ثقافة وفنون

هل المتعلم يعد مثقفا؟ سؤال عميق وإجابات لا تنتهي

هل المتعلم يعد مثقفا؟ سؤال عميق وإجابات
لا تنتهي

هل المتعلم يعد مثقفا؟ سؤال عميق وإجابات
لا تنتهي

هل المتعلم يعد مثقفا؟ سؤال عميق وإجابات
لا تنتهي

هل يعتبر أستاذ الجامعة مثقفا؟ أو لنطرح السؤال بطريقة مغايرة: هل الطبيب والمهندس والمحامي مثقفون؟ وهل يضمن التعليم الثقافة؟
استفهامات طرق أبوابها كثيرون، لكنهم اتفقوا على أمر واحد، وهو أن المثقف ليس لقبا أو صفة يمكن للمرء أن يطلقه على نفسه، بل يجب أن يترك ذلك للآخرين ليحكموا عليه، في آن يحق له أن يطلق على نفسه لقب متعلم، إن استحق ذلك بعد دراسته.

بون شاسع

في كتابه "خوارق اللاشعور"، يقول الأستاذ والمؤرخ العراقي علي الوردي "ينبغي أن نميز بين المتعلم والمثقف؛ فالمتعلم هو من تعلم أمورا لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره. فهو لم يزدد من العلم إلا ما زاد في تعصبه وضيق في مجال نظره. هو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه وتحرضه على الكفاح في سبيله. أما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة وللتأمل فيها ولتملي وجه الصواب منها".
لقد أصبح مصطلح "مثقف" فضفاضا وصفة مشاعة، تطلق بلا حسيب أو رقيب على نطاق واسع، لكن هناك بون شاسع بين المتعلم والمثقف، فوفقا للوردي، ليس كل من يحمل درجة جامعية يستحق لقب "مثقف"، فهو لم يخرج عن الإطار الفكري المعتاد، وإن أطلقنا عليه صفة مثقف لجردنا - بطبيعة الحال - كل من لا يحمل شهادة جامعية ويتسلح بالمعرفة ويتمتع بالفكر من هذه الصفة، وهو استحقاق في غير محله.

فجوة

يعتبر مثقفون أن الجامعات خرجت أجيالا من المتعلمين، أصحاب الشهادات العليا، الذين لا يمكن أن نطلق عليهم صفة "مثقف"، إلا ما ندر.
صفة "متعلم غير مثقف" هي صفة أطلقها حتى عامة الناس على بعض خريجي الجامعات، فهم يرون أن المثقف يجب أن يكون ذا إنتاج فكري، صاحب رأي، يمتلك قدرا من الوعي والسلوك الحضاري، مطلع على ثقافات وعلوم شتى.
ولعل وجود أعداد كبيرة من الخريجين غير المثقفين يعود إلى أسباب عدة، أبرزها عدم اهتمام الطالب بتثقيف نفسه، والبعد عن قراءة الكتب، أو حتى التواصل مع طلاب من بيئات مختلفة أثناء الدراسة ، فيما يحمل البعض المؤسسات التعليمية مسؤولية عدم وجود أنشطة كافية للانخراط بها، تنمي المعرفة، وتكسب الطالب ثقافة؛ وإن كانت في حدودها الدنيا.
على الجانب الآخر، كثيرا ما نصادف أشخاص لم يوفقوا في الحصول على القدر الكافي من التعليم، إلا أنهم يملكون فكرا وثقافة تتجاوز المتعلمين بمراحل، وربما يجيد هؤلاء لغة أو اثنتين، دون أن يلتحق بأية مؤسسة تعليمية، ليطلق عليه عرفا "مثقف غير متعلم".

المثقف متعلم أفقيا

فيما مضى، في وقت كانت فيه معدلات الأمية مرتفعة، والتعليم الجامعي لا يستوعب كافة خريجي الثانوية، كانت المجتمعات تطلق لقب "مثقف" على كل من يحمل شهادة جامعية، لكن في عصر التحولات المجتمعية؛ لم يعد هذا اللقب ينحصر في فئة المتعلمين، بل تجاوزهم، ليصل معناه إلى ما هو أكثر من ذلك، إلى المطلع على شيء من كل شيء، الملم بالمعارف المختلفة.
الكاتبة باسمة يونس تكشف عن موقف يؤكد على الفوارق بين المثقف والمتعلم، إذ تقول: "لا شك في أن حقيقة ما يحدث في بعض المجالس حينما تفتح حوارات عديدة وتبدأ في تلك الجلسات مناقشات متنوعة حول العديد من الأمور المحيطة بالناس في المجتمع، التي قد تجري بين أناس من مختلف المشارب والأعمار والأفكار ومستويات التعليم، فيشارك البعض ويناقشون كل موضوع مطروح ويبدون آراءهم فيه، بينما يغرق البعض الآخر في صمت مطبق كأن على رؤوسهم الطير، فلا يتبادلون الحديث ولا يعرضون أفكارهم مع كونهم من أصحاب الشهادات العليا والدرجات العلمية المتفوقة، ما يؤكد أن الثقافة لا تترافق مع الشهادة والمتعلم ليس بالضرورة مثقفا".
وإذا ما حاولنا أن نعرف كلمة "مثقف"، فسنحصل عبر الكتب والمراجع على ما يناهز 500 تعريف أكاديمي ومفهوم، أكثرها توافقا هي "الأخذ من كل علم بطرف"، وتفسيرها بأن المتعلم هو المتفوق عموديا، تفوق على المثقف بحكم التخصص في مجال أو أكثر، في حين أن المثقف تفوق على المتعلم أفقيا، بحكم التنوع والنضج المعرفي، وقدرته على استثمار هذه المعرفة بالكم والكيف الذي يتطلبه الموقف.

سعة اطلاع أم ثقافة؟

الكاتب فهد عامر الأحمدي كان له رأي مغاير فيما يتعلق بالثقافة، فهو لا يرى أن المثقف بالضرورة يجب أن يكون مطلعا على العلوم والمعارف. ففي مقال له بعنوان: "من هو المثقف؟"، يقول الأحمدي: "في فترة من فترات حياتي فكرت في وضع اختبار يتكون من 1000 سؤال لتحديد من هو المثقف. فكرت في وضع أسئلة شاملة ومنوعة وافترضت أن الإجابة على 75 في المائة منها تكفي لمنح الإنسان صفة الثقافة ولقب "مثقف". ولكنني اليوم أعتقد أن امتحانا كهذا لا يثبت غير جزء واحد من شخصية المثقف هي: تنوع المعرفة وسعة الاطلاع. فالثقافة الحقيقية ليست فقط كما هائلا من المعلومات (فشبكة الإنترنت كذلك) بل هي سلوك متحضر، وذهن متفتح، ورؤية شاملة، وامتزاج معلوماتي، وتسامح فكري، واطلاع على ثقافات ومصادر مختلفة - بعضها متناقض بمعنى الكلمة - .. المثقف ليس متعصبا ولا متشددا ولا نتاج ثقافة وحيدة أو أفكار مقولبة أو رؤية مقدسة ولا ينظر لنفسه كذلك".
فولتير بدوره وصف المثقف فأحسن وصفه، فصاحب مقولة "قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد أن أدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول رأيك" يتفق مع سابقه، ولخص القضية كلها حين قال "المثقف لا يكره، ولا يحقد، ولا يحاول الإطاحة بوجهات نظر الآخرين".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون