default Author

عدم اليقين وتراخي الأسواق

|

شرعت الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات تجارية تؤثر في مجموعة واسعة من البلدان، وتواجه إجراءات انتقامية مقابلة أو تهديدات باتخاذ مثل هذه الإجراءات من جانب الصين، والاتحاد الأوروبي، وشركائها في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، واليابان، ودول أخرى. وتشير النماذج التي أعددناها إلى أن السياسة التجارية التي يتم التهديد بها حاليا، إذا تحققت، ثم تراجعت ثقة الأعمال تبعا لذلك، فإن الناتج العالمي يمكن أن يقل 0.5 في المائة عن التوقعات الحالية بحلول عام 2020. ونظرا لأن الولايات المتحدة هي الهدف الأساسي للإجراءات الانتقامية العالمية في ظل اتساع نطاق الصراع التجاري، فقد تجد نسبة كبيرة نسبيا من صادراتها خاضعة للضرائب في الأسواق العالمية، وبالتالي فهي معرضة للخطر بوجه خاص.
وقد برزت مخاطر أخرى منذ تقييمنا الصادر في نيسان (أبريل) الماضي؛ إذ ارتفع عدم اليقين السياسي في أوروبا؛ حيث يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات سياسية جوهرية تتعلق بسياسة الهجرة، وحوكمة المالية العامة، والأعراف المتعلقة بسيادة القانون، والبنيان المؤسسي لمنطقة اليورو. ولا تزال شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير محسومة رغم مضي شهور على بداية التفاوض. ومما يضيف إلى عدم اليقين عمليات التحول السياسي المرتقبة في أمريكا اللاتينية على مدار الشهور المقبلة.
وأخيرا، وعلى الرغم من أن بعض الأخطار الجغرافية - السياسية قد تبدو في انحسار، إلا أن العوامل الأساسية المحركة لها لا تزال فاعلة في كثير من الحالات.
وتبدو الأسواق المالية متراخية عموما في مواجهة هذه الاحتمالات، مع ارتفاع التقييمات وضيق فروق العائد في كثير من البلدان. وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع مستويات الدين العام والخاص يشكل نقطة ضعف مستشرية. ولا شك أن أسعار الأصول لا تستمد الدعم من الأوضاع المالية الميسرة فقط، إنما ترتكز أيضا على مشهد النمو العالمي، الذي لا يزال مرضيا بشكل عام، ولذلك فهي عرضة للتأثر بأي إعادة تسعير مفاجئة إذا ما تباطأ النمو وضعفت أرباح الشركات المتوقعة. ولدعم النمو حتى المدى المتوسط؛ حيث تشير التنبؤات إلى انخفاض النمو الاتجاهي للاقتصادات المتقدمة وكثير من البلدان المصدرة للسلع الأولية ــ يتعين على صناع السياسات اتخاذ إجراءات عاجلة لرفع النمو الممكن، وتعزيز الصلابة عن طريق الإصلاحات، مع إعادة بناء هوامش الأمان في المالية العامة، وتوجيه السياسة النقدية بحرص للحفاظ على ثبات توقعات التضخم عند المستويات المستهدفة.

العدالة الاقتصادية والتعاون العالمي
يجب على الحكومات أيضا أن تولي اهتماما أكبر للعدالة الاقتصادية بين المواطنين، خاصة حماية الفئات الأكثر فقرا. فالاعتلال السياسي المستشري، الذي يدفع كثيرا من مخاطر السياسة الجارية، بما في ذلك المخاطر التجارية، ترجع جذوره إلى تجارب عدة بلدان سعت إلى النمو والتحول الهيكلي دون النظر إلى الاحتوائية، الأمر الذي تفاقم مع وقوع الأزمة المالية في الفترة بين 2007 - 2009 وما أعقبها من صعوبات. ويجب العمل على معالجة الاتجاهات العامة الأساسية من خلال سياسات تراعي اعتبارات العدالة والنمو، مع ضمان توافر الأدوات الاقتصادية الكلية اللازمة لمكافحة التباطؤ الاقتصادي المقبل. وما لم يتحقق هذا، فلن يقود الوضع القائم إلا إلى مستقبل سياسي مظلم.
ومع تصدي البلدان لهذه التحديات، يتعين أن تقاوم الفكر الانغلاقي، وأن تتذكر أن التعاون متعدد الأطراف مطلب حيوي في طائفة من المشكلات ذات الاهتمام المشترك. ومن بين القضايا ذات الاهتمام المشترك، التي لا تكفي فيها الإجراءات على المستوى الوطني، تعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف، وتخفيض الاختلالات العالمية المفرطة، وسياسة الاستقرار المالي، وسياسة الضرائب الدولية، والتهديدات الإلكترونية، وغيرها من التهديدات الإرهابية، والسيطرة على الأمراض، وارتفاع حرارة الكرة الأرضية. وكذلك يتطلب الأمر جهدا عالميا فعليا للحد من الفساد الذي يضعف الثقة بالحكومة في كثير من البلدان. وأخيرا، فإن نوبات الضغوط المترتبة على طفرات الهجرة الدولية، التي ثبت أخيرا تأثيرها في الاستقرار السياسي، لا يمكن تجنب تكرارها دون تحرك تعاوني لتحسين الأمن الدولي، ودعم أهداف التنمية المستدامة، ومقاومة تغير المناخ والآثار المترتبة عليه.

إنشرها