FINANCIAL TIMES

عدم التنازل عن سيادة الجزر لمصلحة القارة .. جوهر «البريكست»

عدم التنازل عن سيادة الجزر لمصلحة القارة .. جوهر «البريكست»

هل بريطانيا ما بعد البريكست "تتجه حقا لتصبح بمكانة مستعمرة"؟
ادعاء بوريس جونسون المثير للفتنة في خطاب استقالته من حقيبة الخارجية ضمن وزارة تريزا ماي، عبَّر عن الكمد الذي يعيشه أنصار البريكست الذين يخشون من أن مغادرة الاتحاد الأوروبي، ربما تضعف سلطة صنع القرار في البرلمان البريطاني بدلا من استردادها.
خطة تيريزا ماي في الحصول على بريكست أكثر سلاسة من شأنها أن تنطوي، من وجهة نظرهم، على تخلي المملكة المتحدة عن مزيد من النفوذ على مضمون بعض القوانين الوطنية، بشكل أكبر مما كانت عليه الحال حين انضمامها للاتحاد الأوروبي في عام 1973.
هذه فكرة بعيدة تماما عن وعود "استعادة السيطرة" التي قدمها استفتاء البريكست. بحسب كلمات ديفيد ديفيس، الوزير السابق المكلف بإجراء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول البريكست، فإن أي استعادة للسيادة ربما تكون مجرد "وهم".
ترفض ماي الادعاءات التي من هذا القبيل، وتصر على أن مقترحاتها المتضمنة وجود قواعد مشتركة مع الاتحاد الأوروبي تقتصر على السلع والمنتجات الزراعية، ولا تتضمن اختصاصا مباشرا من القضاة الأوروبيين، لكن أهم ما في الأمر أنها تتوقف على الموافقة الصريحة والمستمرة من برلمان المملكة المتحدة.
على أن الأمر بالنسبة إلى كثيرين في بروكسل والحكومة البريطانية، خطة رئيسة الوزراء البريطانية ما هي إلا بداية لتحول أوسع نطاقا في السياسة. ولكي تلقى رؤيتها القبول لدى زعماء الاتحاد الأوروبي، فإن رؤيتها المتمثلة في مواصلة بريطانيا الاحتفاظ بمزايا الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة، من المؤكد أنها ستقتضي تقديم تنازلات إضافية فيما يتعلق بقبول القواعد التي تغطي السلع والخدمات.
السير إيفان روجرز، السفير البريطاني السابق لدى الاتحاد الأوروبي، قال "إن نموذجا من هذا القبيل بدل أن يعمل على تعزيز السيطرة، فإن من شأنه أن يؤدي إلى أكبر خسارة في سيادة المملكة المتحدة منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973".
وأضاف قائلا "إن المشكلة التي تواجهها ماي هي أن البديل الرئيسي لاتفاقية التجارة الحرة على الغرار الكندي هي اتفاقية "أدركت ماي أخيرا أنه لا يمكنها تقديم تجارة دون احتكاك يذكر"، وهذا من شأنه أن تترتب عليه تكاليف اقتصادية خطيرة. قال السير إيفان "وبالتالي وجدت نفسها محاصرة بين خيارين لا يمكن احتمالهما".
الدبلوماسيون في بروكسل يعانون منذ فترة طويلة الحيرة إزاء ما يرون أنه حوار زائف في وستمنستر حول السيطرة. بالنسبة إلى كثير من الدول الأعضاء الأصغر حجما في الاتحاد الأوروبي، عمل تجميع السيادة في الاتحاد الأوروبي من الناحية العملية على تضخيم نفوذها على القواعد المشتركة والمؤسسات المشتركة.
وحتى لو تحررت بريطانيا من مدار بروكسل التنظيمي، يتنبأ مسؤولو الاتحاد الأوروبي بثقة من أن الحجم الكبير لسوق الاتحاد الأوروبي سيعني أن المصدرين البريطانيين سيمتثلون بشكل روتيني، بالمعايير التي وضعها الاتحاد الأوروبي.
قال مسؤول حكومي في الاتحاد الأوروبي مسؤول عن البريكست "لم يعد هنالك شيء اسمه بلد سيادي. هذا وهم يسعى البريطانيون جميعا إلى تحقيقه، لكنه ولى وانتهى".
وقارن مفاوض آخر في الاتحاد الأوروبي حول البريكست الدراما السياسية البريطانية بأنها "محاربة لطواحين الهواء".
خطة ماي المتعلقة بالسلع الأساسية تشبه إلى حد كبير الترتيبات الحالية التي تتخذها النرويج داخل المنطقة الاقتصادية الأوروبية. وفي حين إن أوسلو تخضع لولاية قضائية منفصلة عن الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تتقبل مجموعة قوانين الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالسوق الموحدة، ولديها مؤسسات تعمل على تفسير تلك القوانين جنبا إلى جنب مع الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية.
ولديها خيار رفض قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة، لكنها لم تفعل ذلك أبدا حتى الآن خشية إقصائها من الأسواق.
أشار ستيفن ويذرميل، أستاذ القانون في جامعة أكسفورد، إلى أن توصُّل بريطانيا إلى مثل هذه النتيجة من شأنه أن يؤدي إلى تقليل نفوذها الحالي على عملية صنع القرار، التي تمارسها من خلال المشاركة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي وصنع السياسة.
وأضاف "كان يمكن أن يقول الجميع تقريبا قبل إجراء الاستفتاء إن صفقة على الغرار النرويجي هي أسوأ ما يمكن أن تؤول إليه الأمور، فهي لا تحقق الاستقلالية التنظيمية التي يريدها أنصار البريكست، ولا تقدم أي نفوذ "على الاتحاد الأوروبي، لكننا لا نزال نراوح مكاننا".
بعض أنصار البريكست المخضرمين أمثال كريستوفر بوكر الصحافي، ودانيال هانان عضو في البرلمان الأوروبي، يناصرون صفقة على غرار النرويج أو سويسرا لتكون نقطة انطلاق معقولة لبريطانيا ما بعد المغادرة.
إحدى القضايا المحتملة هي أن بريطانيا ربما لن تضمن حتى الحريات المحدودة التي تتمتع بها النرويج.
أشار أحد مفاوضي الاتحاد الأوروبي إلى أن خيار النرويج الليبرالي المتمثل في التباعد بموجب اتفاقية المنظمة الاقتصادية الأوروبية، ربما لن يتم منحه أبدا لاقتصاد كبير مثل المملكة المتحدة.
وقال المسؤول، مشيرا إلى سجل الامتثال في أوسلو "ينبغي للمسؤولين البريطانيين النظر إلى حقيقة الآلية التي تعمل من خلالها المنظمة الأوروبية. فالنرويج هي النرويج".
أشار ديفيس إلى أنه لن يكون هنالك منع اقتصادي مفروض على تباعد بريطاني فحسب – بمعنى خسارة إمكانية الوصول إلى السوق – بل سيكون هنالك أيضا منع سياسي.
كما أن من شأن اتخاذ قرار يقضي برفض قوانين الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالسلع الأساسية يمكن أن يستثير ترتيبا مساندا لمنع إنشاء حدود صعبة مع إيرلندا الشمالية، التي يعتبر كثير من المحافظين أنها تؤدي إلى انقسام المملكة المتحدة.
يلاحظ أولف سفيردروب من "المعهد النرويجي للشؤون الدولية" أن بعض أكبر الصعوبات التي تواجه المنظمة الاقتصادية الأوروبية لم تكن تتعلق بالسياسات، بل كانت تتعلق بالترتيبات المتخذة لإدارة العلاقة.
وهذه الترتيبات تشتمل على عملية صنع القرار، وتسوية النزاعات والآلية المتبعة في مراجعة وتنقيح القوانين المشتركة. وقال "هذه هي القضايا الأصعب. ولم يتم حتى تناولها بعد من قبل حكومة المملكة المتحدة".
في يوم شهد استقالة وزيرين من مجلس وزراء المملكة المتحدة، أكد سفيردروب مدى الأهمية التي كانت بالنسبة إلى النرويج من حيث إنشاء توافق واسع النطاق في الآراء بشأن نموذجها المختار، الذي يتجاوز حزبا سياسيا واحدا.
وقال "تبنى الجميع هذه الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي وهذا جعلها اتفاقية مستقرة جدا. لا أحد يحبها في الحقيقة، لكنها كانت أفضل خيار أمامهم. كل هذه الأنواع من الحلول التوفيقية يغلب عليها أن تكون كريهة للغاية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES