Author

النمو الاحتوائي في المنطقة العربية «1 من 2»

|

إن أهمية النمو الاحتوائي الذي سأتحدث عنه تكمن في أنه يلبي تطلعات الشعوب، ويؤدي إلى صنع الوظائف وتعزيز العدالة الاجتماعية. واليوم، مع التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بل العالم كله، أصبحت الحاجة أكثر إلحاحا لإجراء إصلاحات جريئة ومستمرة، تحقق النمو الاحتوائي.
فالنمو في الشرق الأوسط لا يزال دون المطلوب منذ الأزمة المالية العالمية، وبالتالي فإن مستويات الدخل تشهد مراوحة، وفرص العمل غير كافية. إن ضعف النشاط الاقتصادي في المنطقة، له أسباب هيكلية داخلية،. وكذلك هناك تحديات خارجية تنعكس سلبا على المنطقة واقتصادها، ومنها تقلب أسعار السلع الأولية.
وفوق كل ذلك، أدت النزاعات الأمنية إلى زعزعة استقرار المنطقة، وخيمت بظلالها على نمو اقتصاداتها. في ظل هذه المعطيات، وفي ظل بطالة هي من الأعلى في العالم لدى الشباب؛ إذ يبلغ متوسطها 25 في المائة، هناك أكثر من 27 مليون شاب سيدخلون سوق العمل في المنطقة خلال السنوات الخمس المقبلة. إن الإصلاحات الداعمة للنمو الاحتوائي كفيلة بتحقيق مكاسب كبيرة.
فعلى سبيل المثال، زيادة التوظيف بمقدار 0.5 نقطة مئوية إضافية سنويا، يمكن أن تثمر تسارعا في نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 5.5 في المائة، وارتفاعا لدخل الفرد الحقيقي بمقدار 3.8 في المائة سنويا، نظرا إلى ما يتمتع به شبان المنطقة من إمكانات هائلة إذا أتيحت لهم الفرص، ولنا في شباب لبنان خير مثال على هذه القدرات.
ولو تم تضييق الفجوة بين الجنسين من حيث المشاركة في سوق العمل، يمكن مضاعفة النمو في بلدان المنطقة خلال عقد واحد من الزمن، وزيادة الناتج التراكمي بما يعادل تريليون دولار أمريكي. أما إذا حولت المنطقة جزءا من إنفاقها على دعم الطاقة، بما يعادل نقطة مئوية واحدة من إجمالي الناتج المحلي، إلى الإنفاق على البنية التحتية، فتكون النتيجة زيادة إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار نقطتين مئويتين، وصنع 0.5 مليون وظيفة جديدة على مدار السنوات الست المقبلة. ومن خلال زيادة التمويل المتاح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى يصل إلى المستوى المتوسط في الأسواق الناشئة، يمكن توفير أكثر من 300 مليار دولار أمريكي لزيادة استثمارات القطاع الخاص في المنطقة. وبالفعل، إن دولا عديدة في المنطقة وضعت إيجاد الوظائف وتحقيق النمو الاحتوائي على رأس برامجها الإصلاحية، وبعض هذه الدول اتخذ خطوات لتحسين الفرص الاقتصادية والمالية المتاحة للشباب والنساء، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته.
وهناك بلدان عديدة تعمل، مثلا، على الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الشمولين الاقتصادي والمالي. فمشاريع التكنولوجيا المالية في المنطقة زادت سبعة أضعاف منذ عام 2009، في بلدان مثل مصر ولبنان والأردن والإمارات. الأردن، مثلا، استحدث خدمة eFawateerCom، وهي منصة إلكترونية تسمح بسداد الفواتير إلكترونيا ومن خلال الصراف الآلي. وتعالج هذه المنصة أكثر من مليون معاملة سنويا، وتربط مستخدميها بأكثر من 70 مليون متعامل على شبكة الإنترنت. ومن الإصلاحات المهمة التي نفذتها دول عدة في المنطقة، خطوات تحسين بيئة الأعمال، والحد من الروتين الإداري، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وفي هذا الإطار، تمكن المغرب من إيجاد نحو 85 ألف فرصة عمل في صناعة السيارات بفضل تحسين مناخ الأعمال، وإنشاء مناطق للتجارة الحرة في الدار البيضاء وطنجة. وأصبح الآن قرابة 45 في المائة من قطع الغيار التي يحتاج إليها قطاع السيارات، يصنع من موردين محليين.
إن المنطقة بحاجة ماسة إلى مثل هذه الجهود للتكيف والتحول، وهذه الأمثلة التي تناولتها، يجب أن تعمم على بلدان المنطقة؛ لأنها تفتح آفاقا لمستقبل أفضل يمكن فيه احتواء الجميع. إن صندوق النقد يؤمن بأن ازدهار المجتمعات يتحقق عندما تكون الفرص متاحة للجميع، ومن المهم جدا أن تستثمر دول المنطقة في شبابها وشاباتها الموهوبين، وأن تعمل على تعزيز فرص التواصل في العالم والتفاعل معه.

إنشرها