله ولا عرضه إلا بالحق، والحق هنا يقضي به النظام والحاكم، وليس للشخص أن يحاكم الناس من قبل نفسه أو تنظيمه، ويخرج عن أهل الإسلام وجمعهم، ويفتئت عليهم ثم يقول هذا من عند الله. ولهذا، فإن هذا التحريم العظيم للدماء والأموال والأعراض جاء في يوم اكتمال الدين، يوم جمع المسلمين العظيم كدلالة قاطعة على أهمية اجتماع الكلمة في كل أمر، فأين دعاة الإرهاب من هذه القواعد العظيمة والأسس المتينة؟ أين من استحلوا الدماء وعاثوا في البلاد، دعاة للخراب والدمار تحت أوهام الحزبية والتنظيمات الغادرة؟ يوم عرفة يوم السلام، يوم الأمن والأمان، يعطي الله أمر الحج والقيام بأعماله ومتابعة أمور الحجيج الأعظم، الذين يأتون من كل فج عميق، يؤتي هذا الأمر لمن يشاء من عباده، وقد آتاه الله اليوم لهذه الدولة العظيمة المحبة للسلام، السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ولهذا لا تجوز منازعة الأمر أهله، ولا تجوز دعاوى تدويل الحج؛ إذ إن أمر الحج إلى ولي أمر المسلمين القائم به، ودعاة توليه دعاة هدم، دعاوى فتنة وتمزيق الكلمة، دعوة الخوارج من قبل، هم دعاة إرهاب واستحلال الدماء، فأمر الحج في الدولة السعودية يقوم على اتباع سنة النبي الكريم لجمع كلمة المسلمين، تحافظ فيه الدولة على روح الإسلام، ولكل مذهبه وعاداته، بشرط واحد، شرط "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك"، فلا دعوة للحج لغير الله، لا لحزب ولا لفئة ولا لتنظيم ولا لشعارات قومية أو فلسفية. يوم عرفة، يوم أعز الله فيه الإسلام، ومضى نبينا الكريم يسير بين المناسك، لم يخاصم أحدا، وكل ما سأله سائل عن أمر ما، قال: "افعل ولا حرج"، فلا محاجة في بعض الترتيب، ولا مشكلة في بعض الاختلاف، وكلٌّ له في أمره سعة، فالله الذي خلق البشر وهو أعلم بهم، الله الذي يعلم ما في صدورهم، فلم يجعل لأحد على أحد سلطانا في إيمانه وقلبه، فلا تشقوا عن صدور الناس، كل من قال "لا إله إلا الله" فهو مسلم، معصوم الدم والمال والعرض، إلا أن يأمر الحاكم فيه بشرع الله وفق نظام قضائي عادل ونزيه، من يرد في هذا اليوم أو في هذا الدين أو في هذه الدولة ظلما، أو أن يستعين بدولة مهما عظمت، أو بتنظيم مهما صغر كي يعينوه على ظلمه، أو يمنعوه من قوة القضاء العادل وقوة النظام الواضح في هذه الدولة، فإنه في وهمه يتردد، وستمضي هذه الدولة على الحق المبين، وفق شريعة الله العظيمة، وتعلنها في كل عام في يوم عرفة، السلام لمن يريد السلام، لكلٍّ مذهبه ورأيه بلا تحريض ولا ترهيب ولا استغلال، مذاهب شتى تلتقي في يوم عرفة، لم تمنعهم الدولة ولم تحرمهم حقهم، بل وفرت لهم سبل الراحة والسلامة، آمنين مسالمين، يدعون ربهم ولا غيره.
إنشرها