الطاقة- المعادن

بعد تراجعه 5 % منذ بداية العام .. هل فقد الذهب بريقه أم يواجه وعكة طارئة؟

بعد تراجعه 5 % منذ بداية العام .. هل فقد الذهب بريقه أم يواجه وعكة طارئة؟

هل يفقد الذهب بريقه يوما بعد آخر في الأسواق الدولية؟ هل نحن أمام هبوط متواصل في الأسعار سيمتد سنوات؟ أم أن المعدن النفيس يواجه وعكة صحية طارئة، سيتعافى منها سريعا، ويستعيد تألقه وبريقه بعد أن أثبت قدرته الدائمة عبر التاريخ على الاحتفاظ بسيادته وجاذبيته مهما كانت حدة العواصف. 
ربما تكون الإجابة مؤلمة لتجار الذهب والمضاربين على المعدن النفيس في العالم، فمنذ بداية العام حتى الآن، انخفض بنحو 5 في المائة. وخلال الأسبوعين الماضيين فقد 2 في المائة من قيمته، وللشهر الرابع على التوالي تتعرض أسعار الذهب للتراجع والخسارة، ليصل سعره الآن إلى أدنى مستوى له منذ عام.
ويبدو أن الشهر المقبل على الأقل لا يحمل حتى الآن أنباء جيدة للذهب، فقد سجلت عقود الذهب الآجلة لشهر آب (أغسطس) مستوى 1.225.90 دولار للأونصة الواحدة في بورصة نيويورك، وهو أدنى مستوى منذ 14 تموز (يوليو) الماضي، عندما تداول المعدن الأصفر عند 1.214.0 دولار.
قد يكون السؤال المنطقي، لماذا تتراجع أسعار الذهب؟ وبقدر بساطة السؤال، تتعد الإجابات ولا تتفق على عامل واحد فقط يؤثر في التوجهات السعرية الراهنة للمعدن النفيس. 
ويقر دبليو سي كينلي من اتحاد السبائك البريطاني، بوجود مجموعة من العوامل التي وجهت أسعار الذهب في اتجاهات سلبية، لكنه يعد أن الوضع القوي للاقتصاد الأمريكي، وتحسن سعر صرف الدولار الأمريكي، وتوجهات المجلس الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، جميعها عوامل رئيسة تدفع أسعار الذهب للانخفاض.
ويعلق لـ"الاقتصادية" قائلا، "الذهب في الأساس ملاذا للقيمة، ومن المنطقي للغاية عندما تتحسن المؤشرات الاقتصادية، وتزيد ثقة المستهلكين في الوضع الاقتصادي، أن ينخفض الطلب على الذهب. جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي في شهادته أمام الكونجرس، طرح مشهدا إيجابيا بشأن الاقتصاد الأمريكي، ويترافق ذلك مع احتمال ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة، ومع زيادة فرص التوظيف نتيجة التوسع الاقتصادي الأمريكي، نجد أنفسنا أمام توليفة من المؤشرات الاقتصادية تفقد الذهب بريقه أمام الدولار، خصوصا للمستثمرين خارج الولايات المتحدة".
مع هذا، فإن بيتر نويل الخبير الاستشاري في مجموعة نت وست المصرفية، يرى من جانبه، أن قوة الاقتصاد الأمريكي، والوضعية القوية للدولار أحد العوامل المؤثرة في أسعار الذهب، لكنه يعتقد أن العامل الأكثر تأثيرا لا يكمن في قوة الاقتصاد الأمريكي، إنما في ضعف الاقتصاد الصيني، على حد تعبيره. 
وقال، "تراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني أكثر خطورة على أسعار المعادن عامة والذهب من بينها، مقارنة بتحسن أداء الاقتصاد الأمريكي، فالصين أكبر مستهلك للذهب، وتراجع الطلب الصيني نتيجة انخفاض النمو، سيؤدي إلى تقلص الطلب على المعدن النفيس، بنسبة تفوق بكثير الزيادة التي يمكن أن تتحقق مع تنامي الطلب الأمريكي نتيجة قوة الدولار".
وتتفق وجهة النظر تلك مع قناعة عدد من الخبراء في مجال تجارة الذهب، التي ترسم مستقبلا غير مشرق لأسعار المعدن الأصفر في الوقت الراهن، نتيجة الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، التي يتوقع كثير منهم أن تترك بصمات سلبية على كلا الاقتصادين، لكن تأثيرها على الجانب الصيني سيكون أكثر ثقلا، وسيتمثل ذلك في تراجع العملة الصينية، ومعه تتراجع قدرة الصينيين على شراء الذهب.
الوضع الراهن للذهب وتراجع أسعاره، يمثل من وجهة نظر بعضهم فرصة ذهبية للاستثمار فيه. ويراهن هؤلاء على تحسن أداء الاقتصاد الهندي، خصوصا مع موسم زراعي جيد، وحيث إن شهر تشرين الثاني (نوفمبر) في الهند يشهد عديدا من الاحتفالات والأعياد وحفلات الزواج، فإن بعضهم يراهن على أن الطلب سيتحسن قرب نهاية العام الجاري.
ومع هذا، فإن بعض المختصين يرفض الجزم بسعر محدد، ويفضل طرح سيناريوهات مختلفة بهذا الشأن. 
السيناريو الهبوطي، هذا السيناريو يأخذ أسعار الذهب إلى وضع مشابه لما كانت عليه نهاية التسعينيات من القرن الماضي، عندما أنهى الذهب اتجاهه الهبوطي الذي دام لعقدين من الزمان. ويطرح هذا السيناريو في أقصى حالته التشاؤمية إمكانية أن يواصل الذهب تراجعه عدة سنوات مقبلة، وهذا يعني أن أسعار المعدن الأصفر ستواصل الانخفاض هذا العام.
ويشير هذا السيناريو إلى أن الذهب سيتداول في المتوسط عند حدود 1350 دولارا للأونصة، لكنه من الممكن أن ينخفض إلى 1100 دولار، بينما يعني انهيار السوق وفقا لسيناريو الهبوط أن يصل سعر الذهب إلى 925 دولارا للأونصة. المخيف في الأمر، أن الخبراء يقدرون احتمالية حدوث هذا السيناريو بنسبة 60 في المائة. 
تي. إس. جورج المحلل المالي في بورصة لندن، يطرح سيناريو آخر يطلق عليه اسم "السيناريو المحايد"، وعلى الرغم من قناعته بأن السيناريو الهبوطي يبدو أكثر واقعية، إلا أنه يشير إلى ضرورة عدم استبعاد السيناريو المحايد، وأخذه على محمل الجد.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا، "إذا تحرك الذهب فوق مستوى 1280 دولارا، وبقي على هذا المستوى لفترة طويلة من الزمن دون كسر مستوى 1375 دولارا للأونصة، فهذا يعني أن هناك اتجاها جديدا بدأ يحل محل الاتجاه الهبوطي".
وأضاف، "هذا يعني أن أسعار الذهب سترتفع عام 2019، ولن يكون عام 2018 أكثر من عام انتقالي"، ويقدر احتمال حدوث هذا السيناريو بنحو 30 في المائة.
السيناريو الأخير يبدو مرغوبا فيه، لكن نسبة تحققه على أرض الواقع لا تزيد على 10 في المائة، ويتمثل هذا السيناريو في ارتفاع الأسعار خلال هذا العام، والمؤشر على تحقيق هذا السيناريو أن يتجاوز سعر المعدن النفيس 1375 دولارا للأونصة، وأن يظل محتفظا بهذا السعر ثلاثة أسابيع متتالية على الأقل، وإذا ما تحقق ذلك فإن الأسواق ستستهدف مستوى سعريا يصل إلى 1550 دولارا للأونصة.
ولكن ما الذي يمكن أن يؤدي إلى تحقق السيناريو الأخير؟ الدكتور وليام ديفيد أستاذ التجارة الدولية، يرى أن دخول الاقتصاد الدولي في أزمة حقيقية فيما يتعلق بالتجارة الدولية، ومعدلات النمو، ستدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع وتحقق السيناريو الثالث. 
ويقول، "إذا انفلتت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن من عقالها، وتراجع النمو الاقتصادي في البلدين بمعدلات كبيرة للغاية، فإن المنطق الاقتصادي المحض يشير إلى فقدان المستهلكين على الجانبين الصيني والأمريكي ثقتهم في الاقتصاد، ولن يكون أمامهم سوى العودة إلى الأنماط التقليدية للحفاظ على القيمة، وفي تلك الحالة لن يكون هناك أفضل من الذهب لتحقيق ذلك، وهو ما يعني زيادة الطلب العالمي على المعدن النفيس مجددا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن